< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير آية 59 من سورة النساء

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[1]

كان بحثنا في الجلسة السابقة حول هذه الآية الكريمة وكملنا البحث في اطيعوا الله واطيعوا الرسول واليوم نبحث في "وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" اولو الأمر من هم؟

في تفسير الامثل لخص آراء المفسرين في المراد من اولي الامر في الآية الشريفة في سبعة اقوال فقال:

1- ذهب جماعة من مفسّري أهل السنّة إلى أنّ المراد من ﴿أولى الأمر﴾ هم الأمراء و الحكام في كل زمان و مكان، و لم يستثن من هؤلاء أحدا، فتكون نتيجة هذا الرأي هي: إنّ على المسلمين أن يطيعوا كل حكومة و سلطة مهما كان شكلها حتى إذا كانت حكومة المغول، و دولتهم الجائرة.

2- ذهب البعض من المفسّرين- مثل صاحب تفسير المنار و صاحب تفسير في ظلال القرآن و آخرون- إلى أنّ المراد من ﴿أولي الأمر﴾ ممثلو كافة طبقات الأمة، من الحكام و القادة و العلماء و أصحاب المناصب في شتى مجالات حياة الناس، و لكن لا تجب طاعة هؤلاء بشكل مطلق و بدون قيد أو شرط، بل هي مشروطة بأن لا تكون على خلاف الأحكام و المقررات الإسلامية.

3- ذهبت جماعة أخرى إلى أنّ المراد من ﴿أولي الأمر﴾ هم القادة المعنويون و الفكريون، أي العلماء و المفكرون العدول العارفون بمحتويات الكتاب و السنة معرفة كاملة.

4- و ذهب بعض مفسّري أهل السنة إلى أنّ المراد من هذه الكلمة هم‌«الخلفاء الأربعة» الذين شغلوا دست الخلافة بعد رسول اللّه خاصّة و لا تشمل غيرهم، و على هذا لا يكون لأولي الأمر أي وجود خارجى في الأعصر الاخرى.

5- يفسر بعض المفسّرين ﴿أولي الأمر﴾ بصحابة الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

6- هناك احتمال آخر يقول- في تفسير أولي الأمر- إنّ المراد منه هم القادة العسكريون المسلمون، و أمراء الجيش و السرايا. - ذهب كلّ مفسّري الشيعة بالاتفاق إلى أنّ المراد من ﴿أولي الأمر﴾ هم الأئمّة المعصومون عليهم السّلام الذين أنيطت إليهم قيادة الأمة الإسلامية المادية و المعنوية في جميع حقول الحياة من جانب اللّه سبحانه و النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا تشمل غيرهم، اللّهم إلّا الذي يتقلد منصبا من قبلهم، و يتولى أمرا في إدارة المجتمع الإسلامي من جانبهم- فإنّه يجب طاعته أيضا إذا توفرت فيه شروط معينة، و لا تجب طاعته لكونه من أولي الأمر، بل لكونه نائبا لأولي الأمر و وكيلا من قبلهم.)[2]

دراسة الاقوال ملخصاً: أن التّفسير الأوّل لا يناسب ابدا مع روح التعاليم الإسلامية بحال، إذ لا يمكن أن تقترن طاعة كل حكومة- مهما كانت طبيعتها- و من دون قيد أو شرط بإطاعته اللّه و النّبي، لانها تناقض طاعة الله ورسوله و لهذا تصدى كبار علماء السنة لنفي هذا الرأي و التّفسير مضافا إلى علماء الشيعة.

و كذا التّفسير الثّاني: ايضا فإنّه لا يلائم مع إطلاق الطاعة في الآية الشريفة ولو نقيدهم بعدم مخافة الشرع فمن الجكم في الموافقة والمخالفة ومن يفرض عليهم ان لا يخالفوا حكم الله ورسوله.

و هكذا التّفسير الثّالث، لا ضمان له في التطبيق كما نرى كثير من الحكام وصفوا انفسهم بخليفة رسول الله وارتكبوا جرائم بشعة كبني امية وبني العباس مضافا الى ان تفسير ﴿أولي الأمر﴾ بالعلماء و العدول و العارفين بالكتاب و السنة، ثم تقييدهم بعدم مخالفة الكتاب والسنة لا يلائم مع اطلاق الامر بالطاعة لاولي الامر

و أمّا التّفسير الرّابع (و هو حصر عنوان أولي الأمر بالخلفاء الأربعة الأوائل) فمؤداه عدم وجود مصداق لأولي الأمر بين المسلمين في هذا الزمان مضافا الى ان كثير من اوامرهم ونواهيهم كانت مخالفة للكتاب وسنن النبي صلوات الله عليه .

و التّفسير الخامس و السّادس: اي تخصيص هذا اولي الامر بالصحابة أو القادة العسكريين المسلمين، و يرد عليهما نفس الإشكال في عدم تناسبهما مع اطلاق وجوب الطاعة وهم ليسوا معصومين بلل كثير منهم طغاة والفساق عادة خصوصا بعد تسلم القدرة وثالثا هذه التفاسير مجرد الادعاء ولا دليل وراءها.

و قد حاول جماعة من مفسّري السنة مثل «محمّد عبده» في المنار تبعا لفخر الرازي في تفسير الكبير- تبرير الاحتمال الثّاني (القاضي بأنّ أولي الأمر هم ممثلو مختلف طبقات المجتمع الإسلامي من العلماء و الحكام و غير هؤلاء من طبقات و فئات المجتمع الإسلامي) بضمه بعض الشروط و القيود، مثل أن يكونوا مسلمين (كما يستفاد من كلمة «منكم» في الآية) و أن لا يكون حكمهم على خلاف الكتاب و السنة، و أن يحكموا عن اختيار لا جبر و لا قهر، و أن يحكموا وفق مصالح المسلمين، و أن يتحدثوا في مسائل يحقّ لهم التدخل فيها (لا مثل العبادات التي لها قوانين و أحكام ثابتة في الإسلام) و أن لا يكون قد ورد في الحكم الذي أصدروه نص خاص من الشرع، و أن يكونوا- فوق كل هذا- متفقين في الرأي و الحكم. وجعلوا هذا الجمع تمثلا للامة ثم استندوا الى حديث نسبه الى رسول الله انه قال: لا تجتمع امتي على خطأ،- و بعبارة أخرى- أن مجموع الأمّة معصومة (أو أنّ الأمّة بوصفها معصومة) تكون نتيجة هذه الشروط وجوب إطاعة مثل هذا الحكم بشكل مطلق و من دون قيد أو شرط تماما مثل إطاعة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و مؤدى هذا الكلام هو حجّيّة الإجماع).

و لكن ترد على هذا التّفسير أيضا إشكالات و اعتراضات عديدة و هي:

أوّلا: إنّ الاتفاق في الرأي في المسائل الاجتماعية قلّما يتفق و قلّما يتحقق، و على هذا فإن هذا الرأي يستلزم وجود حالة من الفوضى و الانتظام في أغلب شؤون المسلمين و بصورة دائمة.

ثانياً: انهم ليسوا أكثرية الامة وعلى فرض كونهم الاكثرية لا دليل على عصمة الاكثرية لانها ليست معصومة أبدا، و لهذا لا تجب إطاعتها بنحو مطلق.

ثالثا: إنّ أحد الشرائط التي يذكرها أنصار هذا التّفسير هو أن لا يكون حكم هؤلاء «أي أولوا الأمر» على خلاف الكتاب و السنة، فيجب حينئذ أن نرى من الذي يشخّص أن هذا الحكم مخالف للكتاب و السنة أو لا، لا شك أن ذلك من مسئولية المجتهدين و الفقهاء العارفين بالكتاب و السنة، و يعني هذا إنّ إطاعة أولي الأمر لا يجوز بدون إجازة المجتهدين و العلماء، بل تلزم أن تكون إطاعة العلماء أعلى من إطاعة أولي الأمر، و هذا لا يناسب و لا يوافق ظاهر الآية الشريفة.

ونتابع البحث في الاسابيع القادمة ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo