< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آیة 267 سورة البقرة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[1]

هذا هو المقطع التاسع مما تصدر بقوله "يا ايها الذين آمنوا" و موضوعه تناسب مع المقطع السابق. قد تقدم على هذه الآية اولا آية 254 فالامر الذين آمنوا بالانفاق قبل فوات اوانه اي الموت ثم في الآية 261 ذكر اجر الانفاق في سبيل الله بالمضاعفة بسبعمأة اضعاف بل اكثر ثم الآية 262 تابع التحريض على الانفاق خاليا عن المن والاذى وفي الآية 163رجح القول المعروف على صدقة تتبعها اذى ثم عاد في الآية 264نهى الذين آمنوا عن ابطال نفقاتهم بالمن والأذى ثم في الآية 265 مدح المنفين لمرضات الله وتثبيتا لانفسهم ثم في الآية 266 هدد المنفقين في سبيل الله فحذرهم عن الانحراف بلسان السؤال.

فالى هنا كان كل البحث في اصل الانفاق ولزوم خلوص النية فيه اما في هذه الآية يتحدث معنا قوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ﴾ فيتحدث معنا حول المال المنفَق ففي الابتاء نركز على بعض المفردات لفهم المعنى:

قال في المجمع: (التيمم: التعمد يقال أممت الشي‌ء خفيفة و يممته و أممته و يممته و تيممته بمعنى أي قصدته و منه الإمام لأنه المقصود المعتمد و الإمام أيضا خيط البناء لأنه يمده و يعتمد بالبناء عليه و اليم لجة البحر لأنه يعتمد به البعيد من الأرض و اليمام الحمام لأنها تتعمد إلى أوكارها بحسن هدايتها الخبيث الردي‌ء من كل شي‌ء)[2]

وقال في شأن نزول الآية: (روي عن أبي عبد الله (ع) أنها نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهلية و كانوا يتصدقون منها فنهاهم الله عن ذلك و أمر بالصدقة من الطيب الحلال.‌ وقيل إنها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف فيدخلونه في تمر الصدقة عن علي (ع) و البراء بن عازب و الحسن و قتادة.)[3]

فهناك بحث حول المراد من الطيبات هل هو الطيب المعنوي او الظاهري ويمكن تعميم المراد الى الجهتين وقد ناقش البعض شموله للمعنوي بان ما بقي من ربا الجاهلية احلها الله لهم. فليس مابقي منها خبيثاً

قال تعالى: "﴿...وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ.﴾. ﴿275﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿278﴾ فهاتين الآيتين تدلان على العفو عما مضي و تحريم الربا بالنسبة الى الاموال الجديدة.

واجابوا عن ذلك بانه ولو احله الله لهم ولكن خباثته الوضعية موجودة فيها و كان المؤمنون لا يرغبون فيها.

اقول ان ما ورد في القرآن من الخطاب يشمل جميع المؤمنين ولا ينبغي حصرها في معاصري رسول الله صلى الله عليه واله ففي هذا العصر علينا ان لا ننفق في سبيل الله الى الطيبات مما نكسبه معنويا وما دياً وكلاهما غير مرغوب عند المؤمنين.

وعلى كل حال يأمرنا ربنا ان مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" بما ان جُلّ المداخل اما تجاري واما زراعي فاشار الى كل ما نملكها أن نفق من طيباتها و «الطيب» في اللغة هو الطاهر النقي من الناحية المعنوية و المادّية، أي الأموال الجيدة النافعة و التي لا شبهة فيها من حيث حلّيتها كما استفدنا ذلك من شأن النزول.

ثم نهانا عن اختيار ما هو خبيث فقال. "وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ" فكما ان الطيب يشمل المادي والمعنوي لا بد من حمل العقد السلبي ايضاً الى كلا الامرين فلا ينبغي اخراج انفاق في سبيل الله من الاموال المشتبة او المحرمة وكذا من الاموال الرديئة، حتى للحج او لزيارات مزارات اهل البيت عليهم السلام المقدسة فعلينا ان نختار اطهر الأموال.

اما في قوله: "وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ" يحتمل في تغمضوا امرين الاغماض وقبول الرديء لجهة ما والثاني الاغماض البائع عن قسط من الثمن.

ان الله جعلنا في تعيين عنوان الطيب والرديء حكما فيما بيننا وبين انفسنا فهل نرضى ان نأخذ ما لنا على عهدة الغير أن يدفع الينا بمثل هذه الاشياء بل نطلب منه ان يعطينا نوعية جيدة وكذلك وما ليست فيه شبهة شرعية، انت تريد ان تشتري بيت فلا تقبل اي نقص في بناءه او اذا كان طابوا تبعة غير صحيح و عليه دعاوي ارث او ما شابه ذلك فترفضه. وال انه يستثني موارد خارج المعتاد مثل من يشتري شيءا ناقصا لرخصة سعره او لجهة اخرى كفرض من جانب ما عليه و انت تغمض العين عن مشكلة السلعة وهذا ليس ملاكاً فيما تريد ان تنفقه في سبيل الله. كما ان في الحج لابد ان تكون الاضحية كامل الاجزاء وفي سلامة من اي مرض وفصة هابيل وقابيل احسن مثال لذلك حيث لم يقبل الله قربان قابيل لانه اختار شيئاً زهيدا رديئاً

كما قال الله تعالى: "﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾" و قال ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا.

و في ختام قال تعالى: ﴿وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي لا تنسوا أنّ اللّه لا حاجة به لإنفاقكم فهو غنيّ من كلّ جهة، بل أنّ جميع المواهب و النعم تحت أمره و في دائرة قدرته، و لذلك فهو حميد و مستحق للثناء و الحمد، لأنّه وضع كلّ هذه النعم بين أيديكم.

و احتمل البعض أنّ كلمة (حميد) تأتي هنا بمعنى اسم الفاعل (حامد) لا بمعنى محمود، أي أنّه تعالى على الرغم من غناه عن إنفاقكم فإنّه يحمدكم على ما تنفقون.

الاحاديث: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ - فَقَالَ كَانَ الْقَوْمُ قَدْ كَسَبُوا مَكَاسِبَ سَوْءٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- فَلَمَّا أَسْلَمُوا أَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ- فَيَتَصَدَّقُوا بِهَا- فَأَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُخْرِجُوا إِلَّا مِنْ أَطْيَبِ مَا كَسَبُوا.[4]

فهذه الرواية تؤيد القول بان شأن النزول كان للنهي عن التصدق بما وجدوا من طريق طرق المحرمة ومنها الربا

وعن مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْمَشِيخَةِ لِلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ - فَقَالَ فِي الْكَسْبِ هُمْ قَوْمٌ‌ كَسَبُوا مَكَاسِبَ خَبِيثَةً قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا- فَلَمَّا أَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُمْ- أَبْغَضُوا ذَلِكَ الْكَسْبَ الْخَبِيثَ- وَ جَعَلُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ- فَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ إِلَّا بِأَطْيَبِ مَا كَسَبُوا[5] . هكذا في هذه الرواية يكون العنوان اوسع من الربا

وعن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ ع لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ- فَأَنْفَقُوهُ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مَا قَبِلَهُ مِنْهُمْ- وَ لَوْ أَخَذُوا مَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَنْفَقُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ- مَا قَبِلَهُ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْ حَقٍّ وَ يُنْفِقُوهُ فِي حَقٍّ[6] .

وعَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا ع إِذَا أَكَلَ- أُتِيَ بِصَحْفَةٍ فَتُوضَعُ بِقُرْبِ مَائِدَتِهِ- فَيَعْمِدُ إِلَى أَطْيَبِ الطَّعَامِ مِمَّا يُؤْتَى بِهِ- فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَيْئاً فَيَضَعُ فِي تِلْكَ الصَّحْفَةِ- ثُمَّ يَأْمُرُ بِهَا لِلْمَسَاكِينِ- ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ - ثُمَّ قَالَ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ إِنْسَانٍ يَقْدِرُ عَلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ- فَجَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ[7] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo