< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الايات المصدرة (يا ايها الذين امنوا)/سورة النساء /اية 19

 

39يا ايها الذين آمنوا الأربعاء 6ربيع الاول 1443

قد فرغنا فيما مضى عن البحث في الآيات المصدرة ب﴿يا ايها الذين آمنوا﴾ في سورتي البقرة وآل عمران واليوم ندخل الى سورة النساء واول آية فيها تصدرت ب﴿يا ايها الذين آمنوا﴾ هي الآية 19 حيث يقول﴿: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾[1]

الآيات التي سبقت هذه الآية وهي ثمانية عشر آية كلها تصبّ في موضوع حقوق الاُسرة والاقرباء فالآية الاولى: منها تتحدث معنا عن خلقة الانسان ووحدة كيانها وتؤكّد على رعاية التقوى في التعامل مع الاقرباء،

و الآية الثانية: تؤكّد على رعاية حقوق الإيتام وعدم الإضرار بهم في اموالهم

وفي الثالثة : يقترح الزواج لأداء حقوق الإيتام وحسن رعايتهم بشرط ان لا يخرجوا عن العدالة. و في الرابعة: يأمرنا بإعطاء مهور النساء مكرّماً ومن دون انتظار المقابل وانما يجوّز إستفادة الرجل من مهر زوجته اذا هي تحب ان تهدي منها من صميم القلب.

وفي الخامسة: تؤكد على رعاية اموال القصّر ويعتبرها قواماً للجتمع ولزوم الإهتمام بعدم هدرها وتلفها وتدبير امور السفهاء في اموالهم صيانة لها.

والسادسة: تركّز على حسن الإدارة في اموال الايتام والتعفف في صرفها كي يصلوا الى حد البلوغ مع الرشد ثم تسليم اموالهم اليهم مع اقامة الشهود في ذلك، وفي الآيات السابعة الى الرابعة عشرة يتطرق الى مسألة الإرث و جدولة توزيعها وتفصيلاتها والتأكيد على رعاية التقوى وقد بسط الكلام في تفصيلاتها بما لا نجد في القرآن لها مثيلا في سائر الأحكام و يحذّر تحذيرا شديداً عن الظلم والجفاء بالايتام و سائر الورثة واخيراً يبشِّر الملتزمين بهذه الحدود بالجنة والفوز العظيم ويحذر المتخلفين عنها بالنار والعذاب الاليم.

ثم يؤكد على حراسة المجتمع من الفاحشة والفساد و معاقبة مرتكبيها ثم يشير الى انفتاح باب التوبة امام الجميع و ولزوم التعجيل اليها و اغتنام الفرصة في القيام بها و يحذِّر عن تأجيلها الى حافة الموت ويُبشّر التائبين بقبول التوبة والناكلين عنها بالعذاب الاليم. فأرجو من الاخوة ان يقرؤوا هذه الآيات المباركات التي سبقت الآية المبحوث عنها بإمعان دقيق ترون كلّها تصب في وقاية المجتمع عن الإعتداء والفساد وما ينتهي الى مشاكل اجتماعية اُسريّة.

ثم ناتي الى آيتنا المبحوث عنها فيعود تعالى مخاطباً للمؤمنين بقوله: "﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾" [2]

ذكر في المجمع وجوه في شأن نزول الآية فقال: (قيل كان أهل الجاهلية إذا مات الرجل جاء ابنه من غيرها أو وليه فورث امرأته كما يرث ماله و ألقى عليها ثوباً فإن شاء تزوجها بالصداق الأول و إن شاء زوجها غيره و أخذ صداقها فنهوا عن ذلك عن الحسن و مجاهد و روى ذلك أبو الجارود عن أبي جعفر (ع)

و قيل نزلت في الرجل تكون تحته امرأة يكره صحبتها و لها عليه مهر فيطول عليها و يضارها لتفتدي بالمهر فنهوا عن ذلك عن ابن عبا

و قيل نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها و ينتظر موتها حتى يرثها عن الزهري و روي ذلك عن أبي جعفر (ع)

أيضا. و روي عن ابن عباس أنّ الآية الحاضرة نزلت في الذين أمهروا نساءهم بمهور كبيرة ثمّ يحبسونهن من دون حاجة إليهن، و لا يطلقونهن لغلاء المهر و ثقله، و يؤذونهن حتى يقبلن بالطلاق بعد أن يتنازلن عن تلك المهور.

و فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ إِذَا نَكَحَ امْرَأَةً وَ لَمْ يُرِدْهَا وَ كَرِهَهَا أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا إِذَا لَمْ تجز [تَجُرْ] عَلَيْهِ، وَ يَعْضُلَهَا أَيْ يَحْبِسَهَا وَ يَقُولَ لَهَا حَتَّى تَرُدِّي مَا أَخَذْتِ مِنِّى، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَة.

و فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً﴾ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي أَوَّلِ مَا أَسْلَمُوا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ إِذَا مَاتَ حَمِيمُ الرَّجُلِ وَ لَهُ امْرَأَةٌ أَلْقَى الرَّجُلُ ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَوَرِثَ نِكَاحَهَا بِصَدَاق‌ حَمِيمِهِ الَّذِي كَانَ أَصْدَقَهَا يَرِثُ نِكَاحَهَا كَمَا يَرِثُ مَالَهُ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو قُبَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ أَلْقَى مُحْصَنُ بْنُ أَبِي قُبَيْسٍ ثَوْبَهُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَ هِيَ كَبِيشَةُ بِنْتُ مُعَمَّرِ بْنِ مَعْبَدٍ فَوَرِثَ نِكَاحَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا لَا يَدْخُلُ بِهَا وَ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلة وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ أَبُو- قُبَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ فَوَرِثَ ابْنُهُ مُحْصَنٌ نِكَاحِي، فَلَا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَ لَا يُنْفِقُ عَلَيَّ وَ لَا يُخَلِّي سَبِيلِي فَأَلْحَقَ بِأَهْلِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: ارْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ فَإِنْ يُحْدِثِ اللَّهُ فِي شَأْنِكِ شَيْئاً أَعْلَمْتُكِهِ، فَنَزَلَ: ﴿وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا﴾ فَلَحِقَتْ بِأَهْلِهَا وَكَانَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ: قَدْ وُرِثَ نِكَاحُهُنَّ كَمَا وُرِثَ نِكَاحُ كَبِيشَةَ غَيْرَ أَنَّهُ وَرِثَهُنَّ [وُرِثْنَ‌] عَنِ الْأَبْنَاءِ،: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً﴾[3]

فِي تَفْسِيرِ الْعَيَّاشِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾، قَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي حَجْرِهِ الْيَتِيمَةُ فَيَمْنَعُهَا مِنَ التَّزْوِيجِ يَضُرُّ بِهَا [لِيَرِثَهَا بِمَا] تَكُونُ قَرِيبَةً لَهُ، قُلْتُ: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ قَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ فَيَضْرِبُهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.[4]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo