< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الأيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا/تفسير /تفسير سورة البقرة

بعد ما انتهينا من تفسير سورة الإسراء و قد أخذ تفسيرها سنين من الزمان حيث كان بحثنا التفسيري فقط الأربعاء من كل أسبوع، فقررنا ان نختار من التفسير أسلوبا اسرع نتيجة واكثر تنويعاً من حيث المواضيع وهو تفسير الآيات المصدرة بقوله تعالى: ﴿"يا أيّها الذين آمنوا"﴾ فإنها خطابات متوجهة الى كل مكلف من المؤمنين تشمل العقيدة والفقه والحقوق والاخلاق والمباحث الاجتماعية والسياسية و الاسرية والصحية والطبيعية غيرها مما يتعلق بعلاقات الانسان مع ربه ومع نفسه ومع فئات المختلفة من البشر وعلاقاته مع الطبيعة و ذلك بترتيب ما ورد في المصحف الشريف.

واول آية تصدرت بقوله: ﴿"يا أيها الذين آمنوا"﴾ هي الآية مأة واثنان وثلاثون من سورة البقرة وهي قوله تعالى: ﴿"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[1] فهذه الآية خطاب الى المؤمنين وقد ورد قبل أربعة آيات في نفس السورة خطاب الى الناس فقال: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[2]

هناك ورد في الامثل في رمز التفارق بين الآيتين، امران لا يخلوا من لطف فقال: (لو قارنا هذه الآية بقوله تعالى: "يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ" لفهمنا نكتتين: تقول الآية هنا: مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ، بينما تقول تلك مِمَّا فِي الْأَرْضِ. ولعل هذا الاختلاف يشير إلى أن النعم الطيبة مخلوقة أصلا للمؤمنين، وغير المؤمنين يتناولون هذه الأطعمة ببركة المؤمنين، كالماء الذي يستعمله البستاني لسقي أشجاره وأغراسه، بينما تستفيد من هذا الماء أيضا الأعشاب والنباتات الطفيلية).

أقول: لعل قوله تعالى في سورة الأعراف أيضا يفيد هذا المعنى وهو: ﴿"قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"﴾[3] فاعتبرت هذه الآية المباركة زينة الله والطيبات للذين آمنوا في الحياة الدنيا ولكن يستفيد منا الآخرون ويم القيامة خالصة للمؤمنين.

ثم قال: (والاخرى، أن الآية تقول لعامة النّاس: ﴿كُلُوا ... وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ وهذه الآية تخاطب المؤمنين وتقول: ﴿كُلُوا ... وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ أي لا تكتفي هذه الآية بالطلب من المؤمنين أن لا يسيئوا الاستفادة من هذه النعم، بل تحثهم على حسن الاستفادة منها. فالمتوقع من النّاس العاديين أن لا يذنبوا في استهلاك هذه النعم، بينما المتوقع من المؤمنين أن يستثمروها في أفضل طريق (. او فقل امر الله أن نجعل تلك النعم طريقا لذكر منعمه والشكر له فأصبح النعم للمؤمنين مقربا الى الله بخلاف غيرهم حيث ان نعم الله حافزا لهم للغفلة عن الله والغرور وتسرّب الشيطان الى قلوبهم وجرّهم الى الخلاف والفساد.

والأمر بالأكل هنا يفيد الترخيص لا الوجوب، لأنه امر في موضع توقع الحظر، لأنه كان بعض الناس يحرمون بعض المحللات على أنفسهم فنهى الله عن هذا وقد ورد في القرآن مادة الأكل أكثر من أربعين مرة. فيأتي الأكل بمعناه اللغوى ويأتي بمعنى الاستيلاء او التصرف والتملك لمال الغير واليك نموذج منها: قال تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [4]

وقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾[5]

وقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[6]

وقال: ﴿وَآتُوا الْيَتامى‌ أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى‌ أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً﴾[7]

ففي هذه الآيات وأمثالها لم يرد الأكل بمعنى ما هو مقابل للشرب بل المرا التصرف والتملك والاستيلاء على الأموال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo