< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

1442/10/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات الصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 118 من سورة آل عمران

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُقَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ . إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[1]

هذا المقطع يشمل ثلاثة آيات يخطط لنا تعاملنا مع الأجانب وللفهم الأكثر والاسهل نقف عند معنى بعض مفردات الآيات:

ملخص ما ورد في المجمع: (البطانة خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره مأخوذة من بطانة الثوب الذي يلي البدن لقربه منه وهي نقيض الظهارة ويسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. «لا يَأْلُونَكُمْ» أي لا يقصرون في أمركم خبالا و لا يتركون جهدهم يقال ألا يألو ألوا إذا فتر و ضعف و قصر و ما ألوته خيرا و شرا أي ما قصرت في فعل ذلك. و الخبال الشر و الفساد و منه الخبل بفتح الباء و سكونها للجنون لأنه فساد العقل و رجل مخبل الرأي أي فاسد الرأي

و أصل العنت المشقة عنت الرجل يعنت عنتا دخلت عليه المشقة و أعنت فلان فلانا حمله على المشقة الشديدة فيما يطالبه فيه و منه قوله تعالى وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ.)[2]

كما ورد في شأن النزول: (نزلت في رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من الصداقة و القرابة و الجوار و الحلف و الرضاع عن ابن عباس و قيل نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصادقون المنافقين و يخالطونهم عن مجاهد).[3]

هذه الآيات المباركات تخطط لنا سياسة حكيمة تجاه الاجانب بالتعاشر معهم على حذر واحتياط وأن لا نتقرب اليهم حتى نبوح باسرارنا عندهم ولعل حرمة الزواج الدائم والمصاهرة مع غير المسلمين انما شرّع لهذه الجهة، فان التزاوج ملازم للكشف عن كثير من خفايا الامور وهناك خطر الاختراق الى الاسرار الحساسة امر محتوم مضافا الى ان مسألة الدين والشريعة تغطي القسط الاكثر من حياة المسلم فالانسجام مع من لا يعترف بديننا في التزاوج امر بعيد جدا الا عند من لا يبالي بدينه ولا يلتزم بقيم الاسلام واحكامه الشاملة لجميه مناحي الحياة.

كما ان في عالم السياسة و التجسس، ايضا يستفيدون من التزويح للرموز للتسرب الى الاسرار و اختراق المناطق الحساسة من العسكرية والسياسية وغيرها. وكم من الاغتيالات تمت من خلال منفذ الزوجية.

نعم إن هذه الآيات لاتدعوا الى معادات الآخرين و احتكاك المكر عليهم في ظروف السلم والهدنة بل الاسلام يدعونا الى رعاية حقوق جميع الطوائف والاجيال و يحرم الاعتداء على جميع الملل والشعوب و لكن مسألة رعاية الحكمة في التواصل مع من لا يأمن جاره امر يدعوا اليه العقل ايضا فما ورد في هذه الآية مما تنادي به العقل السليم والحكمة العميقة ولذلك قال تعالى: في خاتمة الآية: ﴿قد بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وفي هذه الآية دروس عظيمة نشير الى بعضها:

اولاً: قوله ﴿ياايها الذين آمنوا﴾ يبين لنا ملاك الوحدة وهو الايمان فما نجد من السياسات التي تجعل ملاك الوحدة اللغة و يعتذرون باننا نريد ان نحتضن كل الطوائف الفكرية بينما اللغة غالبا نسبتها مع المواطنة نسبة عموم من وجه فلم نجد دولة لا يتوفر تنوع في اللغات كما تشارك اللغات مع خارج الدولة . و بعضهم يجعلون الوحدة في صقع مشترك في اللغة كما نرى ذلك في كثير من الدول العربية فيعتبرون العرب اشقاء وغيرهم اجانب و يعبرون عن العرب بالامة العربية بينما الامّة عبارة عن جمع يأتمون بثقافة وفكر واحد، واللغة ليس لها ثقافة ولا فكر بل هي مجرد وسيلة لتبادل المفاهيم فالاسلام جعل ميزان الوحدة هو الايمان الذي هو امر قلبي يتبعه القول والعمل ثانياً: قوله: ﴿لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾ فيها النهي عن اتخاذ البطانة ممن دوننا اي غيرنا والبطانة هي التي تكون الاسرار له مكشوفة و في آية اخرى

قال مرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾4

كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَ إِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴿23﴾قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَ أَبْنَاؤُكُمْ وَ إِخْوَانُكُمْ وَ أَزْوَاجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَ تِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَ مَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[4]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَ مَا أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[5]

وبما في المستقبل ان شاء الله نتناول هذه الآيات وغيرها بالبحث والتنقيب فلا نسحب الكلام فيها عجالة فهذه الآيات تنهانا ان نتخذ بطانة من غيرنا وتنهانا ان اتخذ اولياء من اليهود والنصارى وتنهانا عن موالات عدوالله وعدونا والتلاقي معهم بالمودة وللبحث مجال واسع نتركه للاسابيع القادمة ان شاء الله.


[1] السورة آل عمران، الأية 118-120.
[4] السورة التوبة، الأية 23-24.سورة المائدة الآية 51.
[5] السورة الممتحنه، الأية 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo