< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الأيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 43من سورة النساء

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‌ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى‌ تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‌ أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً﴾ [1]

قد تحدثنا في الاسبوع الماضي من هذه الآية المباركة الى قوله حتى تغتسلوا فتوضح مقطعين من هذه الآية المباركة واليوم ندخل في المقطع الثالث منها وهو قوله تعالى: "وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‌ أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً"

ورد في القرآن الكلام عن التيمم مرتين احدهما هنا والأخر في الآية السادسة من سورة المائدة حيث قال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‌ أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [2]

وقفة مع بعض مفردات الآية: قال في المجمع:

(الغائط: أصله المطمئن من الأرض يقال غائط وغيطان وكانوا يتبرزون هناك ليغيبوا عن عيون الناس ثم كثر ذلك حتى قالوا للحدث غائط وكنوا بالتغوط عن الحدث في الغائط وقيل إنهم كانوا يلقون النجو في هذا المكان فسمي باسمه على سبيل المجاز والغوطة موضع كثير الماء والشجر بدمشق وقال مؤرج الغائط قرارة من الأرض تحفها آكام تسترها والفعل منه غاط يغوط مثل عاد يعود.

واللمس: يكون باليد ثم اتسع فيه فأوقع على غيره وقالوا التمس وهو افتعل من اللمس فأوقع على ما لا يقع عليه اللمس وملتمس المعروف طالبه وليس هنا مماسة ولا مباشرة

والتيمم: القصد ومثله التأمم وقد صار في الشرع اسما لقصد مخصوص وهو أن يقصد الصعيد ويستعمل التراب في أعضاء مخصوصة

والصعيد: وجه الأرض من غير نبات ولا شجر وقال الزجاج الصعيد ليس هو التراب إنما هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره وإنما سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض)[3] .

في هذا المقطع من الآية بعد ما مر بالغسل جاء بأربعة أمور وهي: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‌ أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾. فالاثنان الأولان هما لمكان العذر عن الطهارة المائية، اما خوفا من الضرر واما لعدم وجدان الماء والاثنان الآخران من موجبات الطهارة.

وبعض علماء العامة حملوا قوله تعالى او لامستم النساء على ظاهره فأفتوا بان لمس النساء حتى المحارم موجب لبطلان الوضوء، وما تفرّسوا ان وموضوع التيمم وهو الطاهرة الترابية رادف للطهارة المائية في الآية الشريفة بنحو اللف والنشر المرتب فقال تعالى: اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم....وان كنتم جنبا فاطهروا" هنا أيضا جاء بموجب الوضوء فقال: "جاء احدكم من الغائط" لموجب الوضوء ثم قال: "او لامستم النساء" لموجب الغسل وهذا سيرة القران ان لا يصرِّح لما فيه هزازة عند النفوس الا كناية

ثم ان هذه الأمور الأربعة ليست بخصوصها موضوعا للحكم بل الاثنان الاولان ذكرا كمصداقين للعذر عن الطهارة المائية على الأغلب، لأنه ليس كل مريض يتيمم بل انما يتيمم المريض الذي يضر به الماء، وقد ليس مريضاً ويضره الماء فيتيمّم كما إذا كان في برد شديد وليس عنده وسائل تدفئة الماء او مهلة له فيكفيه التيمم.

في مورد السفر لم يقل: " كنتم مسافرين" بل قال: "كنتم على سفر" لان المسافر عند ما كان يصل الى منازل الطريق كان متمكناً من الوضوء او الغسل عادة، ولكن في حين السير في العصور الماضية قبل توفر وسائل النفل السريع كثيراً مّا كان الماء معسورا عليهم ومع ذلك في بعض الموارد كانوا حاملين للماء بما يكفي حاجاتهم حتى الوضوء. فالنسبة بين موضوع التيمم الى السفر والمرض نسبة عموم من وجه.

والآخران هما مصداقان لموجب الطهارة وليس محصورا عليهما فالنوم والجنابة من دون لمس النساء أيضا موجبان للوضوء والغسل.

ثم قال تعالى: "فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً" عند عدم وجدان الماء لعدم توفره او للعذر عن استعماله، ثم استعمل هنا مفردة التيمم التي معناها اللغوي اُقصدوا ومعناها الشرعي الطهارة المائية فامر بطلب وجه الأرض وهو اعم من التراب فيشمل الحجر والرخام أيضا وقيده بالطيب وهو النظيف الذي يشمئز منه النفوس.

ولعل الله جعل التيمم بديلا للوضوء والغسل حتّى يجمع بين الخضوع لله بمسح التراب على الجبين ونوع من التعقيم والطهارة عن بعض الجراثيم قال في الأمثل: (ثبت اليوم بأنّ التراب بحكم احتوائه على كميات كبيرة من البكتريا تزيل التلوثات، إن البكتريات الموجودة في التراب والتي تعمل على تحليل الموارد العضوية وإبادة كل أنواع العفونة، توجد- في الأغلب- بوفرة في سطح الأرض، والأعماق القريبة التي يمكن لها الانتفاع بنور الشمس والهواء بصورة أكثر).[4]

اما كيفية التيمم فقد اجمل الله فيها الكلام فقال: "فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ" وتفاصيل مبحث التيمم خارج عن موضوع بحثنا وهي موكول الى الفقه وانّا نذكر بعض الاختلافات في كيفيته : قال في المجمع: (واختلف في كيفية التيمم على أقوال (أحدها) أنه ضربة لليدين إلى المرفقين وهو قول أكثر الفقهاء وأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وبه قال قوم من أصحابنا (وثانيها) أنه ضربة للوجه وضربة لليدين من الزندين وإليه ذهب عمار بن ياسر ومكحول واختاره الطبري وهو مذهبنا في التيمم إذا كان بدلا من الجنابة فإذا كان بدلا من الوضوء كفاه ضربة واحدة يمسح بها وجهه من قصاص شعره إلى طرف أنفه ويديه من زنديه إلى أطراف أصابعهما وهو المروي عن سعيد بن المسيب (وثالثها) أنه إلى الإبطين عن الزهري)‌[5]

وقد ختم الله تعالى الآية بقوله: "إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً" فأشار الى هاتين الصفتين التي تدعى الى سماحة الشريعة وسهولتها والتيمم منها فما اراد الله بكم العسر بل يريد بكم اليسر فما جعل لكم في الدين من حرج. وهنا نختم هذه الآية المباركة وفي الاسبوع القادم معكم في آية اخرى ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo