< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/08/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية 172 و 173 سورة البقرة

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [1]

قد تحدثنا في الأسبوع الماضي حول الآية الأولى فوقها واليوم نريد ان نتناول الآية الثانية بالبحث. بعد ما حث الله تعالى المؤمنين على تحليل الطيبات من المأكولات والشكر له وبيّن انّ هذا الموقف لازم الايمان لمن يعبد الله بقوله: "ان كنتم إياه تعبدون". حيث ان المؤمن ملتزم بأحكام الله وشريعته فلا يحرِّمُ ما أحلّه الله ولا يحلّ ما حرمه الله.

هنا ينبغي ان نشير الى نقطتين قبل الدخول في تفاصيل الآية الثانية:

احداهما: ان الأمر فيها بالأكل مفيدٌ للجواز والاباحة لا الوجوب، لأنّه ورد في مقام احتمال الحظر ردعا لبعض العادات الجاهلية الخرافية من تحريم بعض اللحوم المحللة.

وثانيها: أنّ قوله تعالى: "إنّما حَرَّمَ عليكم.." «حصر إضافي» لا يستهدف منه بيان جميع المحرمات، بل نفي ما ابتدعوه بشأن بعض اللحوم المحللة. وقيل إنّ هؤلاء الجاهليون حرّموا بعض الأطعمة الطيّبة استناداً إلى ما توارثوه من خرافات وأوهام، لكنهم بدلا من ذلك كانوا يعمدون عند قلة الطعام إلى أكل الميتة أو الخنزير أو الدم.

نعم ان بعض علماء السنة ذهبوا الى جواز اكل جميع الحيوانات الا الخنزير والحمار استنادا الى هذه الآية ورواية مروية عن رسول الله في النهي من اكل لحم الحمار.

فذكرت الآية الثانية أربعة أنواع مما يحرم اكله مما كان كثير الابتلاء بها:

أحدها الميتة: فذكر الميتة لنجاسته وخباثته فهي في معرض كثير من الجراثيم التي وردت من خلال المرض الذي انتهى الى الموت، واعتبر الإسلام الميتة نجساً حتى يبتعد الناس منه حتى ميتة الانسان بعد ما يبرد ومضافا الى نجاسته، يجب على من لامسه بعد البرودة الغسل، لأنه لو لم يكن هذا التشدد لكانت العواطف تدعوا للمصابين بان يتعانقوا مع موتاهم فيصيبهم امراض وتلوثات من الميت.

ثانيها الدم: حيث كان اكله من أكثر المحرمات انتشاراً وقد كان يحلّل في زمن الجاهلية، وفي هذا العصر الذي يعتبر عصر الحضارة وقد يقتلون الحيوان بواسطة الكهرباء لان لا يفوت عنهم دمه. وشرب الدم له مفاسد أخلاقية وجسمية، فهو وسط مستعد تماما لتكاثر أنواع الميكروبات.

فان الميكروبات التي تدخل البدن تتجه إلى الدم، وتتخذه مركزا لنشاطهم، ولذلك اتخذت الكريات البيضاء مواقعها في الدم للوقوف بوجه توغل هذه الأحياء المجهرية في الدم المرتبط بكل أجزاء الجسم. وحين يتوقف الدم عن الحركة وتنعدم الحياة فيه، يتوقف نشاط الكريات البيض أيضا، ويصبح الدم وسطا صالحا لتكاثر الميكروبات دون أي مانع. فيصبح الدم أكثر أجزاء الجسم تلوثا.

ومن جهة اخرى ثبت اليوم في علم الأغذية، أن الأغذية لها تأثير على الأخلاق والمعنويات عن طريق التأثير في الغدد وإيجاد الهورمونات. ومنذ القديم ثبت تأثير شرب الدم على تشديد قسوة في الإنسان، واشتهر انه يقال للقاسي القلب: شارب الدم.[2]

ثالثها: لحم الخنزير: حيث كان ولا زال يعتبر من الحيوانات المأكولة ولو أنها يأكل من اعشاب الأرض والنباتات، ولكنه خبيث الطبيعة والرائحة ويحب الاوساخ. وعند الأوروبيين المولعين بأكل لحمه- رمز التحلل الجنسي. وهو حيوان قذر للغاية،

وقد صرحت بحرمة تناول لحمه شريعة موسى عليه السّلام أيضا، وفي الأناجيل شبّه المذنبون بالخنزير، كما أن هذا الحيوان مظهر الشيطان في القصص، وهو من شدة قذارته يأكل عذرته، و يحتوي لحمه على نوع خطير من الديدان، تسمى «التريشين» التي تعيش في لحم هذا الحيوان تتكاثر بسرعة مدهشة، و تبيض في الشهر الواحد خمسة عشر ألف مرة، و تسبب للإنسان أمراضا متنوعة كفقر الدم، و الغثيان، و حمّى خاصة، و الإسهال، و آلام المفاصل، و توتر الأعصاب، و الحكّة، و تجمع الشحوم داخل البدن، و الإحساس بالتعب، و صعوبة مضغ الطعام و بلعه، و التنفس و قد يوجد في كيلو واحد من لحم الخنزير (400) مليون دودة من هذه الديدان!! ولذلك أقدمت بعض البلدان الأوروبية في السنوات الماضية على منع تناول لحم هذا الحيوان. وهكذا تتجلى عظمة الأحكام الإلهية بمرور الأيّام أكثر فأكثر[3] .

رابعها: ﴿وما أهِلَّ لغير الله﴾ وقد ورد في المراد منها وجوه:

اولاً: القرابين التي كانت تذبح للأصنام وللشخصيات المقدسة عندهم، فحرم الله تقديم القرابين لغير الله وحرم اكلها ليكون أيضاً رادعا عن هذه العملية التي لا تنبغي ان تضاف الى غير الله، لان تقديم القرابين نوع من العبادة وهي لا تجوز الا لله، فعبادة غيره تُعَدّ من الشرك في العبادة الذي هو من أعظم المعاصي وقد قال تعالى: ﴿ان الشرك لظلم عظيم﴾" وقال: ﴿ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾.

الثاني ما ذكر غير اسم الله عليه عند الذبح، قال في المجمع (: أنه ما ذكر غير اسم الله عليه عن الربيع وجماعة من المفسرين والآخر أنه ما ذبح لغير الله عن مجاهد وقتادة والأول أوجه)[4]

فاختار ان المراد هو ما ذكر غير اسم الله عليه،

الثالث: ان المحرم هو ما اُهِلّ من دون اسم الله، سواء سموا اسماً آخراً او لم يسموا، وهذا الذي ينطبق على ما عليه كافة فقهاء الشيعة، نعم هناك رأي عند العامة بان المحرم ما سمي عليه اسم غير الله ولكن ان لم يسم اسم فلا بأس بأكله.

ثم اعلم ان تحريم الموارد الأربع المذكورة قد تكررت في أربع سور من القرآن، سورتين مكيتين (الأنعام، 145 والنحل، 115) وسورتين مدنيتين (البقرة، 173 والمائدة، 3).

عند ما نتأمل في زمان نزول هذه السور يبدو لنا أن تحريم هذه اللحوم أعلن أولا في أوائل البعثة، ثم أعلن ثانية في مكة المكرمة أواخر إقامة الرّسول صلّى اللّه عليه واله وسلّم فيها، و تكرر الإعلان ثالثة في أوائل الهجرة إلى المدينة، ثم أعيد التأكيد رابعة في أواخر عمر الرّسول في سورة المائدة و هي آخر سور القرآن.

اما قوله تعالى:«﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾»

قال في الميزان: (أي غير ظالم ولا متجاوز حده، وهما حالان عاملهما الاضطرار فيكون المعنى فمن اضطر إلى أكل شي‌ء مما ذكر من المنهيات اضطرارا في حال عدم بغيه وعدم عدوه فلا ذنب له في الأكل، وأما لو اضطر في حال البغي والعدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار فلا يجوز له ذلك‌)[5]

اما في الأمثل يرى ان الاضطرار في الآية قسيم للباغي والعادي لا قسم كما استفاد في الميزان: فقال: (ومن أجل أن تقطع الآية الطريق أمام من يتذرع بالاضطرار، أكدت على كون المضطر «غير باغ» و «لا عاد». والباغي هو الطالب، والمراد هنا طالب اللذة والعادي هو المتجاوز للحد، أي المتجاوز حدّ الضرورة، فالرخصة هنا إذن لمن لا يريد اللذة في تناول هذه الأطعمة، ولا يتجاوز حد الضرورة اللازمة لنجاته من‌ الموت) [6]

وقال في المجمع في المراد من الاضطرار: (الاضطرار إلى أكل هذه الأشياء ضرورة مجاعة عن أكثر المفسرين وقيل ضرورة إكراه عن مجاهد وتقديره فمن خاف على النفس من الجوع ولا يجد مأكولا يسد به الرمق وقوله «غَيْرَ باغٍ» قيل فيه ثلاثة أقوال (أحدها) غير باغ اللذة «وَلا عادٍ» سد الجوعة عن الحسن وقتادة ومجاهد (وثانيها) غير باغ في الإفراط ولا عاد في التقصير عن الزجاج (وثالثها) غير باغ على إمام المسلمين ولا عاد بالمعصية طريق المحقين وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله‌) [7]

وقد ورد في المجمع مناقشات عن المفسرين في المراد من هذه الآية ونحن نعرض عنها لاتمام الوقت فعلى من يرغب فليراجع الى تفسير المجمع المجلد الأول صفحة 408.

 


[2] .راجع: تفسير الأمثل، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص488
[3] راجع: الامثل في تفسير كتاب الله المنزل‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص489.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo