< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الأيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا/تفسير /تفسير آية 154 الي 157 من سورة البقرة

كان بحثنا في الأسبوع الماضي حول قوله تعالى: ﴿" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" ﴾[1] وقد تناولنا الآية الأولى من هذا المقطع وانتهينا الى قوله تعالى: ان الله مع الصابرين وقلنا هذه المعية معية الاعانة والعناية و تحدثنا حول معاني الصبر ولم نشبع البحث ولذلك نتدارك اليوم البحث حول الصبرفنقول:

للصبر ثلاث مواطن:

الموطن الاول: الصبر على الطّاعة: بما ان التكاليف المتوجة من الله الى عبادة، قد تعتريها مشاكل عند الامتثال بها فلابد من المقاومة والصبر واستقبال المشاق في سبيل الطاعة، وكلما يكون الطاعة اصعب يكون الاجر اكثر فقد ورد أنه «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه واله: أىّ الأعمال أفضل؟ فقال: أَحْمَزُهَا»[2] . من الفرائض الصوم الذي يرافق الجوع والعطش، والجهاد الذي مضافا الى صعوبات كثيرة في طريقه يجعل الانسان في معرض القتل، والزكاة وهي تستلزم الاعراض عن شيء من المال وهكذا سائر التكاليف و قد سمي ما يجب على الانسان بالتكاليف حيث فيها كلفة لابد للعبد ان يستقبلها.

من مصاديق الصبر على الطاعة قوله تعالى﴿:"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ"﴾[3]

نستفيد من هذه الآية المباركة ان تحمل المشاق في سبيل طاعة الله يصنع الانسان، فقوله لما يعلم الله الذين جاهدوا ليس المراد نستجير بالله انه جاهل بحالكم بل المراد: انه لمّا تحقق موضوع علم الله وهو صيرورتكم مجاهداً وصابراً فالهدف من الامتحانات في مجتمع الإنساني حصول المعرفة للممتحن بالكسر عن حال الفعلي للممتحن بالفتح ولكن امتحان الله ليس لكشف الموجود بل يكون لحصول المفقود و هو الكمالات التي تجعل الانسان لائقاً لرحمة ربه او المخاذي التي يجعل الانسان مستحقا للعذاب والسقوط في الهاوية نستجير بالله منها.

الموطن الثاني: الصبر عن المعصية: أي كف النفس عن المحرمات التي تشتهيها والثبات أمام دوافع الشهوات العادية. واغرائات شياطين الجن والانس و كثير من المعاصي العظيمة خفيّة عن اعيننا تاثرا من تلك الاغوائات فلابد للانسان ان يتقي المعاصي بالتوكل والتوجه و التوسل الى الله.

ومن مصاديق الصبر عن المعصية قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"﴾[4]

هذه الآية ايضا ذكر الجهاد وعدم الانحراف عن الخط القويم فكم من المجاهدين اطاعوا الله في قتال العدو في الجهاد الاصغر ولكن عند ما واجهوا جهاد الاكبر سقطوا، ككثير من اصحاب رسول الله وامير المؤمنين صلوات الله عليهما حيث عند ما واجهوا الجاه و النعم المادية انهزموا وتركوا الحق ليتسلقوا بعض الكراسي الدنيوية. و في عصرنا هذا ايضا رأينا كثيرا ممن ضاعوا انفسهم و دخلوا في منافسات السياسية و خاضوا في غمرات شهوة الجاه حتى انغرقوا فيها واصبحوا من المعارضين للحق بعد ما كانوا من انصار الحق. ومن كان عنده شهوة الجاه او الشهرة، عند ما لم يظفر بها انحرف عن الحق واختلق اباطيل ليشتهر و يبرز وجوده فيما بين الناس، ويستفز الآخرين و لذا يقال: "ان الرآسات مضامير الرجال"وامراض النفس كثيرة ومختلفة ومعقدة.

و الموطن الثالث: الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة و عدم الانهيار و ترك الجزع و الفزع. وعدم الشكوى من الله وان نعرف كل ما يصيب المؤمن فهو رحمة له، فالله هو الرحمن الرحيم لا يريد لعبده سُوءاً ، نعم لا بأس من الشكوى الى الله وهو التوسل اليه لرفعها فنفس هذه الحالة والتوجه والتوسل فيها رفعة ورقيٌّ الى الله ولذلك كلما يكون العبد اقرب الى الله فبلاءه اعظم،

ومن مصاديق الصبر على المصيبة قوله تعالى: ﴿"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"﴾ [5] نعم ان كل هذه المشاق لحة قبال ابدية يوم القيامة

و قد روي أن عليّا عليه السّلام: «كان إذا أهاله أمر فزع، قام إلى الصّلاة ثمّ تلا هذه الآية: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ..


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo