< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسير سورة الاسراء/تفسير القرآن /الآيتين الاخيرتين من السورة

 

﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾[1]

قد فرغنا في الاسابيع الماضية عن البحث في الآية الأولى من الآيتين فوقها واليوم نتحدث عن الآية الثانية، الآية الأولى تحث عن الدعاء والعبادة لله وخصت الصلاة بالذكر لأهميتها وفي هذه الآية امر النبي صلى الله عليه واله ان يؤكد على معاني التوحيد. وقوله تعالى: "﴿وقل الحمد لله﴾" يمكن ان يكون جملة انشائية ويمكن ان يكون جملة خبرية أي ان الحمد كله لله فالألف واللام للجنس اي ايّ حمد تحقق في العالم يقع لله ولو لم يلتفت الناطق اليه.

في الآيات أعلاه تمّت الإشارة إلى ثلاث صفات من صفات اللّه، ثمّ بملاحظة الأمر الوارد في نهاية الآية اكتملت الى اربع صفات.

أوّلا: نفي الولد، لأنّ امتلاك الولد دليل على الحاجة، وأنّه جسماني، وله شبيه ونظير، والخالق جلّ وعلا ليس بجسم ولا يحتاج لولد، وليس له شبيه ونظير.

الثّاني: نفي الشريك وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ حيث أن وجود الشريك دليل محدودية القدرة والحكومة والسلطة، لأنّه لا سلطة له على ما لشريكه وهو دليل على العجز والضعف، مضافا الى ان الولد يشبه اباه وأمّه في الصفات الظاهرية والباطنية لانه مشتق منه فيقتضي ان يكون له شبيه ونظير. والخالق جلّ وعلا منزّه عن هذه الصفات، فقدرته كما هي حكومته غير محدودة، وليس له أي شبيه.

الثّالث: نفي الولي لانه الذي يتولى اموره ويكفيه اياها عند للمشاكل والهزائم وقد بين الله ملازمة الملازمة بين الحاجة الى الولي والذل بقوله تعالى: ﴿"وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ".﴾ والمراد هنا من الولي الولي الذي يتولى امر المولى عليه فان لله أولياء يحبونه واولياء هم تحت ولايته تعالى. لان الولاية قد تكون من الأعلى الى الأدنى وقد تكون بالعكس وقد تكون بين المتساويان والمنفي في الآية الولاية التي منشئها الحاجة والذل فتدبر.

وقد نقل في المجمع عن بعض المفسرين كلاما لطيفاً وهو: «إنّ هذه الآية تنفي ثلاثة اعتقادات منحرفة لثلاث مجاميع: المجموعة الأولى: هم المسيحيون واليهود الذين يقولون بوجود الولد للخالق، والثّانية: مجموعة مشركي العرب الذين قالوا بوجود الشريك له سبحانه، لذلك فإنّهم كانوا يقولون عند كل صباح و في طقوس خاصّة: لبيك لا شريك لك، إلّا شريكا هو لك! أمّا المجموعة الثّالثة: فهم عبدة النجوم والمجوس الذين يقولون بوجود الولي والحامي للخالق».[2]

والرابع: التكبير: ان في الامر بالتكبير يحتمل وجهين أحدهما: الامر بالتكبير اللفظي وهو من أقدس الأذكار وقد ورد في التكبير وفضله روايات كثيرة.

والوجه الثاني: بمعنى لزوم الاعتقاد والاعتراف القلبي على انه تعالى أكبر من ان يوصف وليس كمثله شيء.

وقد ورد في الحديث: قال رجل عند الإمام الصادق عليه السّلام: اللّه أكبر. فقال عليه السّلام: «اللّه أكبر من أي شي‌ء؟». قال الرجل: من كل شي‌ء. فقال عليه السّلام: «حددته». فقال الرجل: كيف أقول؟ قال عليه السّلام: قل: «اللّه أكبر من أن يوصف».

وفي حديث آخر عن جميع بن عمير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أي شي‌ء، اللّه أكبر؟». فقلت: اللّه أكبر من كل شي‌ء. فقال: «وكان ثمّ شي‌ء فيكون أكبر منه». فقلت: فما هو؟ قال عليه السّلام: «أكبر من أن يوصف».

ان السيد طباطبائي طرح سؤالا وهو: (كيف يكون حمد الخالق في الآية أعلاه في قبال الصفات السلبية، في حين أنّنا نعلم بأنّ (الحمد) هو في قبال الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة، أمّا صفات مثل نفي الولد و الشريك و الولي فهي تتلاءم مع التسبيح فكيف مع الحمد؟)

وفي الرد على هذه الشبهة قال ما ملخصه: بالرغم من أنّ طبيعة الصفات السلبية والثبوتية تختلف بضعها عن بعض و إنّ إحداهما تتلاءم مع التسبيح و الأخرى تتلاءم مع الحمد، إلّا أنّه في الوجود الخارجي (العيني) يكون الاثنان لازمين و ملزومين، فنفي الجهل عن الخالق يكون ملازما لإثبات العلم له، كما أنّ إثبات العلم لذاته جلّ و علا ملازم لنفي الجهل عنه).[3]

أقول: ولعل ذكر الركوع والسجود يبين هذا المعنى سبحان ربي العظيم وبحمده و سبحان ربي الأعلى و بحمده و لو المشهور يقولون وبحمده أي وكذا نحمده؟ ولكني بدر ببالي ان باء هنا ليس للعطف بل هو باء السببية اي بحمدي اسبحه فان من نسب الكمال الى الله نفي عنه النقص فمن حمده نزهه ومن نزهه حمده.

والملفت للنظر ان هذه السورة المباركة بدأت بالتسبيح في قوله: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‌ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾[4] . ختمت بالحمد والتكبير.

وأود ان نختم تفسيرنا لهذه السورة المباركة بذكر روايات مِمَن هم عدل القران تبركا بكلامهم:

فِي أُصُولِ الْكَافِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ الْغَالِبُ عَلَيَّ الدَّيْنُ وَ وَسْوَسَةُ الصَّدْرِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: قُلْ: تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً، قَالَ: فَصَبَرَ الرَّجُلُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَهَتَفَ بِهِ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: أَدْمَنْتُ مَا قُلْتَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَضَى اللَّهُ دَيْنِي وَ أَذْهَبَ وَسْوَسَةَ صَدْرِي.

و فِي تَفْسِيرِ الْعَيَّاشِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ:

أَ لَا أُعَلِّمُكَ شَيْئاً إِذَا قُلْتَهُ قَضَى اللَّهُ دَيْنَكَ وَ أَنْعَشَكَ وَ أَنْعَشَ حَالَكَ، فَقُلْتُ: مَا أَحْوَجَنِي إِلَى ذَلِكَ؟ فَعَلَّمَ هَذَا الدُّعَاءَ، قُلْ فِي دُبُرِ صَلَوةِ الْفَجْرِ: تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُؤْسِ وَ الْفَقْرِ وَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَ السُّقْمِ، وَ أَسْئَلُكَ أَنْ تُعِينَنِي عَلَى أَدَاءِ حَقِّكَ وَ إِلَى النَّاسِ.

497- وَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ لَهُ: لَمْ يَلِدْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَ لَمْ يُولَدْ فَيُشْبِهَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ.

501- فِي أُصُولِ الْكَافِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي أَتَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ كَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا يَخْلُو قَوْلُكَ إِنَّهُمَا اثْنَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا قَدِيمَيْنِ قَوِيَّيْنِ، أَوْ يَكُونَا ضَعِيفَيْنِ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِيّاً وَ الْآخَرُ ضَعِيفاً، فَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ فَلِمَ لَا يَدْفَعُ كُلُّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ يَنْفَرِدَ بِالتَّدْبِيرِ. وَ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِيٌّ وَ الْآخَرُ ضَعِيفٌ، ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ كَمَا تَقُولُ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي، فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّهُمَا اثْنَانِ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَلَمَّا رَأَيْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِماً وَ الْفَلَكَ جَارِياً، وَ التَّدْبِيرَ وَاحِداً، وَ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ، دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَ التَّدْبِيرِ وَ ائْتِلَافُ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ، ثُمَّ يَلْزَمُكَ إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ فُرْجَةَ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَا اثْنَيْنِ، فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثاً بَيْنَهُمَا قَدِيماً مَعَهُمَا فَيَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ فَإِنِ ادَّعَيْتَ ثَلَاثَةَ لَزِمَكَ مَا قُلْتَ فِي الِاثْنَيْنِ، حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمْ فُرْجَةٌ فَيَكُونُوا خَمْسَةً ثُمَّ يَتَنَاهَى فِي الْعَدَدِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْكَثْرَةِ" الجديث

فِي كِتَابِ طِبِّ الْأَئِمَّةِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ حَجَجْتُ وَ نَوَيْتُ عِنْدَ خُرُوجِي أَنْ أَقْصِدَكَ فَإِنَّ بِي وَجَعَ الطِّحَالِ وَ أَنْ تَدْعُوَ لِي بِالْفَرَجِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ كَفَاكَ اللَّهُ ذَلِكَ وَ لَهُ الْحَمْدُ، فَإِذَا أَحْسَسْتَ بِهِ فَاكْتُبْ هَذِهِ الْآيَةَ بِزَعْفَرَانٍ وَ مَاءِ زَمْزَمَ وَ اشْرَبْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ عَنْكَ ذَلِكَ الْوَجَعَ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo