< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية 185 سورة البقرة

قد انتهينا عن البحث في آيتين من هذا المقطع وتليهما قول الله:

﴿ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‌ ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[1]

اما قوله تعالى "شهرُ رمضان": الشهر معناه معروف وقد يجمع بأشهر وهو جمع القلة ويجمع بشهور وهو جمع الكثرة، وأصله من اشتهاره بالهلال‌ فالشهر في الاصل كان اسما للهلال ثم أطلق على الفترة الفاصلة بين الهلالين. ومفردة رمضان من الرمض وهو شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، وقيل إنما سمّي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها.

هنا بعض المفسرين جعلوا قوله شهر رمضان استأنافاً و مبتدئا فيصير معناه هذا شهر رمضان او ان شهر رمضان شهر انزل فيه القرآن، فعلى هذا لابد من القول بان الآيتين السابقتين انتهى معناهما فدخل القرآن في باب جديد و هو التعريف بشهر رمضان و على هذا قالوا ان الصوم ورد في مرحلتين المرحلة الاولى من خلال الآيتين التين سبقتاها و هما: "﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ"﴾[2] فجعلوا الصوم في ايام معدودات من دون عدد معين ولا زمان معين ثم ذهبوا الى نسخ ذاك الحكم بالآيتين التي تلاهما ونحن في اليوم الماضى فندنا هذا الوجه بما لا مزيد عليه فالمتعين ان هذه الآية تتميم لماورد في السابقتين:

وذكر في المجمع في وجه كون الشهر مرفوعاً ذكر ثلاثة أوجه (أحدها) أن يكون خبر مبتدإ محذوف يدل عليه قوله أَيَّاماً أي هي شهر رمضان (والثاني) أن يكون بدلا من الصيام فكأنه قال كتب عليكم شهر رمضان (والثالث) أن يرتفع بالابتداء ويكون خبره «الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» ويجوز في العربية شهر رمضان بالنصب من وجهين (أحدهما) صوموا شهر رمضان والآخر على البدل‌).[3]

اما فضل شهر رمضان: فقد ورد في حديث في علل الشرائع عن الرضا عليه السلام وفيه مطالب كثيرة اخترنا فقرة منها تناسب الكلام: "....فان قال: فلم جعل الصوم في شهر رمضان دون ساير الشهور؟ قيل: لان شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقانِ، و فيه نبئ محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و فيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر: و فيها يفرق كل امر حكيم، و فيه رأس السنة يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل و لذلك سميت القدر" فهذا الشهر في نفسه شهر مبارك ومن اعماله الصوم ولكن قد نرى بعض الزوار بما هم مسافر فلا يصومون و للأسف ينسون انهم في شهر رمضان لرعاية حرمة هذا الشهر و استغلال فرصها للدعاء والمناجات والذكر و كف النفس عن المحرمات بل الأمور المشتبهة ايضاً

وعن حفص بن غياث النخعي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "ان شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا، فقلت له، فقول الله عز و جل، «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»؟ قال، انما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضل الله به هذه الامة، و جعل صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و على أمته"[4] هذا المطلب على فرض صدوره من الامام عليه السلام لا ينافي ظاهر الآية في وجوب الصوم في الأمم السابقة في غير هذا الشهر.

وقد ورد في دعاء (45) من الصحيفة عن امام السجاد عليه السلام في وداع شهر رمضان:

«ثم آثرتنا به على ساير الأمم، واصطفيتنا دون أهل الملل، فصمنا بأمرك نهاره، وقمنا بعونك ليله». وهذه الرواية ظاهرة في اختصاص الامة الإسلامية بصوم شهر رمضان.

وفي الكافي بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: "كنا عنده ثمانية رجال، فذكرنا رمضان، فقال: «لا تقولوا: هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل لا يجي‌ء ولا يذهب، وإنما يجي‌ء ويذهب الزائل، ولكن قولوا: شهر رمضان، فالشهر مضاف إلى الاسم، والاسم اسم الله عز ذكره، وهو الشهر الذي انزل فيه القرآن جعله مثلا وعيدا»[5] .

وفي دعاء الامام علي بن حسين عليه السلام لدخول شهر رمضان: "وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَ شَهْرَ الْإِسْلَامِ، وَ شَهْرَ الطَّهُورِ، وَ شَهْرَ التَّمْحِيصِ، وَ شَهْرَ الْقِيَامِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدىً لِلنّٰاسِ، وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ (4) فَأَبَانَ فَضِيلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ، وَ الْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فِيهِ مَا أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إِعْظَاماً، وَ حَجَرَ فِيهِ الْمَطَاعِمَ وَ الْمَشَارِبَ إِكْرَاماً، وَ جَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لَا يُجِيزُ- جَلَّ وَ عَزَّ- أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ، وَ لَا يَقْبَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ. (5) ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْرٍ، وَ َمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، تَنَزَّلُ الْمَلٰائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهٰا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلٰامٌ، دَائِمُ الْبَرَكَةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ.‌ (6) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وَ أَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَ إِجْلَالَ حُرْمَتِهِ، وَ التَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ، وَ أَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ، وَ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيكَ حَتَّى لَا نُصْغِيَ بِأَسْمَاعِنَا إِلَى لَغْوٍ، وَ لَا نُسْرِعَ بِأَبْصَارِنَا إِلَى لَهْوٍ (7) وَ حَتَّى لَا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إِلَى مَحْظُورٍ، وَ لَا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إِلَى مَحْجُورٍ، وَ حَتَّى لَا تَعِيَ بُطُونُنَا إِلَّا مَا أَحْلَلْتَ، وَ لَا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إِلَّا بِمَا مَثَّلْتَ، وَ لَا نَتَكَلَّفَ إِلَّا مَا يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَ لَا نَتَعَاطَى إِلَّا الَّذِي يَقِي مِنْ عِقَابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئَاءِ الْمُرَاءِينَ، وَ سُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لَا نُشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ، وَ لَا نَبْتَغِي فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ". وهذا الكلام منه صلوات الله عليه يتطلب الوقوف عند كل كلمة منها فهي تشتمل على فضائل ومناقب شهر رمضان وفيها دروس ومواعظ مفيدة جدا كما تطرق الى عظمة ليلة القدر ونحن نكتفي بهذا المقدار حرصا للاختصار.

ثم قوله تعالى: ﴿الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ هناك بحث مفصل حول كيفية نزول القرآن و ملخصه انه نزل بمجموعه الى قلب رسول الله صلى الله عليه واله في ليلة القدر ثم نزل تدريجا في مدة رسالته اي ثلاثة وعشرون سنة قال تعالى: ﴿انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين . فيها يفرق كل امر حكيم"﴾[6] وقال: ﴿"انا انزلناه في ليلة القدر"﴾

وقال" ﴿وانه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الامين . على قلبك لتكون من المنذرين﴾[7] وكان رسول الله من شدة شوقه الى القرآن حريصا على عرضه للناس فقال تعالى: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به . ان علينا جمعه وقرآنه . فاذا قرأناه فالتبع قرآنه . ثم ان علينا بيانه﴾"[8] مضافا الى دلالة هذه الآيات على انزال القران مرة وتنزيله تدريجا هناك روايات تدل على ذلك فعلى من يرغب ان يراجع الى مظانه ومنها بحوثنا السابقة تحت عنوان ثمراة من وحي القرآن.

ثم قوله تعالى: ﴿هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقانِ﴾ التنكير في هُدَىً للتعظيم والتفخيم و كونه هدى للناس بقول مطلق كونه مقتضى للهداية ففاعليته لا نقصان فيه وانما من لم يهتدي بهديه فهو من قصور او تقصير فيه اي النقصان في قابلية القابل. وبينات من الهدي اشارة الى تنوع الحجج والآيات التي تكون فيها اقتضاء قوي للهداية و قوله والفرقان لعله اشارة الى ان القرأن ليس هو فقط دليل لمعرفة الله واولياءه بل فارق بين الحق والباطل ولا تكمل المعرفة الا اذا ضم الجهة السلبية بالجهة الايجابية كي نفرق بين الله والطاغوت وبين الصديق والعدو ونعرف الكفار والمنافقين حتى لا نقع في مصايدهم ومن لم يعرف الباطل يقع فيه من حيث لا يشعر وقد ورد في رواياتنا بما مضمونه: "ان القرآن ثلاثة اثلاث ثلث فينا وثلث في عدونا وثلث في الاحكام"

واما قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ الشهر هو الهلال والشهود هو الرؤية وبما ان رؤية الهلال هي الموضع لاثبات الشهر والرؤية بالعين المصلحة هي حقيقة رؤية فيترتب عليها الحكم فلا وجه لتخصيص الرؤية بالعين المجردة كما بياه بالتفصيل.

اما قوله تعالى: ﴿مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ فهو تاكية لما ورد في الآية السابقة الا ان هنا لم يذكر -منكم- ولعل السر في ذلك ورود منكم في الجملة التي قبلها والتكرار قد يكون مخل للفصاحة.

اما قوله في خاتمة الآية: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‌ ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ففيه اولا التنبيه فان جعل هذه الاحكام ليس لايراد العسر عليكم ولذا بمقدر ما لم يخل بالمصلحة الملزمة خففنا عنكم ثانياً: ﴿لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ فيتضح من هذه الاية ان هناك مصلحة كامنة في صوم بعدد أيام شهر كامل وهذا هو البعث لايجاب قضاء الصوم الفائت وثالثاً: ﴿وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‌ ما هَداكُمْ﴾ لتكبير الله شكرا لهذه النعمة العظيمة وهي الهداية للدين الاسلام وشرائعه

ورابعاً: ﴿وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ والشكر ليس حصرا في شكر اللفظي بل يشمل القلبي والعملي و هو ملازم للتقوى التي جعلها الله في الآية السابقة فلسفة لتشريع الصوم. الى هنا نكتفي بالبحث عن هذا المقطع ولو ان هذه الآيات تستحق بحثا واسعا ولكن الفرص قصيرة فنحيلكم الى مباحثنا السابقة والى المفصلات من التفاسير.


[5] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج4، ص69.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo