< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/06/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الأيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا/تفسير /تفسير آية 153من سورة البقرة

قد فرغنا في المباحث الماضية عن الآية الاولى من هذا المقطع وهي قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[1] ثم في الآية الثانية من هذا المقطع يقول تعالى: "﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾[2]

و ورد أيضا في سورة التوبة: ﴿"﴿وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[3] ﴿فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[4] ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[5] في كلا الآيتين تأكيد على حياة الشهداء و مفردة "اموات" في الآية المبحوث عنها وردت بالرفع لأنها خبر أنّهم المقدّر، اي لا تقولوا انهم اموات و منصوب في آية سورة التوبة لأنّها مفعول للاتَحْسَبَنَّ

وفي هذه الآية عطفا على الآية السابقة يكون الخطاب فيها متوجه الى المؤمنين. ثم ينبغي التنبيه الى ان "لاتقولوا" ليس فقط النهي عن القول بل المراد من القول الاعتقاد والزعم، اي لا تزعموهم امواتاً، و مفردة القول كثيرا ما يستعمل في معنى الرأي والاعتقاد.

وكون العمل في "سبيل الله" متقوم على امرين: حسن العمل بدافع الهي، فلايمكن قتل الابرياء في سبيل الله كما قد يكون العمل الصالح في سبيل الشيطان اذا كان الداعي من فعله اغراء الآخرين او الرياء والسمعة او مقرونا بالايذاء والمنة فلابد من نية الخير عند الاتيان بعمل تاخير حتى يقع في سبيل الله.

وقد يطرح سؤال نفسه باننا نرى بعض هؤلاء الارهابيين متحمسون لله في قتلهم للابرياء و تفجيرهم للمساجد و حرم الاولياء وفي هذا السبيل يضحون بحياتهم فما حكمهم؟

والجواب عن ذلك أنّ مثل هؤلاء اساس اعمالهم هي العُقَدُ النفسية و العصبيات الجاهلية بحيث لو فتحوا اذانهم و ابصارهم لعرفوا الحق ولكن الحقد والعناد صار سببا لان يجعلوا اصابعهم في آذانهم وليستغشوا ثيابهم و يصروا على باطلهم و يستكبروا عن الخضوع لنداء العقل والوجدان فاضلهم الله و اعمى ابصارهم جزاء لكفرهم و لجاجهم، فهم في الحقيقة مندفعين عن التعصب والعناد و هذه هي النقطة السوداء التي تقع على قلب العاصي في اول معصية فان تاب واصلح تزول وان خاض في غيه تزداد و تزداد حتى تغشي كل القلب و يصبح صاحبه انسانا ممسوخا الى وحشي كافر كقتلة ابي عبد الله الحسين عليه السلام الذين كانوا يتقربون بكل جرح اوردوها على جسم الحسين المطهر فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه واله ولعنة الله على اعدائهم.

ثم ينبغي ان نقف شيئا عند المراد من الحياة المذكورة في الآية ؟ قال في المجمع:

(فيه أقوال: أحدها: و هو الصحيح أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة و هو قول ابن عباس و قتادة و مجاهد و إليه ذهب الحسن و عمرو بن عبيد و واصل بن عطاء و اختاره الجبائي و الرماني و جميع المفسرين

و الثاني: أن المشركين كانوا يقولون إن أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير سبب ثم يموتون فيذهبون فأعلمهم الله أنه ليس الأمر على ما قالوه و أنهم سيحيون يوم القيامة و يثابون عن البلخي و لم يذكر ذلك غيره

و الثالث: معناه لا تقولوا هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة و الهدى و مثله قوله سبحانه "أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ" فجعل الضلال موتا و الهداية حياة عن الأصم.

و الرابع: أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر و الثناء كما روي عن أمير المؤمنين (ع) من قوله: "هلك خزان الأموال و العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة و آثارهم في القلوب موجودة")

ولكن كما اختاره المفسر الكبير بقوله: (و المعتمد هو القول الأول لأن عليه‌ إجماع المفسرين)

ولا يحتمل القول الثاني: اي انهم ما ضاعوا بل يوم القيامة يحيون وينشرون ويثابون لأنه:

اولاً: الخطاب الى المؤمنين وهم كانوا معترفين بذلك فلا وجه لخطابهم بقوله ولكن لا تشعرون. ثانيا: الاحياء يوم القيامة والتنعم والاثابة على الحسنات لا تختص بالشهداء ولا وجه لتخصيصهم بذلك،

ولا يحتمل قول الثالث اي كونهم احياء بالهداية و معرفة الحق لانّ الهداية لا تختص بالشهداء وثانياً: النهي ظاهر في المنع من زعمهم اموات بعد شهادتهم لا في هذه الدنيا، وثالثاً: هذه الحياة واضح للمؤمنين ويشعرون بها فلا وجه للقول "ولكن لا تشعرون".

ولا يحتمل قول الرابع: بانّ يكون المراد من الحياة بقائهم في ذاكرة المؤمنين و ذكرهم بالثناء الجميل ايضا فانه امر واضح يشعربه كثير من الناس فكيف بالمؤمنين، وثانياً: غير الشهداء من العلماء و اصحاب الخير ايضا يبقون حيا في ذاكرة الناس ولا خصوصية للشهداءفي ذلك.

فينحصر الامر في حياة خاص حقيقي ينالها الشهداء كما يقال: أن الله تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا يتنعمون فيها دون أجسامهم التي في القبور و يؤيد ذلك ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب تهذيب الأحكام مسندا إلى علي بن مهزيار عن القاسم بن محمد عن الحسين بن أحمد عن يونس بن ظبيان قال كنت عند أبي عبد الله (ع) جالسا فقال ما يقول الناس في أرواح المؤمنين قلت يقولون في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش فقال أبو عبد الله سبحان الله المؤمن أكرم على الله أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر يا يونس المؤمن إذا قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون و يشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا" وعنه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن أرواح المؤمنين فقال في الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان)‌[6]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo