< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تتمة الاسراء

قال تعالى في سورة الاسراء: ﴿وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‌ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى‌ مَسْحُوراً﴾[1] ﴿قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً﴾[2] ﴿فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً﴾[3]

قد تحدثنا في الاسبوع الماضي حول الآية الاولى والثانية فوقها و نحن معكم في الآية الثالثة:

ان موسى عليه السلام لما عرض على فرعون و قومه من الآيات ما فيه كفاية لمن يعتبر و يتعظ و يتنبه فآمن به بني اسرائيل و عدد قليل من الاغباط و اتخذ فرعون موقفا معاديا لموسى و قال له ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى‌ مَسْحُوراً﴾ فرماه بانه ساحر او مسحور على كلا الاحتمالين فإما شبه عمله بالسحر او رماه بالجنون والمتأثر من السحر. فأجابه موسى بقوله: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً﴾ اي اني اراك هالكاً ثم جاء دور العمل فاراد فرعون ان يخرجهم باستفزاز اي الضغط عليهم حتى يضطروا بالهروب فان ًالاستفزاز، الازعاج و الإخراج بعنف‌، والله حقق ما اخبر به موسى عليه السلام فأغرقه ومن معه جميعاً.

قال في المجمع: (فأراد فرعون أن يزعج موسى و من معه من أرض مصر و فلسطين و الأردن بالنفي عنها و قيل بأن يقتلهم‌)[4] ومن هذا الكلام نعرف سعة دولة فرعون في ذاك العهد.

وقد ذكر الله هذه القصة في مواضع شتى لما فيها من اهمية بالغة للامة الاسلامية حيث ينطبق عليهم ما جرى على بني اسرائيل و لذلك اود ان نقف عند بعض الآيات الاخرى في سائر السور ايضاً

منها: ما في سورة طه قال تعالى: ﴿وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى‌ مُوسى‌ أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى‌﴾[5] ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾[6] ﴿وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى﴾[7]

في هذه الآية المباركة يشير بان الله عرض على فرعون من اعظم الآيات فانشأ طريقاً يابساً وسط البحر في لحظة واحدة ولكنها ما ايقظه فتابع محاولته الخبيثة لقتل موسى واصحابه و جر معه قومه وما اهتدي و لا هدى قومه.

قال في سورة الاعراف: "﴿وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى‌ وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ﴾[8] ﴿ قالَ مُوسى‌ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[9] ﴿قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى‌ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾[10]

مما نتعلم من هذا المقطع من الآيات هو انّ الملأ و هم الشخصيات التي لها موقع اجتماعي او اقتصادي، هم الذين يشاركون الطواغيت في طغيانهم و يحرضونهم على الظلم والخلاف، كما ان الظالمين يغترون بقوتهم، هذا جانب الكفر. اما في جبهة الحق فهم يعتمدون باستعانة الله والصبر و يعرفون ان الباطل زائل فلا يهيمن عليهم روح اليأس والإنهزام. والنقطة الاخيرة تحذير المنتصرين من اهل الحق ان لا يعجبوا بأنفسهم ويعرفوا هلاك عدوهم و استخلافهم في الارض هو مرحلة من مواطن الاختبار والامتحان فيجب عليهم ام يعيشوا حذرين عن الانحراف عن طريق الحق و يواظبوا اعمالهم.

و قال تعالى في سورة غافر: "﴿وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‌ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ﴾[11] ﴿إِلى‌ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ﴾[12] ﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ﴾[13] ﴿وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى‌ وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ﴾[14] ﴿وَ قالَ مُوسى‌ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ﴾[15] ﴿وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَ إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾[16] ﴿يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى‌ وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ﴾[17] ﴿وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ﴾[18] ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ﴾[19] ﴿وَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ﴾ [20] ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ﴾[21]

في هذا المقطع من الآيات دروس جميلة منها ان رؤوس الكفر والجحود هم اصحاب الزور والتزوير والمال. وطرق محاربتهم للحق التكذيب وابادة النسل و اثارة العصبيات الدينية والقومية. ومن الدروس التي نتعلمها هي اسلوب الدعوة في اهل الباطل وهو التبليغ غير المباشر و تحويز الفكر فيهم بلغة النصح والخير والمنطق المقنع للإنسان بعنوان كائن عاقل مفكر سوي الايمان. وهكذا التذكير بما جرى على الامم السالفة و الاتعاظ منها و التخويف من المعاد. هذه جانب من الدروس التي يمكن ان نستخلصها من هذه الآيات. وفيها شيء كثير يظهر بالتأمل فيها.

وقال في سورة الشعراء: ﴿وَ أَوْحَيْنا إِلى‌ مُوسى‌ أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾[22] ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ﴾[23] ﴿إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾[24] ﴿وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ﴾[25] ﴿وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ﴾[26] ﴿فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ﴾[27] ﴿وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ﴾[28] ﴿كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ﴾[29] ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾[30] ﴿فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى‌ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾[31] ﴿قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾[32] ﴿فَأَوْحَيْنا إِلى‌ مُوسى‌ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾[33] ﴿وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾ [34] ﴿وَ أَنْجَيْنا مُوسى‌ وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ﴾[35] ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾[36] ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِين﴾ [37]

هذه الآيات المباركات ركزت على آية عظيمة من الله هي منجي لموسى واصحابه و مهلكة لفرعون وجنوده فبين عشية و ضحاها انقلب المتنعم الى الهالك و المطرود الملاحق الى الناجي و المتنعم، و في لحظة تقارب الصفين فريق الشرك اعتمدوا على عِدّتهم وعُدَتِهم و استقلوا جانب الحق، وموسى عليه السلام اتكل الى ربه بكل رجاء و امل واطمئنان فطمّن اصابه حيث رأوا انفسهم في مقربة السقوط بيد فرعون وجنوده بقوله: "كلا ان معي ربي سيهدين".


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo