< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/11/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسي الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيات 156-158

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَ مَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ . ولئن متم او قتلتم لالى الله تحشرون.﴾[1]

هذه الآيات مسبوقة بآيات تتعلق بالجهاد بل من الآية 118 من سورة آل عمران الى الآية 160 اربع مرات يخاطب الله المؤمنين ففي الاولى يقول: "لا تتخذوا بطانة من دونكم" ثم يبين الصفات الرزيلة فيهم ثم يتطرق الى قضية غزوة البدر الكبرى و امدادات الالهية فيها وفي المرة الثانية: خصصت ستة من الآيات بالتحذير عن الربا و التشجيع على التقوى والانفاق في سبيل الله و ذكر بعض اوصاف المحسنين ثم يتطرق الى مسألة الجهاد و لزوم المقاومة و مصالحها الدنيوية والاخروية و صفات الخلص من المجاهدين، وفي المرة الثالثة ثم يتطرق الى الجهاد و التحذير عن طاعة الكفار و مساويها و يشير الى قضايا غزوة احد من الانصارات والانتكاسات التي حصلت فيها للمسلمين و دراسة اسبابها.

ونحن اليوم نريد ان نتناول خطابه تعالى في المرة الرابعة و لا يمكن ان نعرف عمق ما ورد في هذا المقطع الّا بمراجعة الآيات السابقة عليها و التدبّر والامعان في معانيها و تفصيلاتها ولذلك انا اوصي الاخوان بمراجعة الماضي من الآيات التي بحثنا فيها في الاسابيع الماضية ثم الدخول في هذه الآيات:

هذه الآيات تتوجه بالخطاب أولا: إلى المؤمنين بهدف تحطيم جهود المنافقين ومحاولاتهم التخريبية، وتحذير المسلمين منهم فقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ، أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا.﴾[2]

هنا ذكر امرين: ﴿ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ، أَوْ كانُوا غُزًّى﴾[3] ومن جعل الضرب في الأرض في عداد الغزوة يستفاد من السياق ان ألمراد من السفر هنا اما طريق الوصول الى مواجهة الأعداء او اسفار الدعوة الى الدين وما شابه ذلك مما يقوي موقف المسلمين ويقلل من خطر الكفار على المسلمين فما قال بعض المفسرين بان المراد السفر للتجارة بعيد جدا لانّ تلك الاسفار لم تكن موجبا لملامة الكفار ولمنعهم، فهذا الضرب في الأرض كان من مقولة الغزوات لنصرة الإسلام والمسلمين.

ثم الكلمات التي كان المنافقون وضعيفي الايمان ينطقون بها مخاطبا الى المؤمنين المجاهدين يطلقونها في ستار من التعاطف وتحت قناع الإشفاق والنصح، ولكن نيتهم في صميمهم تسميم روحية المسلمين، وإضعاف معنوياتهم، وزعزعة إيمانهم، فالله ينهى ويحذر المؤمنين أن يتأثروا من تلك القاءات والتناغم معها وتكرار تلك العبارات ونظائرها من لسانهم.

فجعل: قولهم للضاربين في الأرض والغزاة: ﴿لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا﴾ بهدف احباط معنويات المجاهدين وامتناعهم عن القتال ولعل المراد من النهي عن تشبه المؤمنين بهؤلاء الذين كفروا في القول عدم قبول القاءاتهم المسمومة وعدم تناغمهم معهم وعدم قبول كلامهم مما يوجب تحسر الكفار والمنافقين لعدم نجاح خطتهم المشؤومة. وجاء هذا التحذير من إغراءات المنافقين. لان في ظروف الانهزام الأرضية مساعدة لإلغاء الشك في حقانية الموقف والعقيدة، بينما طبيعة القتال قد تقتضي الغلبة على العدو وقد تقتضي الانهزام ﴿يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون﴾ و"﴿إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنهم يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾[4] ولكن ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ الْله ما لا يَرْجُونَ﴾

قال تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾

أي أنكم أيها المؤمنون لا تتأثروا من إغراءاتهم ولا تتناغموا معهم، بل تقدموا إلى سوح الجهاد وميادين القتال بمعنوية عالية، وعزم أكيد ودون تردد ولا كلل، ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوب المنافقين المخذولين، أبدا.

مضافا الى انّ فيما ذكر الله من ردّ مقالة المنافقين التي ناشئة عن خبثهم ونية المؤامرة على المسلمين إيعاز الى نقاط ‌ ثلاثة:

أولاً: ﴿وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ إن الموت والحياة بيد اللّه، وأن الخروج والحضور في ميدان القتال لا يغير من هذا الواقع شيئا،

وثانياً: ﴿وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ومادام نحن بعين الله فلا تضيع اعمالنا ابداً. والتوجه الى ان الله يرانا يفيد في التشجيع للعمل الصالح والتحذير من عمل الطالح

ثالثاً: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[5] لا نبالي من القتل في سبيل الله ولا الموت حيث يعوضنا منها بالمغفرة والرحمة وهذا التعويض خير وأعلى من كلّ ما تجمعه أيديكم أو يجمعه المنافقون مع الاستمرار في الحياة من الأموال والثروات المادية الفانية فلا تقاس بين هذين الأمرين فأين الثرى من الثريا. وهنا قدّم القتل في سبيل الله على الموت لانّ القتل أقرب الى شمول المغفرة والرحمة من الموت.

ثالثاً: ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ إن الموت ليس فناءاَ حتّى يُخشى يُخاف منه وليس فقدانا حتى نتأسف عليه بل هو حياة فوق ما كنا نحيى بها في الدنيا إنه خروج من حياة إلى حياة أوسع وأعلى وأجل وأفضل، حياة مزيجة بالخلود موصوفة بالبقاء. وهنا قدّم الموت على القتل لانّ الموت الطبيعي اعم واغلب، والحشر يوم القيامة شامل لكلا الطائفتين من دون فرق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo