< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/10/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير آية 130 من سورة آل عمران

كان كلامنا في الآيات 118-120 من سورة آل عمران وهي قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ . إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[1]

قد تحدثنا في الاسبوع الماضي حول عدم جواز اتخاذ غير المؤمنين بطانة وصاحب سر ومعتمدا و هذا صحيح على مستوى الفردي وعلى مستوى الجماعي في اعطائهم المتاصب الحساسة و تشريكهم في المنشآت الاجتماعية الخاصة بالمسلمين في مجتمعكم الاسلامي. وقلنا الميزان في الاخوّة هو الايمان فمن لم يؤمن بالله او لم يؤمن برسوله و بالشرائع التي نزلت من عند الله فهو ليس لنا اخ و ليس تحت ولايتنا.

ومع ذلك لا نعاديهم و لا نظلمهم ونراعي حقوقهم كجيران والمواطنين ما دام هم يعيشون معنا بسلام و يستسلمون للقرارات الاجتماعية والقوانين الجارية فهم تحت ذمة الاسلام والمسلمين.

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾[2] ثم علّل هذا النهي بامور:

المرحلة الاولى يذكر اربع امور من خبايا نفوسهم وهي: اولا: ﴿لا يَأْلُونَكُمْ خَبالا﴾. اي لا يقصرون في توجيه شر وفساد اليكم.

ثانياً: ﴿ودوا ماعنتم.﴾ يتمنون مشقتكم و ايذائكم .

ثالثاَ: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ﴾. قد ظهرت بغضهم لكم في فلتات السنتهم و ملامحهم.

رابعاً: ﴿وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ و وراء ما يظهر من ملامح البغض والعناد تخفي في قلوبهم شيئ اكبر. ثم اشار الى ان التعقل ايضا يقتضي ان لا تجعلوهم من بطانتكم فقال: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾

ثم يقارن بينهم وبين المؤمنين و يذكر امرين: الاول يذكر ميزة فيهم وهي خامس صفاتهم اللئيمة قال: ﴿ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ﴾ انتم عندكم تفوس طيبة فتحبونهم كانسان وتكنّون لهم الخير. ولكنهم عندهم نفوس لئيمة لا يكافئونكم بالمثل بل يبغضونكم.

والفرق الأخر بينكم وايّاهم وهو السادس: ﴿وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ﴾ انتم تؤمنون بجميع الكتب السماوية وهو شرط الايمان او تؤمنون بكل ما نزل من عند الله وهم يؤمنون ببعض ما يروغ لهم ويكفرون بما وراء ذلك و الايمان الصادق يلازم مع قبول الكل والتسليم لاوامر الله جميعا.

قال تعالى: ﴿آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير﴾.[3] فالاسلام هو الاعتراف بجميع الانبياء و الرسل و الكتب التي أنزل الله عليهم.

سابعاً: ينافقون: ﴿وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ ثم قال: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [4] لعله اشارة الى عدم المبالات بغيظهم والمنافق يعيش في نفسه صراعا مقيتا يعذبه في الدنيا وهو في الآخرة من الخاسرين.

ثامناً: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ يعيشون معكم حالة البخل والكراهية فيبخلون عليكم اي حسنة.

تاسعاً: ﴿وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها﴾ قساوة قلوبهم جعلتهم يفرحون بما يصيبكم من المساوي.

فالكفّار لا يصلحون لمواصلة المسلمين و مصادقتهم، كما لا يصلحون بأن يكونوا أصحاب سر لهم، و ذلك لأنهم لا يتورعون عن الكيد و الإيقاع بهم ما استطاعوا: فليست الصداقات و العلاقات بقادرة على أن تمنع أولئك الكفّار من إضمار الشر للمسلمين، و تمني الشقاء و العناء لهم.

نعم إنهم- لإخفاء ما يضمرونه تجاهكم- يحاولون دائما أن يراقبوا تصرفاتهم، و أحاديثهم كيلا يظهر ما يبطنونه من شر و بغض لكم، بيد أن آثار ذلك العداء و البغض تظهر أحيانا في أحاديثهم و كلماتهم، عند ما تصدر منهم كلمة أو كناية تكشف عن الحقد الدفين و الحنق المستكن في صدورهم:

و تلك حقيقة من حقائق النفس يذكرها الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام في إحدى كلماته إذ

يقول: «ما أضمر أحد شيئا إلّا ظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه».

و لكن هل تضر هذه العداوة و ما يلحقها من ممارسات و محاولات شريرة بالمسلمين؟

هذا ما يجيب عنه ذيل الآية حيث يقول سبحانه: ﴿وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾.

و على هذا يستفاد من ذيل هذه الآية المباركة أن أمن المسلمين، و سلامة حوزتهم من‌ كيد الأعداء، يتوقف على استقامة المسلمين و حذرهم و تقواهم، ففي مثل هذه الحالة فقط يمكنهم أن يضمنوا أمنهم و سلامتهم من كيد الكائدين.

رسالة هذه الآية لنا كمسلمين:

حذر اللّه سبحانه المسلمين في هذه الآية من أن يتخذوا أعداءهم بطانة يسرون إليهم بأسرارهم و أمورهم و هو تحذير عام لا يختص بزمان دون زمان، و لا بمكان دون مكان، و لا بطائفة من المسلمين دون طائفة.

فلا بدّ أن للمسلمون ان يعيشوا دائما و في جميع الأعصار و الأمكنة، حالة الحذر والانتباه حفاظا على أمنهم و كيانهم.

و لكننا مع الأسف نجد الكثيرين من أتباع القرآن قد غفلوا عن هذا التحذير الإلهي المهم، فتعرضوا لتبعات هذا العمل و آثاره السلبية. في صدر الاسلام هؤلاء الكفار من اهل الكتاب كانوا يظهرون طاعهم لرسول الله وللمسلمين و في باطنهم كانوا يحاكون مؤامرات على المسلمين فالطوائف الاربعة من بني قريضة وبني النظير و بني قينقاع بعد ما تعاقدوا مع رسول الله على السلام فلما وجدوا فرصة لاسقاط النظام الفتي الاسلامي نقضوا عهودهم و انضموا الى المشركين و وعدوهم الدعم على المسلمين

كما ان ظاهرة النفاق استمر بل ازاد بعد رسول الله فكبار بني امية لم يؤمنوا بالاسلام طرفة عين ولكنهم نافقوا حتى استولوا على مقدرات المسلمين فحرفوا الاسلام و افتتنوا فيما بين المسلمين و قتلوا كثير من اصحاب رسول الله و من التابعين. وقاتلوا عليا والحسن عليهما السلام و اجروا مظالم اليمة وقبيحة على الحسين عليه السلام و اهل بيته واصحابه.

و من مصاديق النفاق في هذا العصر الدول المستعمرة التي احتلت بلاد المسلمين بعنوان الاستعمار هذا العنوان المبارك في مضمونه و القبيح في تطبيقه فانه مفردة جميلة مقدسة، دخلوا بلاد المسلمين او بلاد العالم الثالث المتخلفة على تعبيرهم باسم الاستعمار والعمران فاحتلوا البلاد والستضعفوا العباد ونهبوا الخيرات و للاسف المسؤولون لتلك البلاد جعلوا المستعمرين بطانة البلاد و اهلها اجانب و لبسوا ثيابهم و اخذوا ثقافتهم الفاسدة دون الجوانب الاثباتية حتى انشؤوا في بلاد المسلمين جامعات تربي الشباب على ثقافة الخضوع والخنوع والاعتراف بفوقية المستعمر و دونية المواطن الحقيقي.

فها نحن نجد أعداء كثيرين يحيطون بالمسلمين من كلّ جانب، يتظاهرون بمحبة المسلمين و صداقتهم، و ربّما أعلنوا تأييدهم في بعض الأمور، و لكنهم بما يظهرون- في بعض الأحيان- من مواقف عدائية يكشفون عن كذبهم، و مع ذلك ينخدع المسلمون بما يتظاهر هؤلاء الأعداء به من صداقة وحب و تأييد، و يعتمدون عليهم أكثر ممّا يعتمدون على إخوانهم المسلمين المشاركين لهم في العقيدة و المصير. في حين أن الأعداء و الأجانب لا يريدون للأمة الإسلامية إلّا الشقاء و التأخر، و إلّا الهلاك و الدمار، و لا يألون جهدا في إثارة المشاكل في بلاد المسلمين و إيجاد الصعوبات في حياتهم.

و لا نذهب بعيدا، فإن في الأعوام الأخيرة شهدنا حربين بين المسلمين و أعدائهم الصهاينة، ففي الحرب الاولى (حرب حزيران) تحمل المسلمون هزيمة ساحقة و نكسة قاطمة، في حين أنهم في حربهم الثانية (حرب رمضان) استطاعوا تحقيق انتصارات باهرة على الأعداء و تغيّرت الخارطة السياسية لصالحهم.

و تمكنوا من دفن اسطورة الجيش الإسرائيلي و الرعب و الخوف في صحراء «سيناء» و هضبة «الجولان» منذ الأيّام الاولى للحرب، و ذاق المسلمون أخيرا طعم النصر لأول مرّة في العقود الأخيرة.

كما ان الثورة الاسلامية في ايران اصبحت منطلقا لتنور المسلمين في كثير من البلاد و انتشار صحوة اسلامية و شعوب مستلهمة من هذه الثورة المباركة ثقافة العزة والكرامة ورفض استيلاء المستكبرين على بلادهم و فصائل مقاومة في وجه صهاينة و الاستكبار الاريكي في فلسطين و سوريا واليمن وغيرها من البلاد مما جعل المستكبرين في قلق واضطراب شديد واشعلوا نيرانا لاخماد هذا النور و الله ابطل سحرهم بأيادي المقاومين ولنا امل كبير بالمستقبل القريب في فشل محاولاتهم لقمع المقاومين و يأسهم عن أن ينالوا الى مطالبهم الظالمة القبيحة و ما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo