< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية 267 الي 274سورة البقرة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269) وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَ ما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [1]

المقطع التاسع الذي دخلنا فيه في الليلة الماضية تمتد الى ثمانية آيات متوالية وستة آيات قبلها أيضا كانت تصب في نفس الموضوع ونحن جعلناها المقطع الثامن لما فصل بينها وبين ما نحن فيه بقوله: ﴿يا ايها الذين آمنوا﴾ ولكن المضمون مترابط كل الارتباط.

قال في الميزان في شأن هذه الآيات المباركات:

(سياق الآيات من حيث اتحادها في بيان أمر الإنفاق، و رجوع مضامينها و أغراضها بعضها إلى بعض يعطي أنها نزلت دفعه واحدة، و هي تحث المؤمنين على الإنفاق في سبيل الله تعالى، فتضرب أولاً: مثلا لزيادته و نموه عند الله سبحانه: واحد بسبعمائة، و ربما زاد على ذلك بإذن الله، و ثانياً: مثلا لكونه لا يتخلف عن شأنه على أي حال و تنهى عن الرياء في الإنفاق و تضرب مثلا للإنفاق رياء لا لوجه الله، و أنه لا ينمو نماء و لا يثمر أثرا، و تنهى عن الإنفاق بالمن و الأذى إذ يبطلان أثره و يحبطان عظيم أجره، ثم تأمر بأن يكون الإنفاق من طيب المال لا من خبيثه بخلا و شحا، ثم تعيِّن‌ المورد الذي توضع فيه هذه الصنيعة و هو الفقراء المحصرون في سبيل الله، ثم تذكر ما لهذا الإنفاق من عظيم الأجر عند الله).

ثم تابع كلامه وقال: (وبالجملة الآيات تدعو إلى الإنفاق، وتبين أولا وجهه وغرضه وهو أن يكون لله لا للناس، وثانياً صورة عمله وكيفيته وهو أن لا يتعقبه المنّ و الأذى، و ثالثاً وصف مال الإنفاق و هو أن يكون طيباً لا خبيثاً، و رابعاً نعت مورد الإنفاق و هو أن يكون فقيراً أحصر في سبيل الله، و خامساً ما له من عظيم الأجر عاجلاً و آجلاً).[2]

في الليلة الماضية تحدثنا حول الآية الأولى من هذا المقطع حيث امرنا ربنا بأن يكون انفاقنا من طيبات مكسبنا من الإنتاج التجاري او الزراعي او المعدني، ثم في الآية التي تليها يبين لنا كبرى فيها يرسم لنا مصارعة الشيطان مع الله بوعدين متخالفين وهو قوله تعالى: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة 268)

ورد في ترجمة بعض مفردات هذه الآية في المجمع ما ملخصه: (الفقر الحاجة و هو ضد الغنى ...، و الفرق بين الوعد و الوعيد أن الوعيد في الشر خاصة و الوعد يصلح بالتقييد للخير و الشر معا غير أنه إذا أطلق اختص بالخير و كذلك إذ أبهم التقييد كما يقال وعدته بأشياء، لأنه بمنزلة المطلق، و الفحشاء الفحش و الفاحش البخيل قال علي بن عيسى الفحشاء المعاصي و إنما سمي البخيل فاحشا لأنه مسي‌ء برده الأضياف و السائل)‌[3]

وقال الراغب الاصفهاني في المفردات: (الْفُحْشُ و الْفَحْشَاءُ و الْفَاحِشَةُ: ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال)، كما انه قد يستعمل لكل ما تجاوز حده، فيقال بينهما فرق فاحش.

بما ان الله يتحدث في الإنفاق ويدعوا المؤمنين اليه وللانفاق دور عظيم في حل المشاكل الاقتصادية على مستوى الفردي والجماعي و يوجب التواد والمحبة والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين و التضامن الاجتماعي، فنرى هذا الإصرار من الله والاهتمام فيه و التأكيد البليغ في الروايات على أهميّة ولزوم احياء ثقافة الانفاق، ولذا للشيطان كذلك مواقف معارضة قوية في هذا المجال فالله تعالى ذكر هذا الصراع في ضمن ما يتعلق بامر الانفاق حتى يذكّرنا بوجود العدو اللدود في السد دون هذه العملية الخيرية.

و قد ورد في هذه الآية المباركة امران من الشيطان وهما ايعاد الفقر والامر بالفحشاء و في قباله امران من الله وهما مغفرة منه وفضلاً.

و روى في تفسير نورالثقلين علل الشرائع للصدوق بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِنَّي رُبَّمَا حَزِنْتُ فَلَا أَعْرِفُ فِي أَهْلٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا وَلَدٍ، وَ رُبَّمَا فَرِحْتُ فَلَا أَعْرِفُ فِي أَهْلٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا وَلَدٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَ مَعَهُ مَلَكٌ وَ شَيْطَانٌ، فَإِذَا كَانَ فَرَحُهُ كَانَ دُنُوَّ الْمَلَكِ مِنْهُ وَ إِذَا كَانَ حَزَنَهُ كَانَ دُنُوَّ الشَّيْطَانِ مِنْهُ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾.[4]

نعم ان الوساوس الشيطانيّة التي تخوّف الإنسان من الفقر والعوز وخاصّة إذا أراد التصدّق بالأموال الطيّبة والمرغوبة، وما أكثر ما منعت الوساوس الشيطانيّة من الإنفاق المستحبّ في سبيل اللّه وحتّى من الإنفاق الواجب كالزكاة والخمس أيضا.

فالله تعالى حذرنا عن الإغراءات الشيطانية بقوله: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ ويصوّر لكم المستقبل موحشاً فيشوقكم الى الجمع والادخار عسى تحتاجوا اليها، او يتحدّث اليكم في مستقبل أولادكم ولو كانوا صغار كأنّكم انتم الرزاق لهم، ويُنسيكم فضل الله عليكم في فتح آفاق المعيشة أمامكم طول الحياة والله يقول: "نحن نرزقهم واياكم" فكثيرا ما الأولياء هم يعتاشون في ظل رحمة الله للأهل والاولاد وغير هذه الوساوس التي كل واحد منا اذا نظر الى نفسه يرى تلك الهواجس فيها ولكن في نفس الوقت ﴿يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ﴾ فيشجعنا الى ارتكاب القبائح وصرف الأموال فيها فلابد من معالجتها بالتذكر حيث يقول الله تعالى: ﴿اِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا اِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَاِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾،

وقد قال بعض المفسرين بان الفحشاء في هذه الآية استعمل بمعنى البُخل وبعضهم قالوا المراد منه إختيار الأموال الرديئة و غير القابلة للمصرف و التصدّق بها، و قيل أيضا: أنّ المراد بها أنّ الشيطان يحمل الإنسان من خلال تخويفه من الفقر على اكتساب الأموال من الطرق غير المشروعة ثم انفاقها في الصدقة

أقول: اظن انه لا داعي لحصر المراد في هذه الأمور بل الفحشاء استعمل في معناه الوسيع فيشمل البخل او اختيار الصدقة من الاموال الرديئة فان هذه الآية كبرىً ذكرها الله للانتباه فيما نحن فيه ايضاً.

وينبغي أن نشير هنا الى نقطة وهي: لماذا قال تعالى ان الشيطان يأمركم بالفحشاء بينما الشيطان انما يسول لنا القبيح؟ لعل السر في ذلك أراد ان يبيّن قوة التأثير لتسويلاته و وساوسه وفي هذا الصراع كلّ فكرة سلبيّة و ضيّقة و مانعة للخير فإنّ مصدرها هو التسليم مقابل وساوس الشيطان، و في المقابل كلّ فكرة إيجابيّة و بنّاءة و ذات بعد عقلي فإنّ مصدرها الإلهام من الله و نداء الفطرة السليمة. فمن تغلب جانب العقل والدين يسعد ومن تغلب جانب الشيطان والنفس يشقى


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo