< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير آية 200 من سورة آل عمران

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[1]

في هذه الآية المباركة حثّ الله المؤمنين على الصبر على طاعته و لزوم شريعته فقال «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» أي صدقوا الله و رسوله ﴿اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا﴾، بما ان هذه الآية مسبوقة بآيات الجهاد فبعض المفسرين جعلوا الجهاد موضوع هذه الامور الثلاثة بينما لعل الاصح ان نقول ان الله أتى هنا بكبرى من مصاديقها الجهاد كما هذا ديدن كثير من الآيات، كما أنّ قوله: ﴿واتقوا الله﴾ دعوة الى التقوى في جميع الامور منها في مجال الجهاد.

قال في المجمع: (اختلف في معناه على وجوه :أحدها: إن المعنى اصبروا على دينكم أي أثبتوا عليه و صابروا الكفار و رابطوهم في سبيل الله عن الحسن و قتادة و ابن جريج و الضحاك فعلى هذا يكون معناه اصبروا على طاعة الله و عن معاصيه و قاتلوا العدو و اصبروا على قتالهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل و إنما أتى بلفظ صابروا هاهنا لأن فاعل إنما يأتي لما يكون بين اثنين و الرباط هو المرابطة فيكون بين اثنين أيضا يعني أعدوا لهم من الخيل ما يعدونه لكم كقوله «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» (و ثانيها) إن المراد اصبروا على دينكم و صابروا وعدي إياكم و رابطوا عدوي و عدوكم عن محمد بن كعب القرظي (و ثالثها) أن المراد اصبروا على الجهاد عن زيد بن أسلم و قيل‌ إن معنى رابطوا أي رابطوا الصلوات و معناه انتظروها واحدة بعد واحدة لأن المرابطة لم تكن حينئذ روي ذلك عن علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات و أكمل التحيات‌ و عن جابر بن عبد الله و أبي سلمة ابن عبد الرحمن،‌ و روي عن النبي (ص) أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال إسباغ الوضوء في السبرات و نقل الأقدام إلى الجماعات و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط و روي عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال معناه اصبروا على المصائب و صابروا على عدوكم و رابطوا عدوكم‌ و هو قريب من القول الأول) [2]

بما ان صابروا ورابطوا من صيغة المفاعلة و هي قائمة على طرفين او اطراف، فيمكن القول بان صابروا اي اصبروا في مواجهة العدو كما هم يصبرون في مواجهتكم و اربطوا خيولكم في خطوط التماس مع العدو كما هم يربطون، ويمكن ان نجعل اطراف صابروا ورابطوا المؤمنين انفسهم بمعنى التعاون في الصبر والتعاون في الرباط، وعند ما ننظر الى كبروية الآية فهي دعوة الى ضم قوى المسلمين بعضها الى بعض لتتصاعد قواهم كما ان الرباط كناية عن الجهوزية للدفاع او من الربط وهو العلاقة فقوله تعالى رابطوا اي استحكموا و شددوا العلاقات فيما بينكم فامر الله المسلمين بالتعاون في مابينهم في اداء مهامهم في امر الدين والدنيا، و لعل أهمّها امر الدفاع عن الارض والعرض والدين.

كما ينبغي ان نلفت انتباهكم الى نقطة وهي: انّ الدفاع في هذا العصر ليس فقط في الحدود البرية فان هجمات العدو تاتي من البر والبحر والجو. بل اكثر من ذلك وهو الهجمات الالكترونية على المعامل و المحطات و تخريبها واحراقها و سرقة اموال البنوك من خلال انترنت فإن هذا العصر عصر الحروب الالكترونية، بل اشدّ من ذلك، الحروب الناعمة من خلال الفضائيات والمواقع الالكترونية الضارة والمفسدة لاخلاق الشباب، واثارة الفتن ونشر الاكاذيب للاتاحة بأمن البلاد و اهباط معنويات العباد، فالمصابرة والمرابطة اخذت مأخذا عظيما في صيانة البلاد ووقاية اهلها عن الاخطار المحدقة بهم.

و اما قوله تعالى: ﴿وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ معناه و اتقوا الله أن تخالفوه فيما يأمركم به و ينهاكم عنه لكي تفلحوا بنعيم الأبد و قيل معناه اتقوا عذاب الله بلزوم أمره و اجتناب نهيه لكي تظفروا و تفوزوا بنيل المنية و درك البغية و الوصول إلى النجح في الطلبة و ذلك حقيقة الفلاح.

و هذه الآية تتضمن جميع ما يتناوله المكلف لأن قوله ﴿اصْبِرُوا﴾ يتناول جمیع مواطن الصبر من الصبر على الطاعة باتيان الواجبات و الصبر عن المعصيية باجتناب المحرمات اي مقاومة الشيطان والنفس عند ما تدعوا الى المشتهيات المحرمة و الصبر عند مصائب الدهر من الامراض والآلام وفقد الاحبة والاموال ومواجهة ما يؤذيه بأن لا يجزعوا ولا يشكوا عن الله ولا يشعروا الشقاء والخيبة فليعرفوا هذه الامور من مقتضيات طبيعة الحياة في هذه الدنيا وفي كلها خير و مصلحة، فانها منبهات و موجهات الى الله والمعاد، نعم لا بأس بالشكوى الى الله بل هو مرغوب ومطلوب، والله دعانا الى ذلك فقال: ادعوني استجب لكم بل هي الهدف من كثير من البلايا. وهناك فرق شاسع بين الشكوى عن الله والشكوى الى الله فالاولى مبعِّد عن الله بل قد تنتهي الى الكفر بالله والثانية مقرِّب الى الله بل تزيد في الايمان والتمسك الى الرب الرؤوف الرحيم.

«وَ صابِرُوا» يتناول ما يتصل بالغير كمجاهدة شياطين الجن و الإنس والمقاومة في مصافهم، و ما هو أعظم منها وهو جهاد النفس الامارة بالسوء.

اما قول الله تعالى: "وَ رابِطُوا" يدخل فيه الدفاع عن المسلمين و الذب عن الدين و مقاومة التحديات الداخلية والخارجية ورفض الطواغيت و عدم الاستسلام لهم والسعي في اقامة الحق والعدل في المجتمع بقدر الميسور حسب الظروف والمتطلبات الراهنة واعلاها اقامة الحكومة الاسلامية تحت رعاية قائد الاهيّ.

اما قوله تعالى: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ» يتناول الانتهاء عن جميع المناهي و الزواجر و الائتمار بجميع الأوامر ثم يتبع جميع ذلك الفلاح و النجاح.

هذه الآية هي آخر آية من سورة آل عمران، و تحتوي على برنامج يتكون من أربع نقاط لعامّة المسلمين، و هي لذلك تبدأ بتوجيه الخطاب إلى المؤمنين إذ تقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.

1- «اصبروا»: إن أوّل مادة في هذا البرنامج الذي يكفل عزّة المسلمين و انتصارهم هو الاستقامة و الثبات، و الصبر في وجه الحوادث الذي هو- في الحقيقة- أصل كلّ نجاح مادي، و علّة كل انتصار معنوي،‌ قال عنه الأمام علي : «إن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد».

2- «و صابروا» و هي من المصابرة (من باب المفاعلة) بمعنى الصبر و الاستقامة و الثبات في مقابل صبر الآخرين و ثباتهم و استقامتهم. و على هذا فإن القرآن يوصي المؤمنين أوّلا بالصبر و الاستقامة وهو يشمل‌ كل ألوان الجهاد، من جهاد النفس، الى الاستقامة في مواجهة مشاكل الحياة)،

3- «و رابطوا» و هذه العبارة مشتقة من مادة الرباط، والمرابطة بمعنى مراقبة الثغور و حراستها لأن فيها يربط الجنود أفراسهم. او بمعنى التواصل والترابط بين المؤمنين انفسهم في حل المشاكل والتعاون فب انجاز التقدم و التعالي في جميع المجالات المعنوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية و غيرها

و قد أطلق على العلماء صفة المرابط، فعن الإمام الصادق عليه السّلام: «علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس و عفاريته، و يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا و عن أن يتسلط عليهم إبليس ...».

4- وَ اتَّقُوا اللَّهَ و هذا بالتالي آخر التعاليم و الأوامر في هذا البرنامج، و هو ملخص جميع التعاليم والتوصيات التي مرت في الآيات التي سبقتها.

هنا نود ان ندخل في حقل الروايات و ناتي بنماذج لنكمل مشوارنا في هذه الآية المباركة:

منها: ما عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: اصْبِرُوا يَقُولُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَ صَابِرُوا عَلَى الْفَرَائِضِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ يَقُولُ، اءْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَ ايُّ مُنْكَرٍ أَنْكَرُ مِنْ ظُلْمِ الْأُمَّةِ لَنَا، وَ قَتْلِهِمْ إِيَّانَا وَ رَابِطُوا يَقُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ نَحْنُ السَّبِيلُ فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَ خَلْقِهِ، وَ نَحْنُ الرِّبَاطُ الْأَدْنَى، فَمَنْ جَاهَدَ عَنَّا فَقَدْ جَاهَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَقُولُ. لَعَلَّ الْجَنَّةَ تُوجَبُ لَكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، وَ نَظِيرُهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: «وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» وَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤَذِّنِينَ كَمَا فَسَّرَهَا الْمُفَسِّرُونَ لَفَازَ الْقَدَرِيَّةُ وَ أَهْلُ الْبِدَعِ مَعَهُمْ.

منها: ما عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، تَبْقَى الْأَرْضُ يَوْماً بِغَيْرِ عَالِمٍ مِنْكُمْ يَفْزَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ؟ قَالَ، فَقَالَ لِي، إِذاً لَا يُعْبَدُ اللَّهُ، يَا بَا يُوسُفَ لَا تَخْلُوا الْأَرْضُ مِنْ عَالِمٍ مِنَّا ظَاهِرٍ يَفْزَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ، وَ إِنَّ ذَلِكَ لَمُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ، «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا» اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ وَ صَابِرُوا عَدُوَّكُمْ مِمَّنْ يُخَالِفُكُمْ، وَ رَابِطُوا إِمَامَكُمْ، «وَ اتَّقُوا اللَّهَ» فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ.

منها: ما فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ، «اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا» فانه حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ، اصْبِرُوا عَلَى الْمَصَائِبِ، وَ صَابِرُوا عَلَى الْفَرَائِضِ، وَ رَابِطُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ،

وَ منها ما عن ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ؛ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا» فَقَالَ: اصْبِرُوا عَلَى الْمَصَائِبِ، وَ صَابِرُوهُمْ عَلَى التَّقِيَّةِ، وَ رَابِطُوا عَلَى مَنْ تَقْتَدُونَ بِهِ، «وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».

ويظهر من هذه الروايات ان للامامة دور ريادي في جميع الاعمال والمواقف ومن دون امامة عادلة لا يمكن تطبيق العدالة الى على مستويات فردية ضئيلة. فعن الرضا عليه السلام: " إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي وَ فَرْعُهُ السَّامِي بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ تَوْفِيرُ الْفَيْ‌ءِ وَ الصَّدَقَاتِ وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ" [3]

واليوم آخر يوم من دروسنا في هذه السنة الدراسية ونحن ندخل في عطلة الصيفية و سوف نكون بخدمتكم بعد هذه العطلة ان بقينا على قيد الحياة ورا فقنا التوفيق من الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo