< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير آية 59 سورة النساء

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [1]

انتهینا فی بحثنا فی الجلسة السابقة عن بيان المراد من اولي الامر من انهم هم الأئمة الهدى عليهم السلام بشهادة روايات كثيرة ذكرنا بعضها وفيها الكفاية فنتناول اليوم المقطع الأخير من الآية الكريمة وهو قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾

زعم بعض المفسرین بان المخاطب فی قوله تعالى: "ان تنازعتم" یشمل اولي الامر ایضاً مستدلاً على عدم ذكر اولي الامر في هذا المقطع فالمراد من النزاع نزاع سائر الناس مع اولي الامر، بما ان اولي الامر ليسوا معصومين فاذا خرجوا عن خط الإسلام فللناس أن يقفوا في وجههم وعليهم ان يردوا الامر الى الله والى رسوله أي الكتاب والسنة.

ولكن هذا التأويل لا يلائم مع الامر بطاعتهم من دون قيد ولا شرط في صدر الآية، فالحق ان المخاطب في هذا المقطع هو نفس المخاطب في صدر الآية بقوله: "يا أيها الذين آمنوا" ففي المقطع الأول امر بطاعة الله فيما يصدر من الشريعة ثم امر بطاعة الرسول واولي الامر فيما يصدّرون من الأوامر في تنفيذ الاحكام الإلهية وإدارة الامور في حكومتهم، وفي كلا الموردين اوجب طاعهم على المؤمنين من دون شرط وقيد، ثم تطرّق في المقطع الثاني الى الخلافات التي تحصل فيما بين المؤمنين فيما يتعلق بأحكام الشرعية، فأمرَ بالرجوع الى الكتاب والسنة،

انّ ما جاء به رسول الله من الشريعة بالوحي الإلهي على قسمين: القرآن، وما يخبره من خلال كلماته وتعليماته حيث انه صلوات الله عليه "﴿لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوى اِنْ هُوَ اِلّا وَحْيٌ يُوحَى﴾"[2] وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْاَقَاوِيلَ لَأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَلَقَطَعْنَا منْهُ الْوَتِينَ﴾[3] ولفظة "لو" هنا امتناعية، بيان لاستحالة التقوّل منه على الله. كما للرسول أوامر ولائية حكومية يصدرها ويجب على الناس أن يطيعوه فيها.

وما يبلّغه عن الله هو السنة، وهو المبيّن لها كما يبيّن لهم القرآن، والائمة عليهم السلام لهم نفس العنوان لان احكام الشريعة نزل من عند الله عز وجل، وابلغها النبي صلى الله عليه واله وليس للأئمة عليهم السلام شأن في التشريع وانّما هم مبيّنون ومفسرون لما جاء به الرسول من الوحي الإلهي، فلم تكن حاجة لتكرار اولي الامر، وليس لأئمة الهدى شأن في التشريع بل انما يبلغون ما جاء به رسول الله ولا تأتيهم شبهة ولا خلاف في فهم الشريعة لأنّهم المعصومون عن الخطاء.

فالمراد من التنازع في هذا المقطع هو الاختلاف والتنازع في الأحكام، لا في المسائل المتعلقة بجزئيات الحكومة والقيادة الإسلامية، لأنّه في هذه المسائل يجب علیهم طاعة أولي الأمر كما صرّح بذلك في المقطع الأول من الآية المبحوثة عنها.

فالمراد من الاختلاف هو الاختلاف في الأحكام و القوانين الكلية الإسلامية التي يعود أمر تشريعها إلى اللّه سبحانه و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّنا نعلم أنّ الإمام مجرّد منفذ للأحكام الإلهية و ليس مشرعاً، و لا ناسخا لشي‌ء من تلك الأحكام، و إنّما عليهم أن يطبقوا الأحكام و الأوامر الإلهية و السنة النّبوية في حياة الأمة بما یتیسر لهم، و لهذا جاء في أحاديث أهل البيت عليهم السّلام إنّهم قالوا: "ما خالف قول ربنا لم نقله"[4] . او " «لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن و السنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد (لعنه الله) دس في كتب «اصحاب» أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله و لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا و سنة نبينا صلى الله عليه و آله»."[5] أي يستحيل أن نقول ما يخالف كتاب اللّه و سنة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. وعلى هذا، المرجع الوحید الذي يرجع إليه المسلمون لحل خلافاتهم في الأحكام الشرعیة هو اللّه سبحانه و النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله الذي جاء بها من عند الله، و إذا ما بيّن الأئمّة المعصومون أحكاما، فإنّ تلك الأحكام ليست سوى اقتباس من كتاب اللّه، أو هي‌ من العلوم التي وصلت إليهم من النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله .

فالمخاطب بقوله: ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ﴾ هم المؤمنون بقوله في صدر الآية: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ‌ آمَنُوا﴾، و التنازع تنازعهم بلا ريب، و مما يؤيد هذا المعنى الآيات التی تليها حیث یذم من يرجع إلى حكم الطاغوت دون حكم الله و رسوله.

قال صاحب الميزان: من هنا يظهر أن ليس لأولي الأمر هؤلاء- كائنين من كانوا- أن يضعوا حكما جديدا، و لا أن ينسخوا حكما ثابتا في الكتاب و السنة، و إلا لم يكن لوجوب إرجاع موارد التنازع إلى الكتاب و السنة و الرد إلى الله و الرسول معنى على ما يدل عليه قوله: ﴿وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً﴾[6] ، فقضاء الله هو التشريع و قضاء رسوله إما ذلك و إما الأعم، و إنما الذي لهم أن يروا رأيهم في موارد نفوذ الولاية، و أن يكشفوا عن حكم الله و رسوله في القضايا و الموضوعات العامة. و بالجملة لما لم يكن لأولي الأمر هؤلاء خيرة في الشرائع، و لا عندهم إلا ما لله و رسوله من الحكم أعني الكتاب و السنة لم يذكرهم الله سبحانه ثانياً عند ذكر الرد بقوله: ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُول﴾‌ [7] بقي علينا الجملة الأخيرة من الآية و هي قوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً" نتعرض لها في الاسبوع القادم ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo