< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آیة 264 الي 266 سورة البقرة

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْ‌ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ . ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ . ﴿أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ أَصابَهُ الْكِبَرُ وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [1]

هذه الآيات الثلاثة مسبوقة بثلاثة آيات في نفس الموضوع قال تعالى ﴿: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ . ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ . ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ [2] بشرالله فيها بتضاعف الإنفاق في سبيله بسبعمـأة أضاف فما فوق، كما بشّر المنفق اذا لم يقارن انفاقه بالمن والاذى بتضمين اجره عند ربه و تضمين امانه من الخوف والحزن ثم قارن بين من يقدّم كلام جميلا و اعتذارا، ومن ينفق ويتبعها اذى، فرجّح الأول على الثاني.

ثم اتى بالمقطع الثامن من الآيات المصدرة بقوله يا ايها الذين آمنوا التي هي موضوع بحثنا وهي ثلاثة ايضاً، والظاهر أنّ هذه الآيات الثلاثة تريد أن ترسم لنا حالات ثلاثة يقع الانسان فيها بالنسبة الى صدقاته وانفاقاته.

ففي الآية الاولى قال: ﴿لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْ‌ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [3]

الحالة الأولى هي من كان من اول الامر نيته رياءً فنهى الله عن ابطال الصدقات بالمن والاذى وحرف الكاف في كالذي ليس للتشبيه ولا لعرض مصداق من المصاديق بل هو بيان لحقيقة التي يعيشها الذي يمن على المنفق عليه ويؤذيه فيصير معنى كالذي أي هو الذي ينفق ماله... والسر في ذلك ان الذي ينفق ماله رياء وسمعة يريد ان يستفيد من انفاقه لدنياه فيشعر انه انفق ماله ولم يأخذ شيئا في قباله فيسوّق ماء وجه المنفق عليه ليكتسب حسن السمعة في الناس، والنسبة بين المن والاذى نسبة العموم من وجه فقد يكون الايذاء بدون المنّ، كمنْ يطلب من المنفق عليه شيئا يكرهه. وقد يكون منّاً وليس أيذاء وهو المنّ على من لايكترث من التحقير والاهانة كبعض السفلة من الناس، وقد يجتمع كلاهما وهذه الحالة يحصل عن المنفق عليه إذا كان محترماً شريفاً فالمنّة تثقل عليه و تفنّد السرور الحاصل من الحصول على ذاك الخير.

ثم يمكن تعميم الصدقة بكل اسداء خير الى الآخر من علم او مساعدة في عمل او دفاع عن عرض الآخر او حياته، او تكريم له بعزيمة وغيرها من الخيرات وفي الحديث في صفات المؤمن انه: (يستكثر قليل الخير من غيره ويستقل كثير الخير من نفسه)

وقد صرحت الآية بنفي الإيمان بالله واليوم الآخر ممن سيرته هكذا ولعل المراد من نفي الايمان ليس خروجه عن الدين بل ضعف ايمانه بحيث ليس مندفعا عن الايمان في اعماله الخيّرة بل دافعه نفسه ودنياه ثم يمثله بتمثيل لطيف بليغ في معناه فقال: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْ‌ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.

ينبغي لنا قبل الدخول في المعنى نقف عند بعض المفردات الآية: صفوان: جمع مفرده صفوانة مثل سعدان و سعدانة و مرجان و مرجانة و هي الأحجار ، من الصخرة الصافية. و الوابل: هو المطر الشديد الوقع، و الصلد: الحجر الأملس و الصلد من الأرض ما لا ينبت شيئا لصلابته.

شبه الله المرائي في انفاقه الذي يتبع انفاقه بالمنّ والأذي، بمن يزرع في قطع من أحجار صلد تغطّيه طبقة خفيفة من التراب، فإذا سقط المطر المبارك على هذا التراب لا يفعل شيئا سوى اكتساح التراب و البذور و بعثرتها، فيظهر سطح الحجر بخشونته و صلابته التي لا تنفذ فيها الجذور، و كل الاشكال يعود الى ارضية التي زرع فيها، فمع توفر البذر الصالح والمطر الغزير والهواء النقي و أشعة الشمس بما فيها الكفاية، مع كل ذلك لم يثمر شيئا لان كل ذلك كان امور جيدة وضعها في غير موردها وهو الرضية الصلبة الخشنة التي لا ينسجم مع البذر والماء و لا يسمح بالنفوذالجزورإليه. ولم تكن الا قشرة ظاهرية من التراب مما لا تعين على نموّ النبات الذي يتطلّب الوصول إلى الأعماق لتتغذّى الجذور.

وهذا المرائي المنّان و المؤذى للمنفق عليه شخص خدّاع، يظهر بثياب رجل خيّر يساعد الفقراء ويقضي حاجة المحتاجين ولكن نيته استثمار هذة العملية لنياته اللئيمة. فلا يجنوا ثمرة من اعماله ونفقاته الا الويل والثبور. و لعل قوله تعالى في مختتم الآية: ﴿وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ ‌اي انه تعالى لا يوفق الى طريق الرشد والهدى من كفر بنعمته ونوى الدنيا بصدقاته فيمنّ على المتصدقة بهم ويؤذيهم.

والطائفة الثانية من المنفقين هم الذين وصفهم الله بقوله: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[4]

قبل كل شيء نطل اطلالة على بعض مفردات هذه الآية: وملخص ما قال في المجمع في معنى المفردات: (الرَبوة و الرُبوة و الرِبوة بالحركات الثلاث في الراء و الرباوة الرابية قال أبو الحسن و الذي نختاره ربوة بضم الراء و يؤيد هذا الاختيار قولهم رُبا في الجمع. و الأكل المأكول يدل على ذلك قوله تعالى «تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ» أي ما يؤكل منها فالآكال جمع أكُل مثل عنق و أعناق و الأكْل الفعل و الأكلة الطعمة و الأكلة الواحدة و ضِعف الشي‌ء مثله زائداً عليه و ضِعفاه مثلاه زائدين عليه و الطل المطر الصغار يقال أطلت السماء فهي مطلة و روضة طلة ندية).[5]

يستفاد من هذه الكريمة: ان هذه الطائفة ينفقون ماينفقون لهدفين ساميين طلب مرضاة المولى تعالى و تثبيتا من أنفسهم.

قال في الميزان: (و أما قوله: "وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ" فقد قيل: إن المراد التصديق و اليقين. و قيل: هو التثبت أي يتثبتون أين يضعون أموالهم، و قيل: هو التثبت في الإنفاق فإن كان لله أمضى، و إن كان خالطه شي‌ء من الرياء أمسك، و قيل: التثبيت توطين النفس على طاعة الله تعالى، و قيل: هو تمكين النفس في منازل الإيمان بتعويدها على بذل المال لوجه الله. و أنت خبير بأن شيئا من الأقوال لا ينطبق على الآية إلا بتكلف). ثم بعد شرح بسيط قال: (يظهر أن المراد بابتغاء مرضاة الله أن لا يقصد بالعمل رئاء و نحوه مما يجعل النية غير خالصة لوجه الله، و بقوله تثبيتا من أنفسهم تثبيت الإنسان نفسه على ما نواه من النية الخالصة، و هو تثبيت ناش من النفس واقع على النفس. فقوله تثبيتا تميز و كلمة من نشوية و قوله أنفسهم في معنى الفاعل، و ما في معنى المفعول مقدر).[6]

اقول: انه لا بأس لكلامه رضوان الله عليه ولكن حصر متعلق التثبيت بنية التي نواها لتلك الانفاق لا وجه له، لانّ ظاهر الآية انما يصدرمنهم الانفاق لأمرين اولاً الحصول لمرضاة الله وتانيا: تثبتا من انفسهم، فالصدقة علة لحصول هذين الأمرين وحصر متعلق التثبيت على نفس النية مستلزم لتوقف الشيء على نفسه وهو دور باطل فلابد من القول بانهم يريدون تثبيت أنفسهم على التوحيد وطاعة الله وهو الذي يناسب مع الوجه الاول والرابع والخامس.

ثم في قسم الأخير من الآية حيث قال "فان لم يصبها وابل فطل" لعله اراد بذلك يبين دخل درجات الإخلاص في سعة الأجر، فاما يكون اخلاصه لله في الدرجات العالية فمثله كمن يصيب مزرعته وابل من المطر والذي ليس مستوى اخلاصه بتلك الدرجات العالية و يصيب مزرعته بطل من مطر.

ثم في الأية الثالثة تحذير للمخلصين عن الانحراف بعد الثبات فقال تعالى: . ﴿أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ أَصابَهُ الْكِبَرُ وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ ففي الآية تمثيل لمن كان صالحاً وكان له جميع مواطن السعادة ولكن فقد كل ذلك ليوم حاجته الشديدة ،، ففي الآية الاولى كان التمثيل لمن يزرع حسناته في ارض صلبة فلا يستفيد من رحمة الله الا لنعيم الدنيا الزائلة وفي الثانية: تمثيل لمن اخلص لله في انفاقه فهو الذي يزرع في ارض خصبة ندية فيستثمرها جيداً. وفي الآية الثالثة تحذير عن إبطال ما اسسوا ورتبوا لمستقبلهم عند اوان الحاجة الشديدة، فكانوا اهل الصلاح والسداد مخلصا لله ثم انحرفوا عن الطريق في آخره فخسروا كل ماحصّلوه من الخيرات ولم يبق لهم شيئء ل﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم﴾ ولموضوع الانفاق روايات كثيرة ينبغي الترويض في رياضها ولم نجد فرصة في هذه الجلسة نرجوا ان نجبر ما فات بمقدر الميسور غدا ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo