< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: سورة الاسراء/تفسير سورة الاسراء /الآية 111

 

﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾

قد انتهينا في الأسابيع الماضية عن مقطع الأولى من الآية الكريمة حول الأسماء الحسنى و اليوم نتابع بحثنا في المقطع الثاني وهو قوله تعالى: ‌ ﴿"وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً".﴾

قال في المجمع: اختلف في معناه على أقوال:

(أحدها) أن معناه لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك عن الحسن وروي أن النبي ص كان إذا صلى فجهر في صلاته تسمع له المشركون فشتموه وآذوه فأمره سبحانه بترك الجهر وكان ذلك بمكة في أول الأمر وبه قال سعيد بن جبير وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع).

(وثانيها) أن معناه لا تجهر بدعائك ولا تخافت بها ولكن بين ذلك فالمراد بالصلاة الدعاء عن مجاهد وعطا ومكحول ونحوه روي عن ابن عبا

(وثالثها) أن معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها ﴿«وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا»﴾ بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار عن أبي مسلم.

(ورابعها) لا تجهر جهرا يشغل به من يصلي بقربك ولا تخافت بها حتى لا تسمع نفسك عن الجبائي وقريب منه‌ ما رواه أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) أنه قال الجهر بها رفع الصوت شديدا والمخافتة ما لم تسمع أذنيك واقرأ قراءة وسطا ما بين ذلك‌ وابتغ بين ذلك سبيلا أي بين الجهر والمخافتة)

قال في الميزان: الجهر والإخفات وصفان متضائفان، يتصف بهما الأصوات، وربما يعتبر بينهما خصلة ثالثة هي بالنسبة إلى الجهر إخفات وبالنسبة إلى الإخفات جهر فيكون الجهر هو المبالغة في رفع الصوت، والإخفات هو المبالغة في خفضه وما بينهما هو الاعتدال فيكون معنى الآية لا تبالغ في صلاتك في الجهر ولا في الإخفات بل اسلك فيما بينهما سبيلا وهو الاعتدال، وتسميته سبيلا لأنه سنة يستن بها هو ومن يقتدي به من أمته المؤمنين به. هذا لو كان المراد بالصلاة في قوله: «بِصَلاتِكَ» للاستغراق والمراد به كل صلاة صلاة.

وأما لو أريد المجموع ولعله الأظهر كان المعنى لا تجهر في صلواتك كلها ولا تخافت فيها كلها بل اتخذ سبيلا وسطا تجهر في بعض وتخافت في بعض، وهذا المعنى أنسب بالنظر إلى ما ثبت في السنة من الجهر في بعض الفرائض اليومية كالصبح والمغرب والعشاء والاخفات في غيرها. ولعل هذا الوجه أوفق بالنظر إلى اتصال ذيل الآية بصدرها فالجهر بالصلاة يناسب كونه تعالى عليا متعاليا والإخفات يناسب كونه قريبا أقرب من حبل الوريد فاتخاذ الخصلتين جميعا في الصلوات أداء لحق أسمائه جميعا)[1] .

أقول: ولو ان هذا الوجه جميل ولكن لا ينسجم مع الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة.

وهنا نطل اطلالة على رياض الروايات الواردة حول الآية في تفسير نور الثقلين.

476- فِي الْكَافِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» قَالَ: الْمُخَافَتَةُ مَا دُونَ سَمْعِكَ، وَالْجَهْرُ أَنْ تَرْفَعَ صَوْتَكَ شَدِيداً.

477- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ كَثُرُوا قَالَ: لِيَقْرَءَ قِرَاءَةً وَسَطاً يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها"


478- فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الصَّبَّاحِ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» قَالَ: الْجَهْرُ بِهَا رَفْعُ الصَّوْتِ وَالتَّخَافُتُ مَا لَمْ تُسْمِعْ نَفْسَكَ، وَاقْرَأْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ.

479- وَ رَوَى أَيْضاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي قَوْلِهِ: «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها» قَالَ: الْإِجْهَارُ أَنْ تَرْفَعَ صَوْتَكَ تُسْمِعُهُ مَنْ بَعُدَ عَنْكَ وَ لَا تُسْمِعَ مَنْ مَعَكَ إِلَّا سِرّاً.

481- فِي تَفْسِيرِ الْعَيَّاشِيِّ عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَقُولَانِ: «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا» قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ جَهَرَ بِصَوْتِهِ، فَيَعْلَمُ بِمَكَانِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَكَانُوا يُؤْذُونَهُ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ ذَلِكَ.

482- عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» قَالَ: الْجَهْرُ بِهَا رَفْعُ الصَّوْتِ، وَالْمُخَافَتَةُ مَا لَمْ تَسْمَعْ أُذُنَاكَ، «وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ» مَا تُسْمِعُ أُذُنَيْكَ.

483- عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِالْحَسَنَةِ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ تَمْحُوهُمَا، قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا أَبَتِ؟ قَالَ: مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ: «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» سَيِّئَةً «وَلا تُخافِتْ بِها» سَيِّئَةً «وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا».

484- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها» قَالَ: نَسَخَتْهَا «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ».- عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ﴿عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها» قَالَ: نَسَخَتْهَا «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ».﴾

487- فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ لِلْحِمْيَرِيِّ وَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى ابْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ مَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْهَرَ؟ قَالَ: إِنِّ شَاءَ جَهَرَ وَ إِنْ شَاءَ لَمْ يَجْهَرْ.

488- فِي تَفْسِيرِ الْعَيَّاشِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا» قَالَ: تَفْسِيرُهَا وَ لَا تَجْهَرْ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ لَا بِمَا أَكْرَمْتُهُ بِهِ حَتَّى آمُرَكَ بِذَلِكَ «وَ لا تُخافِتْ بِها» يَعْنِي لَا تَكْتُمْهَا عَلِيّاً وَ أَعْلِمْهُ بِمَا أَكْرَمْتُهُ.[2]

ان في تفسير الأمثل استفاد من هذه الآية بحثا تربويا فقال: (هذا الحكم الإسلامي في الدعوة إلى الاعتدال بين الجهر والإخفات يعطينا فهما وإدراكا من جهتين:

الأولى: لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء، فيقومون بالاستهزاء والتحجج ضدكم، إذ الأفضل أن تكون مقرونة بالوقار والهدوء والأدب، كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلامي ومنهج العبادة في الإسلام.

فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بإلقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين، هم على خطأ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليغ الديني.

الثّانية: يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط والتفريط، إذ الأساس هو: وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا)[3] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo