< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية100 الي 101سورة البقرة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ . وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‌ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[1]

قال السيوطي في شأن نزول الآية: (أخرج ابن اسحق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبى حاتم و أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال مَرّ شاس بن قيس - و كان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم،- على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأوس و الخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من أُلفتهم و جماعتهم و صلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بنى قيلة بهذه البلاد و الله ما لنا معهم إذا اجتمع مَلَؤُهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال إعمد إليهم فاجْلس معهم ثم ذكّرهم يوم بعاث و ما كان قبله و أنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، و كان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس و الخزرج و كان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك و تنازعوا و تفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب: أوس بن قيظى أحد بنى حارثة من الأوس و جبار بن صخر أحد بنى سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه ان شئتم و الله رددناها ألان جذعة و غضب الفريقان جميعا و قالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة و الظاهرة الحرة فخرجوا اليها و انضمت الأوس بعضها إلى بعض و الخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية.

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أ بدعوى الجاهلية؟ و أنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام و أكرمكم به و قطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر و ألّف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفار فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان و كيد من عدوهم لهم، فالقوا السلاح و بكوا و عانق الرجال بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس و أنزل الله في شان شاس بن قيس و ما صنع ﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى‌ ما تَعْمَلُونَ﴾ إلى قوله ﴿وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ و أنزل في أوس بن قيظى و جبار بن صخر و من كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ إلى قوله أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيم‌﴾ [2]

ان هذه الآية المباركة في خطابها تعميم لكل المسلمين ولا يختص بمن كان في عصر النبي صلى الله عليه واله كما أشار صاحب المجمع بقوله: (و هو خطاب للأوس و الخزرج و يدخل غيرهم من المؤمنين في عموم اللفظ) كما انه رضوان الله عليه قال: (و يجوز أن يكون المراد بقوله «وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ» القوم الذين كان النبي (ص) بين أظهرهم خاصة و يجوز أن يكون المراد به جميع أمته لأن آثاره و علاماته من القرآن و غيره فينا قائمة باقية و ذلك بمنزلة وجوده فينا حيا)[3]

اقول فما قاله في الميزان بان: (المراد بالفريق كما تقدم هم اليهود أو فريق منهم)، وكذلك في الأمثل لم ينبه الى هذا التعميم، فتخصيص الامر باليهود، لا وجه له، بل يشمل فريق من اهل الكتاب سواء اليهود او النصارى او غيرهم من المنتسبين الى اديان سماوية، لانّ الكفار والمشركين قابل للانقسام الى المنافق والفاسق ومن ليس منافقا وليس اهل الفساد والخلاف وكم بينهما من بون بعيد، ولذلك نرى ان في القرآن مراراً نسب النفاق والفسوق الى أكثرهم قال تعالى: ﴿ولو آمن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون﴾ (العمران 110)

وقال: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ ﴿113﴾ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَ أُولٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾[4] ﴿آل عمران114﴾

وقال: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿البقرة 109﴾

وقال: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهم يعلمون﴾ (آل عمران78)

وقد سبقت آيات هذا المقطع آيتين أمر الله فيهما نبيه ان يخاطب اهل الكتاب واليكم نصها:

﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى‌ ما تَعْمَلُونَ . قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (آل عمران 98-99) امر النبي صلى الله عليه واله أن يعاتب اهل الكتاب على كفرهم بآيات الله والله شاهد لعملهم ثم امر بخطابهم مرة ثانية بصدهم الذين آمنوا عن سبيل الله و محاولتهم لتعويج سبيل الله وهم شهداء على ذلك والله ليس غافلا عن عملهم.

في هذا العصر ايضا جميع محاولات اهل الكتاب تصب في اخراج الناس عن الهداية لا دعوتهم الى دينهم، حتى لو حاولوا في تنصير الشباب لا يدعون الى مسيحية ملتزمة بل يدعون الى مسيحية اباحية. واليهود كذلك ليس في ديانتهم دعوة الى تهويد الناس ولكنهم كل سعيهم باضلال المسلمين بل اضلال المسيحيين واليهود وسائر الاديان عن دينهم. فالصهاينة غير محسوبين على اليهود المتدينة كما ان الثقافة الغربية بعيدة كل البعد عن ديانة المسيحية، مرة اكد لى بطرياك الاعظم البابا الهزيم في جلسة خاصة في سوريا على برائة ديانة المسيح عما يعيشه الغرب من ثقافة عدم المبالات بالعفة والامانة والمحبة و على المستوى الفردي والاجتماعي.

ففي الآية المبحوث عنها حيث قال: "إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ" والطاعة قد تكون في أوامر واضحة خوفا منهم او طمعا للوصول الى أموال او اغرائات أخرى وقد تكون من طرق ملتوية و دعايات مغرية و ضلالات شيطانية وهي اخطر لان الطريق الأول لا يوجب اشتياق في المطاع فيه ولكن الطريق الثاني يكون الطاعة من خلال الداعي النفسي بحيث قد يكون الضال يدفع ضرائب لما اقتنع به حتى يضحي بنسه وامواله في سبيل انجاز ما الي عليه من الاباطيل. وفي الآية اللاحقة يقول: ﴿وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‌ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ هذا سؤال استغرابي يشير إلى مدى قبح الكفر و خسارته الفضيحة وآيات الله بين اظهرنا و منا رسول الله واوليائه هذه الثروة الثمينة والجاذبة شبابنا تخطفهم الدعايات الفاضية والزائفة وليس ذلك الا نتيجة لغفلتنا وتقصيرنا في إيصال الرسالات الى أهلنا وشبابنا. ثم يبين الله لنا طريق الخروج من هذا المضيق بقوله: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ و الاعتصام بالله اعتصام قلبي قولي عملي ، فِي كِتَابِ مَعَانِي الْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى حُسَيْنٍ الْأَشْقَرِ قَالَ قُلْتُ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ مَا مَعْنَى قَوْلِكُمْ إِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْصُوماً؟ فَقَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذَلِك‌ فَقَالَ الْمَعْصُومُ هُوَ الْمُمْتَنِعُ بِاللَّهِ مِنْ جَمِيعِ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " [5] ‌- فِي أُصُولِ الْكَافِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ أَقْبَلَ قِبَلَ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَقْبَلَ اللَّهُ قِبَلَ مَا يُحِبُّ وَ مَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ عَصَمَهُ اللَّهُ، وَ مَنْ أَقْبَلَ اللَّهُ قِبَلَهُ وَ عَصَمَهُ لَمْ يُبَالِ لَوْ سَقَطَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ، لَوْ كَانَتْ نَازِلَةٌ نَزَلَتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَشَمِلَتْهُمْ بَلِيَّةٌ كَانَ فِي حِزْبِ اللَّهِ بِالتَّقْوَى مِنْ كُلِّ بَلِيَّةٍ، أَ لَيْسَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ».[6] فِي كِتَابِ الْخِصَالِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ إِبْلِيسُ: خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِي فِيهِنَّ حِيلَةٌ وَسَائِرُ النَّاسِ فِي قَبْضَتِي، ... وَمَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ عَنْ نِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَاتَّكَلَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ «الْحَدِيثِ»[7]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo