< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آیة 282 الي 283سورة البقرة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‌ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى‌ وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى‌ أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى‌ أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ﴾ . ﴿وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى‌ سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[1]

بعض مفردات الآية: تقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‌ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾

ورد في المجمع حول مفردة المداينة: (داينت الرجل مداينة إذا عاملته بدين أخذت منه أو أعطيته و تداين القوم أو الرجلان بمعناه و يقال دنت و أدنت إذا اقترضت و أدنت إذا أقرضت). فتشمل الآية كل معاملة حصل من خلالها حق للآخر.

ان المجمع قال في تناسب هذا المقطع مع ما سبقه: (لما أمر سبحانه بإنظار المعسر و تأجيل دينه عقبه ببيان أحكام الحقوق المؤجلة و عقود المداينة)[2] وقال في الامثل: (بعد أن شنّ القرآن على الربا و الاحتكار و البخل حربا شعواء، وضع تعليمات دقيقة لتنظيم الروابط التجارية و الاقتصادية، لكي تنمو رؤوس الأموال نموّا طبيعيا دون أن تعتريها عوائق أو تنتابها خلافات و منازعات).[3]

وقد ذكرت في الآية عدة فروع :

الاول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‌ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾.اي اذا تعاملتم بمعاملة يترتب عليها اشتغل ذمة بعضكم على بعض كاستغراض مال أو عقد صفقة، اجارة او مصلحة او عقد مشاركة او غير لك من العقود، فيجب كتابة العقد بينكم بتفاصيله من الجدير بالذكر أنّه يستعمل كلمة «دين» هنا و لا يستعمل كلمة «قرض»، و ذلك لأنّ القرض تمليك مال في مقابل مال مثله لاجل معين فهو تبادل شيئين متشابهين كالنقود أو البضاعة التي يقترضها المقترض و يستفيد منها، ثمّ يعيد نقودا أو بضاعة إلى المقرض مثلا بمثل. أمّا «الدين» فهو أوسع من ذلك، فهو يشمل كلّ معاملة، تشتغل فيها ذمة احد الاطراف او اكثر كالمصالحة و الإيجار و الشراء و البيع و أمثالها، بحيث يكون فيها اداء مستقبلي فيصبح بعض الاطراف مدينا الى بعض الآخر. فتشمل كل معاملة ترتب عليها اشتغال ذمّة، ومنها القرض. فالنسبة بين القرض والدين عموم مطلق فكل قرض دين وليس كل دين قرض.

الثاني: ﴿وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ وفي مفردة "بينكم" اشعار بكونه شخص خارج من اطراف المعاملة كي يطمئن الطرفان على صحّة العقد و لم يكن داعي للكاتب أن يميل الى احد الطرفين، فينبغي أن يكون الكاتب شخصا ثالثاً.

الثالث: قال: ﴿وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ اولاً نهى عن الإباء عن الكتابة وثانياً تكون كتابة على موازن علمي علمه الله وكل علم من الله ولكن هذه الاضافة لعله تنبيه على ان العلوم امانة من الله فلايجوز الخيانة فيها.

الرابع: ﴿وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً﴾ اي لابد ان يكون المملي هو الذي عليه الحق حتى تكون المكتوب اقرار ممن عليه الدين على نفسه ولكن عليه ان يلتزم بالتقوي في املائه ولا يورد الضرر على صاحب الحق بإملائه.

الخامس: ﴿فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل ﴾. السفيه هو من لا يعرف مصلحته عن مضرته دون المجنون والضعيف اما يكون ضعيفا في جسمه او في بيانه او في المحاسبات اللازمة كما ان كثير من الناس خصوصا في الملفات المعقدة يأتون بالمحامي للدفاع عن حقهم في محكمة القضاء ومن لا يستطيع ان يمل لبكم او صُمم فلا يقدر على النطق، فإنّ لوليّه أن يملي العقد فيكتب الكاتب بموجب إملائه ولكن مع رعاية العدل حتى لا يزيد ولا ينقص في حق احد الاطراف.

وأرى ان ما صار في عصرنا متعارفا ان يستفيدوا من المحامي في الخصومات امر غير صحيح لان المحامي عادة يدافع عن من استخدمه لصالح نفسه فيسعي في اغراء القاضي في قضائه لمصلحة موكله فالاولى الغاء قانون المحاماة و تعيين المحامين الشاطرين المتدينين كمساعد للقاضي في كشف الحق اينما كان منحاداً عن اطراف المخاصمة.

السادس: ﴿وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ﴾ مضافاً على كتابة العقد، ليتحملوا الشهادة للأطراف حتى لو صار خلافا بينهم ان يقوموا بالشهادة بالحق.

السابع: ﴿مِنْ رِجالِكُمْ﴾ اي يجب أن يكون الشاهدان بالغين و مسلمين و هذا يستفاد من ضمير الخطاب للمسلمين. مضافا الى ادلة التي تفيد حجية شهادة العادل ومن كان منحرفا عن طريق الحق ليس بعادل فلا تقبل شهادته.

الثامن: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ﴾ اختيار شاهدين من النساء بدلا عن شاهد واحد انما جعل احتياطا لحق المشهود له بما ان النساء غالباً عندهنّ عواطف شديدة و تكون في معرض الاغراء في شهادتها و هذا لا يعني دونية المرأة ولا نقص في حظها والشهادة ليست حظاً بل هي كلفة خفف الله عن النساء فلم يسلب منهنّ شيئا من حقوقهنّ.

التاسع- ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ﴾ اي كونهم مرضيا للشهادة ولا وثاقة لقول الفاسق لأن احتمال الكذب منه لا دافع عنه عادة فلابد ان يكون الشاهد عاقلاً بالغاً عدلاً.

العاشر- ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى﴾ في محكمة القضاء عادة تتم شهادة كل شاهد لوحده و منفردا. أمّا إذا كان رجلا واحدا و امرأتين، فعلى المرأتين أن تدليا بشهادتهما معا لتذكّر إحداهما الاخرى إذا نسيت أو أخطأت.لأنّ المرأة كائن عاطفي و قد تقع تحت مؤثّرات خارجية، لذلك فوجود امرأة أخرى معها يحول بينها و بين التأثير العاطفي و غيره‌.

الحاديعشر:- ﴿وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا.﴾ ان اداء الشهادة من الواجبات الشرعية فيجب على الشهود إذا دعوا إلى الشهادة أن يحضروا من غير تأخير و لا عذر لان اثبات الحق منوط بالشهادة ولو لم يكن اداء الشهادة واجباّ لعطلت كثير من الحقوق.

الثاني عشر:-﴿وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى‌ أَجَلِهِ‌﴾ هنا تركيز على عدم ملل الكاتب في الدقة فيما يكتب، بل لابد من كتابة جميع ما له دخل في الدعوى من الامور الجزئية والكلية لان كثير من الامور الجزئية الصغيرة قد تترتب عليها خلافات كبيرة

الثالث عشر:- ﴿ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى‌ أَلَّا تَرْتابُوا﴾ في هذا المقطع من الآية تشير الى ثلاثة امور لها اهميتها البالغة في المجتمع الانساني وهي: اقامة القسط فيما بين الناس و الظاهر ان النسبة بين القسط والعدل عموم مطلق، فكل قسط عدل وليس كل عدل قسط فالعدل هو وضع كل شيئ في موضعه سواء كان بين الاطراف او لجهة واحدة، مثلا الانفاق على الزوجة عدل وليس بقسط و رعاية المساوات بين الازواج قسط وعدل، هنا استعمل الله مفردة القسط لكون البحث متعلق بالتخاصم، فالامر الاول المذكور في الآية تحقق القسط. والامر الثانى: "أقوم للشهادة" فقيام شهادة جامعة عادلة لا يمكن الا بتكميل المستندات حول الدعوى لانها تساعد الشهود عند أداء الشهادة، و الامر الثالث: "ادنى ان لا ترتابوا": الريبة هي الشبهة اذا لم يكن المستندات في الدعوى كاملة واضحة كل واحد من الاطراف يظن انه كان مظلوما في الحكم ولكن اذا كان كل شييء مكتوب صغيرها وكبيرها يقتنع كل الاطراف بحكم الحاكم وقد لا يصل الامر الى المحكمة اذا كان الاطراف متعبدا بالحق فكثير من الدعاوي اما ناشئ من جهلهم بالحكم واما ناشئ عن الاجمال والابهام في المستندات.

الرابع عشر- ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها.﴾

لان عند ما تكون اطراف المعاملة كلها حاضرة والمال نقد، فيحصل التبادل في نفس الجلسة و"البيعان بالخيار ما لم يفترقا وإذا افترقا فقد وجب البيع" ولا حاجة للكتابة لان الكتابة سند للعقد وعندما يتم القبض والاقباض فالثمن والمثمن هما احسن سند للمعاملة ومع ذلك لم يمنع الله عن الكتابة بل اذن في تركها فقال لا جناح الا تكتبوها اي لا اثم على ترك الكتابة. ولكن لو كتبتم فاهلا وسهلا.

الخامس عشر:- ﴿وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ‌.﴾ في المعاملات النقدية و إن لم تحتج إلى كتابة عقد، لا بدّ من شهود:

السادس عشر-﴿وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ.﴾ و آخر حكم تذكرة الآية هو أنّه ينبغي ألّا يصيب كاتب العقد و لا الشهود أيّ ضرر بسبب تأييدهم الحقّ و العدالة:

و الفعل «يضارّ» بصيغة المجهول يعني أن لا يصيب الكاتب و الشهود بضرر،

السابع عشر- ﴿وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾. اي إذا آذى أحد شاهدا أو كاتبا لقوله الحق فهو إثم و فسوق

و في ختام الآية قال تعالى: ﴿وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ﴾ تذكر ثلاثة امور لو كات الانسان منتبها اليها لما ارتكب الخلاف وهي: الامر بالتقوى وثانين نبهنا بان العلم من الله و هو يعلم كلّ مصالح الناس و مفاسدهم فمقرراته كلها تنسجم مع حياة الانسان دنيوية واخروية وثالثاً" هو بكل شيء عليم لا يعذب عنه ذرة في الارض ولا في السماء فكونا على حذر من معصيته.

ثم في الآية التي تليها قال: ﴿وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى‌ سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[4]

بما ان في القديم كان مدة الاسفار طويلة ولم تتوفر الامكانيات فيها فاقترح علينا بدل الكتابة موضوع الرهان فعين المرهونة تبقى تحت تصرف الدائن فالرهن كان كفيلا بالاداء حيث يستطيع المرتهن ان يأخذ حقه من ثمن مال الرهن وفي فرض ثقة الاطراف ببعضهم يجوز عدم أخذ الرهان فيؤكد على ملازمة التقوى و عدم جواز كتمان الشهادة والتذكير بمراقبة الله لاعمالنا. وبهذا نكتفي من الكلام في هذا المقطع من سورة البقرة

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo