< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع:التفسير الموضوعي/ الايات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا / تفسير أية 20 و 21 من سورة النساء

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ 1

قد فرغنا من البحث في هذه الآية المباركة في الاسابيع الماضية وبما ان الآيتين اللتين أتت ورائها وردت تعقيبا لما كان في الآيات قبلها و تأكيدا عليها فقررنا ان نتابعها اكمالا للمشوار وهي قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾[1] ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى‌ بَعْضُكُمْ إِلى‌ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ [2]

في بادئ الامر ينبغي ان نقف شيئا عند بعض مفردات الآية:

في قوله تعالى: "﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ﴾" عناية خاصة فان الاستبدال هو طلب البدل فقد يكون يتزوج بزوجة اخرى او يطلق الاولى ويتزوج بالاخرى فهذا تجديد الزواج او تبديل الزوجة، ولكن ﴿"اردتم استبدال﴾ له معنى آخر وهو محاولة رفض الاولى لجعل الثانية مكانه

القنطار: هو الشيء الكثير قال في نور الثقلين: (و اختلف في مقدار القنطار قيل: هُوَ مَلَاءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَباً وَ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.)[3]

البهتان: (هو ما يبهت المخاطب وقال المجمع: البهتان الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له وأصله التحير من قوله فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي تحير لانقطاع حجته فالبهتان كذب يحير صاحبه لعظمه)

والإفضاء هو (الوصول إلى شي‌ء بالملامسة وأصله من الفضاء وهو السعة فضا يفضو فضوا إذا اتسع).[4]

ان الله تعالى بعد ما نهى عن توريث النساء كرها وعن ايراد الضغط عليهن لاستعادة المهر منهن وامر بعشرتهن بالمعروف عاد في هاتين الآيتين لتؤكد على حق المهر على حسب ما توافقا في عقد النكاح بلغ ما بلغ ولعل السر في التاكيد ردعا للاعراف الجاهلية وللدواعي المادية عند الفراغ عن كثير من الازواج حيث كانوا يتوسلون الى اي ذريعة لمنع المهر واستعادته. كما في هذا العصر ايضاً نرى نماذج كثيرة من هذا القبيل.

ورد في شأن نزول الآية: (كان التقليد المتبع قبل الإسلام أنه إذا أراد الرجل أن يطلق زوجته، و يتزوج بأخرى أن يتّهم الزوجة الأولى بالزنا و الخيانة الزوجية فرارا من دفع مهرها، أو يعمد إلى معاملتها بقسوة حتى تردّ مهرها الذي قد أخذته من قبل إلى الرجل، ليستطيع أن يعطي ذلك المبلغ للزوجة الجديدة التي يبغي الزواج بها، و يمهرها به. فنزلت هذه الآيات تستنكر هذا العمل القبيح الظالم بشدّة، و تشجبه و تقبحه و تدعو إلى إنصاف الأزواج و عدم ظلمهنّ في مهورهنّ).[5]

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ: إِنَّ الْإِمَامَ يَقْضِي عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الدُّيُونَ- مَا خَلَا مُهُورَ النِّسَاءِ"[6]

عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ ع عَنِ النَّبِيِّ ص فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي قَالَ: مَنْ ظَلَمَ امْرَأَةً مَهْرَهَا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ زَانٍ- يَقُولُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدِي- زَوَّجْتُكَ أَمَتِي عَلَى عَهْدِي فَلَمْ تُوفِ بِعَهْدِي- وَظَلَمْتَ أَمَتِي فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ- فَيُدْفَعُ إِلَيْهَا بِقَدْرِ حَقِّهَا فَإِذَا لَمْ تَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ- أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ بِنَكْثِهِ لِلْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلًا".[7]

ان من أساليب القرآن هو ارجاع المخاطب الى وجدانه بلسان الاستفهام الانكاري فمرة يقول: ﴿أتأخذونه بهتانا واثما مبيناً﴾ فهنا يشير الى الظلم والجفاء الذي يتحقق في استعادة المهر ثمّ يلفت الانتباه الى جانب وجداني انساني بقوله ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى‌ بَعْضُكُمْ إِلى‌ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ فصدر هذا الاستفهام الإنكاري بهدف تحريك العواطف الإنسانية لدى الرجال بأنّه كيف يحق لكم ذلك، و قد عشتم مع الزوجة الأولى زمنا طويلا، و كانت لكم معهنّ حياة مشتركة، و اختليتم بهن و استمتع كل واحد منكما بالآخر و العلاقة الزوجية الحميمة أيحق لكم أن تبخسوا حق الزوجة الأولى؟

ثمّ قوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ إشارة الى توثيق عقد الزواج وهو ميثاق غليظ وعهد موثوق فكيف تتنكرون هذا الميثاق المقدس وهذا العهد المأخوذ منكم عندعقدالقران؟

فِي عَوَالِي اللَّئَالِي وَ رَوَى الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ، دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ مَهْرِ الْمَرْأَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَجُوزَهُ؟ فَقَالَ: مَهْر السُّنَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ، وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الْخَمْسِمِائَةٍ وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ أَيْضاً فِي مَنْ لَا يَحْضُرُهُ الْفَقِيهُ.[8]

مع ملاحظة هذه الآية الكريمة و روايات التي تنص ان مقدار المهر هو ما يتوافق عليه الزوجان لابد من حمل لا يجوز على غير ظاهره وهو عدم الجواز الاخلاقي و بمقتضى الانصاف، كما ورد ذم كثير على غلاء المهر و حسن خفة المهر في شؤم المرأة ويمنها.

وروى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الكليني عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَهْرِ مَا هُوَ قَالَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ النَّاسُ".[9]

وَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ أَدْنَى مَا يُجْزِي فِي الْمَهْرِ قَالَ تِمْثَالٌ مِنْ سُكَّرٍ".[10]

وَ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "اشْتَكَى رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ لَهُ- سَلْ مِنِ امْرَأَتِكَ دِرْهَماً مِنْ صَدَاقِهَا- فَاشْتَرِ بِهِ عَسَلًا فَاشْرَبْهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ- فَفَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ فَبَرَأَ- فَسَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع عَنْ ذَلِكَ- أَ شَيْ‌ءٌ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ ص‌ قَالَ لَا- وَ لَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾ [11] - وَ قَالَ ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهٰا شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ- فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ﴾ [12] وَ قَالَ ﴿وَ نَزَّلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً مُبٰارَكاً﴾[13] - [14] فَاجْتَمَعَ الْهَنِي‌ءُ وَ الْمَرِي‌ءُ وَ الْبَرَكَةُ وَ الشِّفَاءُ- فَرَجَوْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ".

ثم قال تعالى: ﴿وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ واستثناء ما سلف لأنّ القانون لا يشمل ما سبق من الحالات الواقعة قبل نزول القانون وقد جرى عليه الانساب والعلاقات الاسرية وغيرها

في عصر الجاهلية كان من الناس من يورث زوجة الاب لورثته كسائر الاموال فكانوا يتزجون بها على مهر دفع ابيهم اليها او كانوا يزوجونها باجنبي ويطلبون منه المهر الذي دفعه ابيهم اليها فنهى الله عن هذه العادة القبيحة الظالمة.

والله تعالى عبر عن هذا العمل القبيح بثلاث عناوين أوّلا: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً ثانيا اعتبرها مَقْتاً أي عملا منفرا لا تقبله العقول، و لا تستسيغه الطباع البشرية السليمة، بل تمقته و تكرهه، ومن ثمّ ندد عليه بقوله: وَ ساءَ سَبِيلًا أي أنّها عادة خبيثة و سلوك شائن. وبينما كانت هذه العادة جارية في المجتمع ولكنهم كانوا يكرهونها يصفونها بالمقت، و يسمّون مولود ن هذا النكاح مقيتاً، أي ولد المبغوض.

وقبح هذا الفعل كان واضحا لان زوجة الاب بمنزلة الام لاولاده، ومضافا الى ان اولادها كانوا يتعصبون على امهم ويقع النفار بين اولاد المتوفى ضافا الى حرمة ابيهم يقتضبي ان يراعوا جانبه بعدم التجاوز على زوجته.

هنا نود ان نذكر بعض ما ورد في فضل الزواج: منها: ما عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ع فَقَالَ لَهُ هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ قَالَ لَا- فَقَالَ أَبِي مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا- وَ إِنِّي بِتُّ لَيْلَةً وَ لَيْسَتْ لِي زَوْجَةٌ- ثُمَّ قَالَ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا رَجُلٌ مُتَزَوِّجٌ- أَفْضَلُ مِنْ رَجُلٍ أَعْزَبَ يَقُومُ لَيْلَهُ وَ يَصُومُ نَهَارَهُ- ثُمَّ أَعْطَاهُ أَبِي سَبْعَةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْ بِهَذِهِ- ثُمَّ قَالَ أَبِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص اتَّخِذُوا الْأَهْلَ- فَإِنَّهُ أَرْزَقُ لَكُمْ. وَ زَادَ «حميري في قرب الاسناد» مَا أَفَادَ عَبْدٌ فَائِدَةً خَيْراً مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ- إِذَا رَآهَا سَرَّتْهُ وَ إِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَ مَالِهِ".[15]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo