< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير موضوعي /ىالايات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير آية 29 و 30 من سورة النساء

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ [1] ﴿وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾[2]

كان بحثنا في الاسبوع الماضي حول هاتين الآيتين الكريمتين و تحدثنا حول الآية الاولى التي تنهانا عن اكل الاموال بالباطل والنهي عن قتل النفس وبحثنا حول مفرداتها والمراد منه و آراء بعض المفسرين فيهما

هنا ينبغي ان نشير الى نقطة مهمة وهو جملة الاستثناء في الآية الكريمة وهي قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ﴾ اجمل القرآن في معنى الباطل ثم استثنى منه التجارة التي تكون برضى الطرفين. في بادئ الامر ياتي الى الذهن ان التبادل المشروع محصور في التجارة مع التراضي فكل مبادلة لا تخلوا من احد الامرين اما تكون من اكل المال بالباطل او من تجارة عن تراض فيستنتج ان جميع المعاملات غير التجارة من الباطل كالاجارة والمزارعة والمساقات والجعالة والهبة المعوضة وغير المعوضة والمهر والارث ومنافع الاوقاف بل وحيازة المباحات و كثير من اقسام طرق الحصول على المال كلها من الباطل؟. ونحن نعرف بضرورة الشرع من الكتاب والسنة وفتاوى الفقهاء من عصر الرسالة الى هذا العصر انها محللة و مشروعة وليست من الباطل في شيء اذا وقعت بشروطها. فالحق ان الممنوع هو اكل المال بالباطل ولكن ما هو الباطل؟ يستفاد ذالك من تفاصيل احكام المعاملات في الشريعة الاسلامية المقدسة والاستثناء منقطع ذكر فيه المعاملة التي اكثر شيوعا في نقل الاموال و هو التجارة و ليس المراد حصر الجواز فيها.

قال في الميزان ما ملخصه: (الاستثناء الواقع في قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ، استثناء منقطع جي‌ء به لدفع الدخل فإنه لما نهى عن أكل المال بالباطل- و نوع المعاملات الدائرة في المجتمع الفاسد التي يتحقق بها النقل و الانتقال المالي كالربويات و الغرريات و القمار و أضرابها باطلة بنظر الشرع- كان من الجائز أن يتوهم أن ذلك يوجب انهدام أركان المجتمع و تلاشي أجزائها و فيه هلاك الناس فأجيب عن ذلك بذكر نوع معاملة في وسعها أن تنظم شتات المجتمع، و تقيم صلبه، و تحفظه على استقامته، و هي التجارة عن تراض و معاملة صحيحة رافعة لحاجة المجتمع، و هذا الذي ذكرناه من انقطاع الاستثناء هو الأوفق بسياق الآية و كون قوله: بِالْباطِلِ قيدا أصليا في الكلام. و على هذا لا تخصص الآية بسائر المعاملات الصحيحة و الأمور المشروعة غير التجارة مما يوجب التملك و يبيح التصرف في المال كالهبة و الصلح و الجعالة و كالأمهار و الإرث و نحوها).[3]

ثم قال سبحانه: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ وقد تحدثنا حولها في الاسبوع الماضي فلا نعود وانما نشير الى نقطة هامّه وهي سؤال يخطر بالبال و هو اي تناسب بين الاكل بالباطل قتل الإنسان لنفسه حيث اردف الله بينهما؟

وقد اجاب عن هذا السؤال في الامثل بما ملخصه: (أنّ العلاقات الاقتصادية في المجتمع إذا لم تكن قائمة على أساس صحيح، و وقع الظلم و التصرف العدواني في أموال الغير أصيب المجتمع بنوع من الانتحار، و آل الأمر إلى تصاعد حالات الانتحار الفردي مضافا إلى الانتحار الجماعي الذي هو من آثار الانتحار الفردي ضمنا. إنّ الحوادث و الثورات التي تقع في المجتمعات العالمية المعاصرة خير شاهد و أفضل دليل على هذه الحقيقة، و حيث أنّ اللّه لطيف بعباده رحيم بخلقه فقد أنذرهم و حذرهم من مغبة الأمر، و حثّهم على تجنب المبادلات الاقتصادية المالية الغير الصحيحة، و أخطرهم بأن الإقتصاد المريض يؤدي بالمجتمع إلى السقوط و الانهيار، و الفناء و الاندحار)[4]

ثم قال في الآية التي تليها: ﴿وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾ هناك كلام للمفسرين في قوله تعالى: من يفعل ذلك إشارة إلى اي شيء؟

فمنهم من جعله اشارة الى قتل النفس المحترمة خاصة. ومنهم من اضاف اليه اكل المال بالباطل ومنهم من اعتبره إشارة إلى المحرمات في هذه السورة من قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً﴾ ومنهم من وسع نطاق الاشارة بكل ما نهى الله عنها في هذه السورة المباركة

ولكن الذي يظهر من سياق الكلام انه اشارة الى اكل المال بالباطل وقتل النفس المذكورتان في الآية الاولى من هاتين الآيتين المصدرة بيا ايها الذين آمنوا.

قوله: ﴿عُدْواناً وَ ظُلْماً﴾ حال ل﴿من يفعل ذلك﴾ وفي معناهما: قيل هما واحد و أتي بهما لاختلاف اللفظين، و قيل العدوان تجاوز ما أمر الله به و الظلم أن يأخذه على غير وجه الاستحقاق و قيل أراد به المستحلين.

اقول: لعل الله اراد ان لا يشمل عذاب الموعود في ذيل الآية على من صدر عنه جهلا او غفلة او اغترارا بتسويلات النفس والشيطان و ندم وتاب ولم يصر على فعله القبيح.

﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً﴾ أي نجعله صلى نار و نحرقه بها ﴿وَ كانَ ذلِكَ﴾ أي إدخاله النار و تعذيبه فيها ﴿عَلَى اللَّهِ﴾ سبحانه ﴿يَسِيراً﴾ هينا لا يمنعه منه مانع و لا يدفعه عنه دافع و لا يشفع عنده إلا بإذنه شافع. وليس كالبشر مبتلى بالعواطف والاحساسات فالبشر يصعب عليه تعذيب غيره و احيانا لا قدرة له على تعذيب غيره ولكن الله ارحم الراحمين في موضع العفو الرحمة واشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo