< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية 208 و 209 سورة البقرة

المقطع السادس من الآيات المصدرة ب- ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[1]

قبل كل شيء علينا ان نلقي ضوءا الى بعض مفردات الآية قالوا ان السلم والسلام والاسلام بمعنىً واحد و مفردة –كافّة- حال للسلم وهي بمعنى الجميع فقال البعض معنى الآية ادخلوا في الاسلام جميعاً ووزانه وزان قول الله تعالى: ﴿يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله...﴾[2] فالدعوة للمسلمين الى الايمان القلبي والالتزام العملي بالاسلام.

قال في المجمع: (لما قدم تعالى ذكر الفرق الثلاث من العباد دعا جميعهم إلى الطاعة و الانقياد فقال ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي صدقوا الله و رسوله ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ أي في الإسلام أي دوموا فيما دخلتم فيه كقوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ﴾ عن‌ ابن عباس و السدي والضحاك و مجاهد و قيل معناه ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ في الطاعة عن الربيع و هو اختيار البلخي و الكلام محتمل للأمرين و حملها على الطاعة أعم و يدخل فيه ما رواه أصحابنا من أن المراد به الدخول في الولاية «كَافَّةً» أي جميعا أي ادخلوا جميعا في الإسلام و الطاعة و الاستسلام و قيل معناه ادخلوا في السلم كله أي في جميع شرائع الإسلام و لا تتركوا بعضه معصية و يؤيد هذا القول ما

روي أن قوما من اليهود أسلموا و سألوا النبي أن يبقي عليهم تحريم السبت و تحريم لحم الإبل فأمرهم أن يلتزموا جميع أحكام الإسلام)‌ [3]

وجاء في تفسير مقاتل بن سليمان: (﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ وذلك أن عبد اللّه بن سلام، و سلام بن قيس، و أسيد و أسد ابنا كعب، و يامين بن يامين، و هم مؤمنو أهل التوراة استأذنوا النبي- صلى اللّه عليه و سلم- فى قراءة التوراة فى الصلاة. و فى أمر السبت و أن يعملوا ببعض ما فى التوراة. فقال اللّه- عز و جل- خذوا سنة محمد- صلى اللّه عليه و سلم- و شرائعه، فإن قرآن محمد ينسخ كل كتاب كان قبله، فقال: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً يعنى فى شرائع الإسلام كلها)[4]

اقول: قد يجعل الكافة حالا للسلم فيصير معناه لزوم قبول الجميع لاحكام الشريعة وقد يجعل حالا لادخلوا فمعناه الامر بالدخول بصفة الجمع ولكن الظاهر ان الكافة يستعمل غالبا للعام المجموعي و جميعا يستعمل للعام الاستغراقي فالدعوة الى الاسلام يناسب دعوة احادهم الى الاسلام ولكن اذا اخذنا السلم بمعناه اللغوي فالانسب هو حمله الى العام المجموعي لان السلم لا يتحقق الا باجتماع الأطراف ولا يمكن السلم ما دام الآخرون بصدد الحرب. فلايمكن ان تسالم من يحاربك.

في هذه الآية يخاطب الله المؤمنين ويامرهم بالدخول في السلم، والإسلام والسلام والسلم بمعنى واحد، وفي اللغة بمعنى الهدوء والسكينة والصلح فتدعوا هذه الآية الكريمة جميع المؤمنين إلى الصلح والسّلام، وبما ان الآية تخاطب المؤمنين فجعل الأيمان بمعني الإقرار بالتوحيد ونبوة رسول الله امراً مفروغاً عنه ولابد ان يكون المراد من الدخول في السلام فيما بينهم. أي يتسالموا في ما بينهم ويتحدوا على كلمة التوحيد

و لكن السّلام لا يتحقّق إلّا في ظلّ الإيمان، لان الشعوب الذي لا يؤمنون بالله وكل تعلقهم بالدنيا لا يمكن ان يتسالموا مع الآخرين الا لجلب المصلحة لانفسهم لان المعيار لاهل الدنيا هو المنافع المادية و مفاهيم كالعدالة والسلم و رعاية حق الآخرين والدفاع عن المظلومين هي مفاهيم جميلة لا يمكن ان ينكر حسنها نعم قد كان بعض الفلاسفة كافراد كنيتشة الفيلسوف آلماني كان يرى لزوم غلبة الاقوياء على الضعفاء وقمعهم حتى ينعدم الضعيف ويبقى القوى ليكون المجتمع في تطور مستمر ولكن مثل هذه الآراء مرفوض عند عامة العقلاء بل كمال الانسان وتطوره في مساعدة الضعفاء فالشاب قبل ان يتزوج يرى نفسه ضعيفا ولكن بعد الزواج با يتكفل قيمومية اسرته والدفاع عن زوجته واولادة يشعر بالقوة والارادة حتي الجاج قبل ان يفرخ يخاف من كل شية ولكن بعد ما يجد حوله فروخ عليه ان يدافع عنهم يهجم على الكلاب والكلب يخاف من شدة بطشه.

فالقيم الانسانية تطرح عند المغترين بالدنيا ولكن يستخدموها لاغراء الآخرين. هذا الشعب اليمني المظلوم يمضي على قصفهم بالصواريخ وبالطائرات الحربية اكثر من ستة سنوات لانه رفض هيمنة آمريكا وعميلها السعودي فالاستكبار و دولة السعودي بقصفون هؤلاء المظلومين باسم الدفاع عن الدولة القانونية والشعب في اليمن ويسمون عامة الشعب و انصارالله ارهاباً، و الرئيس السابق المنتهي رياسته رأيسا شرعياً، وهكذا الشعب الفلسطيني و الكيان الصهيوني و قس على هذا في اكثر بقاع الارض فالمعايير الأرضيّة و الماديّة غير قادرة على إطفاء نار الحروب في الدنيا، لأنّ عالم المادّة و التعلّق به مصدر جميع الاضطرابات و النّزاعات دائما، فلو لا القوّة المعنويّة للايمان لكان الصّلح‌ مستحيلا.

فما يستفاد من الآية الكريمة دعوة المسلمين بشتى جنسياتهم وقبائلهم ولغاتهم و اقاليمهم و اوطانهم ان يتمسكوا بكلمة واحدة و يجتمعوا تحت خيمة الاسلام الشاملة التي تربطهم ببعضهم البعض وتجعلهم اخوة متحابين متباذلين ومتعانقين في خدمة بعضهم البعض ومتكاتفين في الوقوف امام عدوهم المشترك.

وإحدى مظاهر الوحدة والسلام الشامل مناسك الحجّ الّذي يعتبر نموذجا بارزا لاتّحاد الأقوام البشريّة بمختلف ألوانها و قوميّتها و لغاتها و أقاليمها الجغرافيّة و أمثال ذلك، حيث امرهم الله ان يشاركوا في المراسم العبادية الروحانيّة في منتهى الصّلح و الصّفاء، و للأسف قد استولى على تلك البقاع المتبركة نظام وهابي متحجر ذليل امام المشركين و شديد على المسلمين لا يسمحون للحاج ان يتعارفوا ويتآنسوا و يتداولوا في الافكار لمعالجة مشاكل المسلمين و مواجة التحديات التي ترد على بلادهم

ان ربنا تعالى امرنا بالدخول في السلم الجماعي بوسعة المسلمين ثم قال: ﴿"وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ فمعناه اي انحراف من هذا الخط اتباع لخطوات الشيطان و تاثر من الانحرافات و الوساوس الشيطانية التي تحدث بصورة تدريجيّة.

و جدير بالذّكر أنّ هذا التعبير ورد في القرآن الكريم خمس مرّات و لغايات مختلفة.

وقد اشار بقوله: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾‌ المر الي يعترف به جميع العقلاء برهانا فعداء الشيطان للإنسان ليس بأمر خفي مستتر، فان الكبرى واضح بين للكل ولكن الصغريات من اغرائات الشيطان امر خطير كثيرا ما يقع الإنسان فيها فهو بعد ما تكبر من السجدة لآدم عليه السلام و رجم من حضرة الباري استمر في غيّه و "﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَ عَنْ شَمَائِلِهِمْ وَ لاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[5] و فی سورئ الحجر قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [6] ولذلك ولو ان عداء الشيطان امر معروف عند الجميع ولكن له تسويلات واغرائات وسبل خفية ينبغي للمؤمن ان يكون عنه على حذر دائم.

ثم وقعت في الآية التي تليها إنذار لجميع المؤمنين حيث قال:‌ ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‌﴾ أي إن تنحيتم عن القصد و عدلتم عن الطريق القويم الذي أمركم الله تعالى بسلوكه بالحجج و الآيات في رعاية الوحدة والسلم الشامل فيما بينكم «فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ في نقمته لا يمتنع شي‌ء من بطشه و عقوبته و حَكِيمٌ فيما شرع لكم من أحكام دينه و فيما يفعله بكم من العقاب على معاصيكم.

واخير نلفت انتباهكم على ان الاسلام لا يرى حربا توسعيا ويريد السلام بين جميع البشر الا ان الاخوة خاص للمسلمين فيما بينهم وانما يقاتل المعتدي فقال: ﴿وَ قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَ لاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ فاعتبر القتال الابتدائي اعتدائا فانما يجوز قتال من يقاتلنا او من يعتدي على غيرنا وهم يستنجدوننا او يفتتن ويريد القضاء علينا. وقال ايضاً: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَ ظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[7] فالاسلام طالب بالسلم الشامل للبشرية والاخاء فيما بين ابناء الامة الاسلامية.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo