< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: سورة الاسراء/تفسير /آية 107 من الاسراء

 

قال تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى‌ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً﴾[1] ﴿وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً﴾[2] ﴿وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾[3] کان بحثنا فی الاسبوع الماضي حول الآيات فوقها فبينّا وجوه الكلام في قوله تعالى : ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا﴾ وكذلك بحثتا حول المراد من الذين اوتوا العلم هل المراد محصور في اهل الكتاب او هو اعم منهم فنحن رجحنا القول بالأعمية فيشمل كل عالم واعي لعلمه ممن أمن بالله واليوم الآخر فاليوم نبحث عن قوله تعالى: ﴿إِذا يُتْلى‌ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً﴾

قال في الميزان:وقوله: (﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً﴾ الأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين من الوجه، والخرور للأذقان السقوط على الأرض على أذقانهم للسجدة كما يبينه قوله: «سُجَّداً» وإنما اعتبرت الأذقان لأن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسجدة، وربما قيل: المراد بالأذقان الوجوه إطلاقا للجزء على الكل مجازا)[4]

وقال في الامثل: («يخرّون» بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم، و استخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة، هي أنّ الواعين و ذوي القلوب اليقظة عند ما يسمعون آيات القرآن و كلام الخالق عزّ و جلّ ينجذبون إليه و يولهون به الى درجة أنّهم يسقطون على الأرض و يسجدون خشية بدون وعي و اختيار)[5] .

ثم ذكر هنا وجه آخر وهو: (بما انّ من المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض، فالآية أشارت إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود)[6] (واحتمل بعض المفسّرين وجه آخر وهو: ولو أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض، و لكن الشخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى كونهم بسقطون على السجدة بدون ارادتهم كالمدهوش مستمدا من معنى مفردة (يخرون))[7]

وانا اظن ان هذا التعبير كان مصطلحا عند العرب لشدة الخضوع وقد ورد هذ التعبير في الركوع ايضا في شأن داوود عليه السلام فقال: ﴿خر راكعا واناب﴾ [8]

ثم ينبغي الانتباه على أنّ إنْ في قوله تعالى:﴿إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً﴾[9] ليس شرطية، بل هي، للتأكيد و مخففة من الثقيلة. اي: انّه كان وعد ربنا لمفعولاً، ثم مرة اخرى يعود ويقول: ﴿وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾[10] ففي المرة الاولى ذكر قولهم عند السجود وفي المرة الثانية ذكر حالتهم عند السجود.

وللأمثل هنا كلام لطيف حيث قال: (الاية التي بعدها توضح قولهم عند ما يسجدون: ﴿وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا﴾[11] .هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم و اعتقادهم باللّه و بصفاته و بوعده. فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد و الصفات الحقة و الإيمان بنبوة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بالمعاد. و الكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة)[12]

ثم ذكر هنا مطلبا آخر و قال: (استخدام الفعل المضارع في جملة "يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً" دليل على أنّهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل، و خشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع و الأدب الجسدي و الروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة)[13]

اقول: فعل المضارع جاء في الأية خمس مرات و انما جاء ظرفا لإذا، فمعناه: (كلّما يُتلى عليهم القرآن ﴿يخرّون للاَذقانِ سُجّدا﴾[14] وَيقولونَ....و يَبكونَ ويَزيدهم خشوعاَ) فاراد ان يبين اثر التلاوة فيهم لا انهم مستمرين في السجده و والتسبيح والبكاء وازدياد الخشوع.

و نود ان تذكر هنا تكميلا لبحثنا بعض الروايات حول السجدة:

واليك اياها: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إِذَا دَعَا رَبَّهُ وَ هُوَ سَاجِدٌ" [15]

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ ع أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: ضَعُوا الْيَدَيْنِ حَيْثُ تَضَعُونَ الْوَجْهَ- فَإِنَّهُمَا يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ" [16]

و عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع تَفَرُّقَ أَمْوَالِنَا- وَ مَا دَخَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ عَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ وَ أَنْتَ سَاجِدٌ- فَإِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ وَ هُوَ سَاجِدٌ[17]

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ- نَادَى إِبْلِيسُ يَا وَيْلَهُ أَطَاعُوا وَ عَصَيْتُ وَ سَجَدُوا وَ أَبَيْتُ.[18]

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ بِالنَّبِيِّ ص رَجُلٌ وَ هُوَ يُعَالِجُ بَعْضَ حُجُرَاتِهِ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَا أَكْفِيكَ- فَقَالَ شَأْنَكَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص حَاجَتُكَ- قَالَ الْجَنَّةُ فَأَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ نَعَمْ- فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعِنَّا بِطُولٍ السُّجُودِ.[19]

و عَنْ عَلِيٍّ ع فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِائَةِ قَالَ: لَا تَسْتَصْغِرُوا قَلِيلَ الْآثَامِ- فَإِنَّ الْقَلِيلَ يُحْصَى وَ يَرْجِعُ إِلَى الْكَثِيرِ وَ أَطِيلُوا السُّجُودَ- فَمَا مِنْ عَمَلٍ أَشَدَّ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ أَنْ يَرَى ابْنَ آدَمَ سَاجِداً- لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَعَصَى وَ هَذَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَأَطَاعَ فَنَجَا.[20]

بما ان السجدة خاص لله ولا يجوز ان نسجد لغير فنشير الى بعض الروايات التي تؤكد هذا المعنى: ورد فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ ذيل قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً﴾[21] قَالَ- قِيلَ إِنَّ السُّجُودَ كَانَ لِلَّهِ شُكْراً لَهُ- كَمَا يَفْعَلُ الصَّالِحُونَ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ- وَ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَائِدَةٌ إِلَى اللَّهِ أَيْ سَجَدُوا لِلَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ- وَ تَوَجَّهُوا فِي السُّجُودِ إِلَيْهِ- كَمَا يُقَالُ صَلَّى لِلْقِبْلَةِ وَ يُرَادُ بِهِ اسْتِقْبَالُهَا- وَ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع.[22]

وعَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَنَّ مُوسَى بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ مَسَائِلَ- فَعُرِضَتْ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ع- فَكَانَ أَحَدُهَا أَنْ قَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنْ يَعْقُوبَ وَ وُلْدِهِ- أَ سَجَدُوا لِيُوسُفَ وَ هُمْ أَنْبِيَاءُ- فَأَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ ع أَمَّا سُجُودُ يَعْقُوبَ وَ وُلْدِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُوسُفَ- إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَ تَحِيَّةً لِيُوسُفَ- كَمَا كَانَ السُّجُودُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لآِدَمَ- كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَ تَحِيَّةً لآِدَمَ- فَسَجَدَ يَعْقُوبُ وَ وُلْدُهُ وَ يُوسُفُ مَعَهُمْ شُكْراً لِلَّهِ- لِاجْتِمَاعِ‌ شَمْلِهِمْ أَ لَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي شُكْرِهِ- ذَلِكَ الْوَقْتَ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ" الْآيَةَ.[23]

وعن الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيُّ ع فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ آبَائِهِ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ: لَمْ يَكُنْ سُجُودُهُمْ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ لآِدَمَ- إِنَّمَا كَانَ آدَمُ قِبْلَةً لَهُمْ يَسْجُدُونَ نَحْوَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ كَانَ بِذَلِكَ مُعَظَّماً مُبَجَّلًا- وَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ- يَخْضَعُ لَهُ كَخُضُوعِهِ لِلَّهِ- وَ يُعَظِّمُهُ بِالسُّجُودِ لَهُ كَتَعْظِيمِهِ لِلَّهِ- وَ لَوْ أَمَرْتُ أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ هَكَذَا لِغَيْرِ اللَّهِ- لَأَمَرْتُ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا وَ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ مُتَّبِعِينَا- أَنْ يَسْجُدُوا لِمَنْ تَوَسَّطَ فِي عُلُومِ عَلِيٍّ وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله وَمَحَضَ وِدَادَ خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ عَلِيٍّ ع بَعْدَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ص الْحَدِيثَ.[24]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo