< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/ الآيات المصدرة بيا ايا الذين آمنوا / تفسير آيات 29 و 30 من سورة النساء

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾[1] ﴿وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾ [2]

فی الآیات فوقها نهى الله تعالى المؤمنين من امرین: اکل المال بالباطل وقتل النفس.

في بدو الكلام نقف عند بعض مفردات الآية:

فقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خطاب الى جميع المسلمين الذين اعترفوا بالله ورسوله فالإيمان هنا بالمعنى الواسع له و قوله: ﴿لا تَأْكُلُوا﴾ الأكل على ما فسره في الميزان: (هو إنفاد ما يمكن أن يتغذى به بالتقامه و بلعه مثلا، و لما فيه من معنى التسلط و الإنفاد يقال: أكلت النار الحطب شبه فيه إعدام النار الحطب بإحراقه بإنفاد الأكل الغذاء بالتناول و البلع، و يقال أيضا: أكل فلان المال أي تصرف فيه بالتسلط عليه، ...لذلك سمي التصرف أكلا لكن لا كل تصرف بل التصرف عن تسلط يقطع تسلط الغير على المال بالتملك و نحوه كأنه ينفده ببسط سلطته عليه و التصرف فيه كما ينفد الأكل الغذاء بالأكل).[3]

اما قوله تعالى: ﴿أَمْوالَكُمْ﴾ نسب المال الى جمع المخاطب ولم يقل: "لا يأكل بعضكم اموال بعض" لعل السر في ذلك النظر الى الاقتصاد برؤية شاملة كما قال في الآية الخامسة من هذه السورة:

﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ [4] فعبر عن أموال السفهاء بأموالكم لان الاقتصاد هو العمود الفقري للمجتمع ولذلك يكون "الناس مسلطون على أموالهم" ولكن لا يجوز التصرف في المال بما يضر بالمصلحة العامة من الاسراف والتبذير كما يمنع منعا باتا من الاحتكار واحيانا من أهمل موارد الإستثمار يسلب عنه ماله ففي صحيحة معاوية بن وهب: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ أَيُّمَا رَجُلٍ أَتَى خَرِبَةً بَائِرَةً فَاسْتَخْرَجَهَا- وَ كَرَى أَنْهَارَهَا وَ عَمَرَهَا- فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةَ- فَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ لِرَجُلٍ قَبْلَهُ- فَغَابَ عَنْهَا وَ تَرَكَهَا فَأَخْرَبَهَا- ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ يَطْلُبُهَا- فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ عَمَرَهَا.[5]

وهناك روايات عديدة بهذا المضمون. وقد افتى بعض فقهائنا العظام بخروج الأرض عن ملك من أهملها وتركها ومثل الصدوق رضوان الله عليه كان يرى عدم كون الأرض قابلا للتملك وانما يرى للمحيي حق الاختصاص وهو أولى من غيره مادام لم يتركها ويخرّبها.

اما قوله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ﴾ فالباء للسببية اي بسبب الباطل من التبادلات فيشمل كل تملك يكون من الطرق المحرمة من الغضب والربا والبخس والقمار وما فيه الغرر والجهالة في البيع والشراء والاجارة والغش والكذب والاغراء وغيرها من الأسباب الفاسدة وإنّما يجوز تداول الثروة في إطار الذي رخص فيه الشارع المقدس وهو المداولات التي نافعة للمجتمع ولا يوجب الخلاف و الفتنة والعداء فيما بين الناس.

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [6]

لعل السر في قوله تدلوا بها الى الحكام‘ ان المعاملات التي تجرى باسباب باطلة تنجر الى النزاع والمشادة بين اطراف المعاملة فيراجعون الحكام ويدفعون الرشا للوصول الى ما لا يستحقونه. ونحن في مجتمعاتنا نرى انّ جل الخلافات المالية ناشئة عن عدم رعاية احكام الشرع في اجراء المعاملات ثم يرجعون الى المحاكم و يستمدون من المحامين لإحقاق حقوقهم، وعادة هم يحمون من اعطاهم المال و لو كان على الباطل، فيأخذ من حكم له القاضي بحكمه ولو عرف انه اخطأ في قضائه.

﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ذكر فيها المجمع أربعة أقوال: (أحدها) إن معناه لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد و أنتم كنفس واحد كقوله (سلموا على أنفسكم) عن الحسن‌ و عطا و السدي و الجبائي (و ثانيها) أنه نهى الإنسان عن قتل نفسه في حال غضب أو ضجر عن أبي‌القاسم البلخي (و ثالثها) إن معناه لا تقتلوا أنفسكم بأن تهلكوها بارتكاب الآثام و العدوان في أكل المال بالباطل و غيره من المعاصي التي تستحقون بها العذاب (و رابعها) ما روي عن أبي عبد الله (ع) أن معناه لا تخاطروا بنفوسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه‌)[7]

﴿إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ أي لم يزل بكم رحيما و كان من رحمته أن حرّم عليكم قتل الأنفس و إفساد الأموال.

قال في الامثل: ﴿وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾‌ و ظاهر هذه الجملة بقرينة قوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً النهي عن الانتحار، يعني أنّ اللّه الرحيم كما لا يرضى بأن تقتلوا أحدا، كذلك لا يسمح لكم و لا يرضى بأن تقتلوا أنفسكم بأيديكم، و قد فسّرت الآية الحاضرة في روايات أهل البيت عليهم السّلام بالانتحار أيضا فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي الْغَزْوِ يَحْمِلُ عَلَى الْعَدُوِّ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).[8]

نعم ان اكل المال بالباطل امر شائع في المجتمعات البشرية وتترتب عليها مفاسد عظيمة متنوعة فينبغي الوقوف عند هذه الآية الكريمة اكثر من ذالك فنتابع البحث في الاسبوع القادم ان شاء الله

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo