< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/04/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير آية 43 سورة النساء

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‌ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى‌ تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‌ أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً﴾ [1]

هذه الآية المباركة تعرضت لثلاثة احكام في الشريعة المقدسة: اولها النهي عن القرب من الصلاة في حالة السكر وثانيها رعاية حرمة المسجد وثالثها احكام التيمم موردا وكيفية.

اما الموضوع الاول: هو النهي عن الصلاة في حالة السكر ولا تقربوا يعبر ان التاكيد في الاجتناب كما قال: ﴿لا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا﴾[2] وقال: ﴿لا تقربوا مال اليتيم الا باللتي هي احسن﴾[3] وهذا التعبير رائج بمعناه في جميع اللغات حتى مفردة اجتناب بمعنى الإبتعاد كناية عن عدم الارتكاب. ثم ما المراد من الصلاة في هذه الآية؟ يحتمل فيه امران: النهي عن الصلاة في حالة السكر فقوله تعالى : ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ يكون غاية لمدة النهي، والاحتمال الثاني النهي تعلَّقَ بالسكر مطلقا و قوله ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ هو بيان حكمة النهي والداعي عليه. فعلى الاول يمكن ان يستفاد منه المفهوم المخالف اي جواز السكر بحيث لم يتعارض مع الصلاة. ولكن معنى الثاني لا مفهوم له ولعل الاحتمال الثاني، هو الأولى اي: بما انتم اهل الصلاة فلا تتسكروا كي تعرفوا ما تقولون في صلاتكم، ويقوي هذا الاحتمال اذا لاحظنا المواعيد الخمسة للصلاة المتعاقبة وكانت سيرة المسلمين ادائها هكذا وفي المسجد وعادة من شرب المسكر بما يسكره لا يزول عنه السكر في تلك الفترات القصيرة وفي الحقيقة هذا نهي غير مباشرعن شرب الخمر بما يوجب السكر، و لذلك ورد في التاريخ ان كثير من الناس لما نزلت هذه الآية تركوا شرب الخمر.

ثم لابد من العناية بان الاسلام لم يأت باحكامه دفعة واحدة بل نزلت الاحكام نجوماً وليس معنى ذلك تحليل المحرمات ثم تحريمها، بل كان عدم الايجاب وعدم التحريم، ثم نزول الاوامر والنواهي تدريجاً، فلا يمكن ان نقول ان الاسلام احل الخمر ثم حرمه، لان اثبات الشيء لا ينفي ماعداه، كما ان نفي الشيء لا يثبت ماعداه.

والامر واضح بانه ليس من الحكمة مخالفة العادات والاعراف دفعة واحدة او في فترة قصيرة بل لابد من التدرّج حتي يستأنس بها النفوس كما ان القران نزل تدريجا وقال الله تعالى لرسوله صلوات الله عليه: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾[4] ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ﴾[5] ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾[6] ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[7] وقال تعالى: ﴿"وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ اَنْ يُقْضَى اِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [8]

وقد ورد في ترتيب نزول الآيات المنتهية الى حرمة الخمر بصورة حاسمة خمس مراحل نزلت على ترتيب التالي:

1-﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [9]

لم يصرح فيها بنهي وانما اشار باتخاذ السكرو الرزق الحسن من ثمرات النخل والأعناب التي يؤخذ منها الخمور فبالكناية اشار الى عدم حسن الخمور.

2-﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[10]

في هذه الرحلة اشار الى حرمة الفواحش الظاهرة والباطنة وشرب الخمر منها وآثاره ايضا من الفواحش ولم يصرح بنهي وتقبيح شرب الخمر كان في جميع الاديان، بل السكر مرفوض في جميع الثقافات المعقولة.

3- ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى‌ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾[11]

في هذه المرحلة نهى عن القرب الى الصلاة سكرانا فأظهر استيائه منه حتى تركه جمع من المؤمنين لما عرفوا ان الله يكره لهم السكر.

4-﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾[12]

في هذه المرحلة ايضا صرح باسم الخمر من دون النهي عن تعاطيه بل في المقارنة بين منافعه ومضاره اعتبر اثمهما اكبر من نفعهما ففي تعاطيه خسران ظاهر.

5-﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصَابُ وَ الْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَ الْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ . وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾[13]

اما في المرحلة الأخيرة نزلت هذه الآيات فجعل الخمر في مصاف الميسر والانصاب والازلام وسمّاه رجساً ومن عمل الشيطان ثم نهى نهيا باتّاً للوصول الى الفلاح. ثم ذكر مفاسده من نشر العداء والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة ثم استفهمهم استفهاما تقريرياً بقوله فهل أنتم منتهون؟ ثم ناتي الى المقطع الثاني من الآية: ثم

قال تعالى: ﴿وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى‌ تَغْتَسِلُوا﴾ عطفاً على لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى فمعناه لا تقربوا الصلاة وانتم جنباً. فنهى عن القرب الى الصلاة في حالتي السكر والجنابة والخروج من السكر هو "حتى تعلموا ما تقولون" والخروج عن الجنابة ﴿حتى تغتسلوا﴾ فيمكن ان يكون المراد من مفردة الصلاة هنا الصلاة الأركان المخصوصة ولكن المشكل في استثناء بعابري سبيل فان الصلاة لا معنى للعبور عنها ولذا عالج البعض بحمل الصلاة كاسم ظاهر على اركان المخصوصة والضمير العائد اليها بمعنى مكان الصلاة أي المسجد ويلزم منها استعمال اللفظ واحد في أكثر من معنى. وحمل البعض الآخر الصلاة والضمير العائد اليها كلاهما الى المسجد والتعبير بالصلاة من المسجد لان المتعارف إقامة الصلاة في المساجد فتعلق المنع من دخول السكران والجنب الى المسجد الا انه رخص للجنب بالعبور عنه فحرم الدخول الى المساجد جنبا الا لمجرد العبور ولعل السر في ذلك ان المسلمين الذي نزلوا الى المدينة عمروا لانفسهم بيوتا حول المسجد ملتصقا به فجعلوا أبوابها الى المسجد فكانوا مضطرين من العبور من المسجد للإغتسال او جلب الماء له فرخص الله العبور. ثم امر الله بسد الأبواب وفتحها من الخارج الا باب على وفاطمة فرخص عليهما ببقاء الباب ليعرف الناس تمايزهما عن سائر المسلمين بالشرف والرفعة وبالطهارة التي ميّز بها اهل بيت النبي صلى الله عليه وآله حيث قال تعالى: ﴿انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾. فحرم الله الخول في مسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف و لو اجتيازا وبقس سائر المساجد على حرمة الحول الا اجتيازا على ما افتى به فقهائنا مستندا الى بعض الروايات التي وردت في هذا الشأن وتفصيل البحوث يطلب من مظانها في المفصلات الفقهية.

ونترك دراسة تتمة الآية للأيام القادمة ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo