< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

41/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: 14تتمة الإسراء

في الاسبوع الماضي تحدثنا حول قوله تعالى: ﴿"وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى‌ بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً"﴾ فالآية بينت طبيعة الانسان بما انه انسان مع غض النظر عن تأثير الانبياء والاولياء والعقل وهي طبيعتها الاولية.

واليوم نريد ان نتحدث عن الآية التي تليها وهي قوله تعالى:

﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‌ شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى‌ سَبِيلاً﴾[1]

قال في الامثل: «شاكلة» في الأصل مشتقة من (شكل) و هي تعني وضع الزمام و الرباط للحيوان. و (شكال) تقال لنفس الزمام؛ و بما أنّ طبائع و عادات كل إنسان تقيّده بصفات معينة لذا يقال لذلك «شاكلة»

وقال في المجمع: عند ترجمة الشاكلة : (الشاكلة الطريقة و المذهب)‌ ثم عند تفسير الآية قال: ﴿كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‌ شاكِلَتِهِ﴾ أي كل واحد من المؤمن و الكافر يعمل على طبيعته و خليقته التي تخلق بها عن ابن عباس و قيل على طريقته و سنته التي اعتادها عن الفراء و الزجاج و قيل على ما هو أشكل بالصواب و أولى بالحق عنده عن الجبائي)‌

و لتوضيح المراد من الآية الكريمة نقول ان طبيعة الانسان لو خلي وطبعه تميل الى الفساد واتباع الشهوة والاقتصار على البعد الحيواني فيه ولكنه يمكن ان يصلح طبيعته من خلال اتباع الاديان والعقل و التاثيرات البيئوية وسائر المربين، كما انه لو ترك ذمامه بيد الشهوات و الاهواء الحيوانية ليصبح عنصرا خبيثا و وحشيا لا يحاذيه اخطر الوحوش فهو بين قوصي الصعود والنزول. وهذه الاسباب اعم من اسباب التعالي او التداني هي التي تصنع له طبيعة ثانوية، والفرق بين الانسان و سائر الحيوانات ان القسط المعظم من شخصية الحيوانات تتشكل من الامور الغريزي وما يتعلق بطبيعتهم الاولية، ولذلك الفاصل بين قوسي الصعود والنزول للحيوانات قليلة جداً، فان الحيوان جُلّ دواعيه و اعماله فطرية غريزية ولا تتعلم الا شيءً قليلا، و الفرق بين المتربي من الحيوانات والوحشي منها قليل جداً. ولذلك ترى ان وضع معيشة الحيوانات لم يختلف منذ آلاف سنة الى الآن. بخلاف الانسان فان معظم شخصيته و طبيعته هو القسط الاكتسابي والتربوي منها ولذلك في تطور دائم سواء على مستوي الفرد في مقاطع عمره او على مستوى المجتمع الانساني في ممر التاريخ والزمان. فالقوس الصعودي في الانسان قد يوصله الى ان يصبح من افضل المخلوقات، كما ان القوس النزولي قد يوصله الى ارذل و أخبث المخلوقات،

قال تعالى: "لقد خلقنا الانسان في أحسن التقويم ثم رددناه الى اسفل السافلين"

﴿وقال: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‌ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً﴾[2]

﴿وقال: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾[3]

﴿ وقال تعالى: وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ . وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ . وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾[4]

﴿ و قال ايضا: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً﴾ [5]

ومضافا الى الآيات القرآنية كثير من الروايات تتطرق الى بيان هذه الحقيقة واليك بعض النصوص: روى كليني بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ، أَلَا وَ إِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‌ شاكِلَتِهِ يَعْنِي عَلَى نِيَّتِه‌"

والمراد من النية القرار النفسي الذي يسبق العمل الارادي عند كل انسان كما ورد في الحديث عن امير المؤمنين في خصال يقارن بها بين المؤمن والمنافق فعد في صفات المؤمن انه: "لا يبلغ بنيته ارادته من الخير ينوي كثيرا من الخير ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته كيف لم يعمل به" وفي صفات المنافق يقول: "لا يبلغ بنيته ارادته من الشر ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه و يتلهف على ما فاته كيف لم يعمل به"

و يروي الكليني عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا إِنْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا أَنْ يَعْصُوا اللَّهَ أَبَداً، وَ إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا إِنْ لَوْ بَقُوا فِيهَا أَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ أَبَداً، فَبِالنِّيَّاتِ خُلِّدَ هَؤُلَاءِ وَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‌ شاكِلَتِهِ».

في تفسير علي بن ابراهيم قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيمَةِ أُوقِفَ الْمُؤْمِنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى حَسَنَاتِهِ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ، فَيَنْظُرُ فِي صَحِيفَتِهِ، فَأَوَّلُ مَا يَرَى سَيِّئَاتُهُ فَيَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ لَوْنُهُ، وَ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ وَ تَفْزَعُ نَفْسُهُ، ثُمَّ يُرَى حَسَنَاتِهِ فَتَقَرُّ عَيْنُهُ وَ تُسَرُّ نَفْسُهُ وَ تَفْرَحُ رُوحُهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ فَيَشْتَدُّ فَرَحُهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: هَلُمُّوا بِالصُّحُفِ الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَالُ الَّتِي لَمْ يَعْمَلُوهَا، قَالَ: فَيَقْرَءونَهَا فَيَقُولُونَ: "وَعِزَّتِكَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّا لَمْ نَعْمَلْ مِنْهَا شَيْئاً، فَيَقُولُ: صَدَقْتُمْ نَوَيْتُمُوهَا فَكَتَبْنَاهَا لَكُمْ، ثُمَّ يُثَابُونَ عَلَيْهَا".


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo