< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/08/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير أيات 155 من سورة البقرة

كان بحثنا في الآيات المصدرة بقوله يا ايها الذين آمنوا في المقطع الذي اخترناه من سورة البقرة حيث وقد فرغنا من البحث في الآيتين منها في الاسابيع الماضية واليوم نتناول الآية الثالثة منها: قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾[1] .

في الاسبوع الماضي اطلنا اطلالة سريعة عل الآية المباركة واليوم نريد ان نقف عندها وقفة لنتطلع على بعض النقاط التي تساعدنا في التعمق الاكثر.

لما ذا البلاء؟ البلاء بمعنى الامتحان والله لا يمتحن عباده لكشف ما هم عليه لأنّه تعالى عالم بكل شيء حتى انه "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" فامتحانه عبارة عن اخراج ما بالقوة الى الفعل ولصناعة الانسان قال تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾[2]

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في بيان سبب الاختبارات الإلهية: "وَ قَالَ عليه السلام لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلٰادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلَادِ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطُ لِرِزْقِهِ وَ الرَّاضِي بِقِسْمِهِ وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَكِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَ الْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ الذُّكُورَ وَ يَكْرَهُ الْإِنَاثَ وَ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ الْمَالِ وَ يَكْرَهُ انْثِلَامَ" [3]

بل يمكن ان نقول ان التمحيص و التعريض للمشكلات سنة الله في كل المخلوقات حتى يقال: لولا التضاد لبطل الفيض عن مبدء الجواد وقال امير المؤمنين عليه السلام: "وبمضادته للاشياء عرف ان لا ضدله" فنرى نظام التكامل و التربية، في كل الموجودات الحيّة تطوي مسيرة الصعوبات والتحديات والمواجهات حتى مثلا ان الأشجار تواجه الحر والبرد والعواصف والامطار الفزيرة بل تواجه كثير من الآفات حتى تفعل قابلياتها الكامنة للأثمار، و في عالم الحيوانات نرى ما هو اشد من ذلك. واما في البشر فحفت الجنة بالمكاره حتى الأنبياء، مشمولون بقانون الاختبار الإلهي كي تنجلي قدراتهم.

قال تعالى: ﴿أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ . وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ «العنكبوت2-3».

كما لم يصل ابراهيم عليه السلام الى مرحلة الخلة والامامة للناس الا بعد المرور على المحن والبلايا الكثية قال تعالى: ﴿وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[4]

والبلايا ليست محصورة على المكاره بل قد يكون البلاء في النعمة والسعة والعزة والقدرة:

قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (الانبياء35)

انّ سليمان عليه السلام بعد ما جاءوا له بعرش بلقيس مَلِكة صبا وازداد قدرته وسعة ملكه لم يغفل عن الله و عرف كل ذلك ممن مواطن الامتحان، قال تعالى: ﴿فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾[5]

والقرآن ذكر كثيرا من الموارد الاختبارات الالهية وهي فرصة للرقي الى الله قال تعالى:

﴿"الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ . الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَ خَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . ولاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[6] ففي هذه الآيات يذكر ان احاطة العدو لم تكن موجبا للخوف بل صار سببا لازدياد ايمانهم وتنبههم على ان الله يكفيهم و هو نعم الوكيل وعلى اثر ذلك اصبحوا متنعمين بنعمة الله وفضله وصار عندهم حصانة عن كل سوء ونالوا الى الفضل العظم بخلاف اولياء الشيطان والذين هم يسارعون في الكفر فهم يعيشون الخوف و يفقدون حظوظهم في الآخرة و يواجهون العذاب الاليم.

فمن عوامل النجاح في الامتحان الصبر ‌الذي بشربه في ذيل الآية بقوله" (﴿و بشر الصابرين﴾)[7]

ثم يصفهمم ﴿‌(الذين اذا اصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‌)﴾[8] والمراد من القول ليس مجرد ما يجري على اللسان بل هو الاعتقاد بانهم مملوك لله ويرجعون اليه فيرتاحون بذلك كثيرا

قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام في تفسير الاسترجاع: «إنّ قولنا: إنّا للّه إقرار على أنفسنا بالملك، و قولنا: إنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك» [9] .

ومن عوامل النجاح في الدنيا: هو الجهد في سبيل الله قال تعالى: ﴿وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِي﴾[10]

وما يخفف عنا اعباء الحياة ان ما جرى على الانبياء والرسل والاولياء من المحن الكثير قال تعالى تسلية لنبيه صلى الله عليه واله ﴿لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾[11] ‌ وقال تعالى:

﴿وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى‌ ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا﴾[12]

كما ان الله لما رأى ايذاء امة نوح واستهزائهم له قال له: ﴿وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا﴾"[13] حتى يهون عليه ما يعاني من امته. وقد ورد عن سيّد الشهداء الحسين بن علي عليه السّلام أنّه قال بعد أن تفاقم الخطب أمامه في كربلاء، و استشهد أصحابه و أهل بيته: «هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه»[14]

و مما ينبغي ان ننبه عليه في خاتمة البحث اولاً: تفنن وتنوع الامتحانات بالشدة والرخاء وكل انسان له امتحانه الخاص به حسب ظروفه البيئية والروحية والجسدية. وثانياً: كثير من الناس عندهم قدرة النجاح في بعض الامتحانات بينما يرسبون في نوع اخر منها. وثالثا قد يكون ورود بعض البلايا امتحان للمبتلى وفي نفس الوقت امتحان للاخرين سواء الامتحانات المادية او المعنوية من باب المثال الفقر امتحان للفقير وفي نفس الوقت امتحان للاغنياء كيف يتعاملون مع الفقير والانحرافات الفكرية والسياسية امتحان للمنحرف و امتحان لسائر الناس من مدى الشعور بمسؤوليتهم اما الضالين والمنحرفين للسعي في انغاظهم فكل ظاهرة في هذا العالم يكون اختبارا لجمع كثير لحيثيات متعددة متفاوتة

فقول النبي صلى الله عليه واله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ينادي بالتكافل الاجتماعي في جميع مناحي الحياة و كذلك قوله: "من اصبح ولم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم" وما الى ذلك من الايات والروايات .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo