< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تتمة الاسراء

قال تعالى: ﴿وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‌ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى‌ مَسْحُوراً﴾[1] ﴿قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً﴾[2]

هذه الآيات المباركات وردت تلو الآيات التي تحدث معنا في تعامل المشركين مع رسول الله بالمكابرة والاستهزاء والتكذيب و انكار ما يحذرهم من القيامة رغما للمعجزات الظاهرة التي صدرت من رسول الله فذكر هنا ما حصل لموسى عليه السلام من الآيات والمعجزات وموقف المشركين من قوم فرعون امام موسى عليه السلام تسلية للنبي صلى الله عليه واله.

الظاهر ان هذه الآيات تشير الى معجزات وكرامات وامور صدر بواسطة موسى عليه السلام في قبال فرعون وقومه لهدايتهم او اتمام الحجة عليهم كما بينه في الميزان والامثل وغيرها من التفاسير وصاحب الميزان ايضا يشير الى نقطة دقيقة وهي علة عدم ذكر القرآن تلك الآيات هنا فقال:

(لعل مخالفة التوراة لظاهر القرآن في الآيات التسع هي الموجبة لترك تفصيل الآيات التسع في الآية ليستقيم الأمر بالسؤال من اليهود لأنهم مع صريح المخالفة لم يكونوا ليصدقوا القرآن بل كانوا يبادرون إلى التكذيب قبل التصديق)[3]

اقول: كما في قصة اصحاب الكهف لم يعين عددا حتى لا يكون عندهم ذريعة للتكذيب فقال: ﴿"سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً"﴾[4] وهذا الاسلوب يُعلّمُنا في المناظرة مع الآخرين ان نُركّز على المتّفق عليه مع الخصم ولا نخوض في جهات يبعدنا عن الهدف ويحرّف الكلام عن اهدافه المنشودة.

وما ورد في التورات في عد الآيات التسعة هي: (العصا و الدم و الضفادع و القمل و موت البهائم و برد كنار أنزل مع نار مضطرمة أهلكت ما مرت به من نبات و حيوان و الجراد و الظلمة و موت عم كبار الآدميين و جميع الحيوانات). (راجع الميزان في ذيل الآية)

ومما نتعلم من قول موسى لفرعون: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ﴾[5] في هذه الآية قد نكون نعلم ان خصمنا في البحث ينكر بعض الحقائق التي هو في نفسه معترف بها ولكن ينكرها مكابرة وعنادا فنُذكّره بها رغماً لإنكاره، لعله يتنبّه و يتنازل عن غيّه، ثم نستفيد من هذه الآية المباركة ان المعجزات و الكرامات التي تصدر من الانبياء والاولياء لا تصدر الا للتنبه والاتعاظ و ليسوا بصدد العرض او بصدد حل مشاكل الناس من خلال المعجزة فانهم هداة و مربي البشر و ليسوا بديلا عن الطبيب والادوية و امثال ذلك من الامور المادية التي تتعلق بمعيشتنا فالله جعل لكل شيء سببا وناموس الخلقة على التقدير و الحساب و نظام العلة والمعلول فقوله تعالى: ﴿ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ﴾[6] يحصر الآيات في امرين: اوّلاً: انّها فعل الله وهو القادر عليها و ثانياً: لا تصدر الا للبصيرة.

اما الآيات التسعة التي اشير اليها في مطاوي القرآن فهي:

اثنين منها وهما اولى الآيات التي زود الله بها موسى اذ بعثه بالرسالة و قد ذكرها في القرآن اكثر من مرة منها في سورة طه حيث قال: "﴿وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى﴾[7]﴿قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى‌ غَنَمِي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى‌﴾[8] ﴿قالَ أَلْقِها يا مُوسى﴾[9]﴿فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى﴾[10] ﴿قالَ خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى﴾[11]﴿وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى‌ جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى‌﴾. وقد قص الله قصة هتين المعجزتين واستعمالهما بالتفصيل في سورة آل عمران آيات (103-126).

وقذ ذكر الله خمسة من تلك الآيات في سورة الاعراف فقال: ﴿وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾[12] ﴿فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى‌ وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾[13] ﴿وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾[14] ﴿فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ﴾[15] ﴿وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾[16] ﴿فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى‌ أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾[17] ﴿فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ﴾[18]

فقد ورد في هذه الآيات سبعة منها وهي: السنين و هو الجفاف، و نقص من الثمرات، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم. فهذه نزلت عليهم بصائر و لكن الاغراق آية من الله للإهلاك لا لبصيرتهم نعم انها ايضا بصيرة لغير الغارقين الى يوم القيامة. هذه التسعة المشار اليها في الآية المبحوث عنها.

نعم قد صدرت من موسى عليه السلام معجزات و آيات زائدا على التسعة التي عددناها ورد بعضها في القرآن:

شق البحر لبني اسرائيل لنجاتهم عن الفرعون قال تعالى: ﴿وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾[19]

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿و َإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى‌ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾[20] ﴿ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[21] ﴿وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى‌ كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[22] ﴿وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾[23]

﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾[24] ﴿وَ إِذِ اسْتَسْقى‌ مُوسى‌ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾[25]

وقال في سورة الاعراف: ﴿وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[26]

وان اردنا تعداد ما ذكر من الآيات والمعاجز لموسى عليه السلام في تعامله مع قومه وخصوصا بني اسرائيل يطول بنا الكلام فنكتفي بهذا المقدار ولو ان الخوض في هذا البحث له منافع كثيرة لان ما جرى على بني اسرائيل يشبه تماما لما جرى و يجري في امة محمد صلى الله عليه و آله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo