< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/07/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآیات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير آية 59 من سورة النساء

قال تعالی: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [1]

قد اكملنا البحث في الآية فوقها وانما بقي الكلام حول الجملة الأخيرة من الآية وهو قوله: ﴿ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ ای الرد الى الله ورسوله فیما تتنازعون فیه خیر و رجوع الى احسن المراجع، وهو امر واضح عند من آمن بالله والرسول.

نعم قد ترى بعض المسلمين يتمسكون في حل نزاعاتهم الى القوانين والأقضية الأجنبية والسر في ذلك امران: أحدهما سوء عمل المسؤولين المسلمين والثاني: مرعوبيتهم تجاه الغرب والحكومات الغربية. بينما لو تأمّلوا في واقع الأمر لعرفوا ان فعل المؤسسات الحكومية في بلاد المسلمين ليس منطبقا على التعاليم الإسلامية فالمشاكل ليست من الإسلام، بل ناشئة عن الجهل او خيانة بعض المسلمين المنتسبين الى تلك الحكومات. مضافاً الى ان الدول الغربية أيضاً لم يستطيعوا ان يعالجوا مشاكلهم سواء المشاكل الناشئة من نقص القوانين وما هي ناشئة عن خيانة المسؤولين. فمن الخطأ الفاحش الرجوع الى غير الكتاب والسنة والاحكام الشرعية في حل مشاكلنا.

كما ان ما شاع في أوساط العشائرية من حل العشائري في فصل الخصومات بأمر شيخ العشيرة واحياناً تزويج بنت من بنات عشيرة القاتل لأحد من رجال عشيرة المقتول!! امر غير سليم، الّا إذا كان شيخ العشيرة ملتزماً بإجراء الحق على أساس الإسلام، نعم إذا أراد بعض اطراف الحق ان يتنازلوا عن حقّهم فأهلاً بهم وسهلاً، ولكن ينبغي لمن يريد ان يفصل الخصومة أولاً ان يدرس الموضوع ويدقّق في كشف حق كل جانب، ثم يعلن للظالم ما عليه وللمظلوم ما له شرعاً، ثم يوصيهم بالعفو والتغاضي والتنازل من دون ضغط او الأخذ بالحياء فان المأخوذ حياءً كالمأخوذ غصباً.

كما قلنا قبل البحث في هذه الآية ان مجموعة الآية السابقة عليها واللاحقة بها تشكل منظومة كاملة للحكومة الإسلامية ونشير الى ها المعني بإطلالة على تلك الآيات الثلاثة:

في الآية السابقة قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‌ أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾[2] واهم الامانات هي الحكومة الإسلامية كما يستفاد من الروايات حول تفسير الآية ورد في تفسير البرهان، في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ﴾ الآية: خمسة عشر رواية كلها تؤكد ان الأمانة هي الامامة او الحكم او ما يقرب من هذه التعبيرات منها: ما روى عن محمد بن إبراهيم النعماني بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) قال: "سألته عن قول الله عز و جل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‌ أَهْلِها- وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ فقال: أمر الله الإمام أن يؤدي الأمانة إلى الإمام الذي بعده، ليس له أن يزويها عنه، أ لا تسمع قوله: ﴿وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ- إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ هم الحكام يا زرارة، أنه خاطب بها الحكام" [3]

ثم في الآية التي تليها قال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ وهذه صريحة في وجوب طاعة اولي الامر و ايكال امر الحكومة بين الناس اليهم ثم قال في الآية التي تليها: ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾ [4] ﴿وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‌ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾[5] ومن هاتين الآيتين يتضح ان من يعترف بحكومة ليست مستمدة من الله هو ايمانه مزعوم و هو منافق في أداء الايمان بل يجب عليهم الاعتراف بمن اختاره الله تعالى من النبي والائمة عليهم السلام ومن كان مأذونا من قبلهم كما كان لرول الله وامير المؤمنين ولاة نصبوهم في البلاد المختلفة وقواد خولوا عليه إمرة المجاهدين في الغزوات وكان لائمة المعصومين عليهم السلام نواب و وكلاء مأذون من قبلهم في إدارة أمور شيعتهم او أصحاب خولوا اليهم بصورة عامة امر الارشاد والقضاء في أوساط شيعتهم وتابعيهم كزرارة والابان وغيرهم من باب النموذج الذي قال له "أبو جعفر عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك". [6]

وما روي عن امام العسكري عليه السلام في حديث مفصل "فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ- حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ- مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ- فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ- وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا كُلَّهُمْ الحديث" [7]

وما روي بسند صحيح عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا- بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ- فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَ إِلَى الْقُضَاةِ أَ يَحِلُّ ذَلِكَ- قَالَ مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ- فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ- وَ مَا يُحْكَمُ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً- وَ إِنْ كَانَ حَقّاً ثَابِتاً‌ لَهُ- لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ- وَ مَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ- وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [8] قُلْتُ فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ- قَالَ يَنْظُرَانِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا- وَ نَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا وَ عَرَفَ أَحْكَامَنَا- فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً- فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يُقْبَلُ مِنْهُ- فَإِنَّمَا اسْتُخِفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ وَ عَلَيْنَا رُدَّ- وَ الرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ- وَ هُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ الْحَدِيثَ. [9] فقوله عليه السلام فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكماً معناه نيابة عنهم سلام الله عليهم ثم في الأية الاخيرة حيث قال: ﴿وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‌ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾ اعتبر الرافضين لهذه الولاية منافقين فهذه الآيات المباركات رسمت لنا منظومة للحكومة الإسلامية التي الاعتراف بها ايمان و وعدم الاعتراف بها والركون الى ما سواها شرك ونفاق فتأمل جيداً.

 


[1] سورة النساء، الآیة59.
[2] سورة النساء، الآیة58.
[4] سورة النساء، الآیة60.
[5] سورة النساء، الآیة61.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo