< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان – دروس شهر رمضان

"﴿يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى‌ ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ . وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ . وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾[1] ان وصايا لقمان في المجموع كان عشرة وصية الاولى كانت في المبدأ والثانية في المعاد والثالثة اقامة الصلاة والرابعة الامر بالمعروف و الخامسة التهي عن المنكر وان شئت اجعلهما واحدا لاشتراكهما في مقولة الدعوة. والسادسة: الصبر على المصائب. وقد انتهينا عن البحث عنها في مباحثنا السابقة والليلة نريد ان نتحدث معكم في الآية الثامنة من هذه السورة وهي قول الله تعالى: "وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ"

قبل الورود في تفاصيل الآية ينبغي ان نقف عند بعض مفرداتها:

اوّلاً ما معنى " لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ"؟ قال في المجمع: («وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ» أي و لا تمل وجهك من الناس تكبرا و لا تعرض عمن يكلمك استخفافا به و هذا معنى قول ابن عباس و أبي عبد الله (ع) الخ. وقال الراغب في المفردات: (الصَّعَرُ: ميل في العنق، و التَّصْعِيرُ: إمالته عن النّظر كبرا، قال تعالى: وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ‌)

وقال في الامثل: (أي لا تعرض بوجهك عن الناس‌) ثم يقول («تصعّر»: من مادّة (صعّر)، و هي في الأصل مرض يصيب البعير فيؤدّي إلى اعوجاج رقبته). واظن على ما حققت: أنّ التصعّر هو تلوية الرأس او العنق -وهما متلازمان- وقد يبتلي الابل ايضاً بمرض يلوي عنقه فيستعمل هذا العنوان له لا ان الاصل مرض يصيب البعير؟! و للأسف هذه الطريقة الخاطئة نرى في ترجمة مفردات نهج البلاغة أيضاً بحيث من بنظر اليها كأنّ امير المؤمنين صلوات الله علبه كان راعي الابل، بينما تلك الكلمات لها معاني معينة قد تستعمل في الابل ايضاً عند ما كان مصداقا لمفهوم تلك المفردة. وذكر في الميزان معنى آخر ثم ناقشه فقال: و قال بعضهم إن معنى: «لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ» لا تلو عنقك لهم تذللا عند الحاجة و فيه أنه لا يلائمه ذيل الآية). اقول: لا ينافي هذا المعنى مع ذيل الآية فلعل الله اراد ان يمنع من التذلل والتملق و كذا يمنع عن ضده وهو التكبر والتجبر من باب ذكر المتقابلين بين الافراط والتفريط.

اما المرح: قال الراغب: (الْمَرَحُ: شدّة الفرح و التّوسّع فيه) ثم استدل بالآية. وقال في المجمع: («وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» أي بطرا و خيلاءً) وقال في الامثل: («المرح»: يعني الغرور و البطر الناشئ من النعمة). فيمكن ان نجمع بينها بانه فرح شديد ناشي من الاعجاب بالنفس عند وفور النعمة، اما "مختال" فانه مشتق من الخيال فهو المبتلى بالخيلاء الذي فسره في الميزان بقوله: (هو التكبر بتخيل الفضيلة- و يكثر من الفخر) وقال في الامثل في التفارق بين المختال والفخور: و الفرق بين كلمتي المختال و الفخور، أنّ الاولى إشارة إلى التخيّلات الذهنيّة للكبر و العظمة، أمّا الثّانية فهي تشير إلى أعمال التكبّر الخارجي.)

ان لقمان سلام الله عليه في هذه الصفان الاربعة الاخيرة نهي عن التكبر تلك الصفة المذمومة التي تجعل الانسان مبغوضاً عند الله وعند الناس نعم لا ينبغي تفضيل بين الناس بحسب المال او الجاه فقد ورى عن مولانا امير المؤمنين انه قال: "لعن الله من اكرم الغني لغناه" وفي دعاء عنه عليه السلام: "اللهم اني أعوذ بك أن أظن بذي عدم خساسة او بصاحب ثروة فضلاً" فهو سلام الله عليه بستعيذ بالله من حصول ظن في نفسه فكيف بمقام العمل.

و في حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من مشى على الأرض اختيالا لعنته الأرض و من تحتها و من فوقها». و في حديث آخر عن النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى أن يختال الرجل في مشيه، و قال: «من لبس ثوبا فاختال فيه خسف اللّه به من شفير جهنّم، و كان قرين قارون‌ لأنّه أوّل من اختال!» . و كذلك‌ ورد عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم و قسّمه عليها و فرّقه فيها- إلى أن قال- و فرض على الرجلين أن لا تمشي بهما إلى شي‌ء من معاصي اللّه، و فرض عليهما المشي إلى ما يرضي اللّه عزّ و جلّ، فقال تعالى: وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً و قال: وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ». و قد نقل ذلك عن نبي الإسلام العزيز صلّى اللّه عليه و آله، و ذلك أنّه‌ كان قد مرّ من طريق، فرأى مجنونا قد اجتمع الناس حوله ينظرون إليه، فقال: «علام اجتمع هؤلاء؟» فقالوا: على مجنون يصرع، فنظر إليهم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و قال: «ما هذا بمجنون! ألا أخبركم بالمجنون حقّ المجنون؟» قالوا: بلى يا رسول اللّه، فقال: «إنّ المجنون: المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، فذلك المجنون و هذا المبتلى»[2]

ثم ان قوله: "واقصد في مشيك" ظاهر في رعاية الاعتدال في المشي بين السرعة و البطئ و هو يناسب الوقار في المشي، نجعلها مضافا الى ظاهرها ان تكون المراد من المشي الممشى وسيرة الحياة يعني ان تكون معتدلا في جميع امورك لا مُفرِطاّ ولا مُفَرِّطاً بل تختار الاعتدال في كل شيءٍ كما يقال في سورة الحجرات في قول الله تعالى: "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" رعاية خرمة رسول الله في عدم التقدم علي و هناك معنى باطني بعدم التقدم منه صلوات الله عليه في المور الديني ف"المتقدم لهم مارق و المتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق".

كذلك قوله تعالى: "واغضض من صوتك" ان لا تتحدث بصوت عالي رعاية لحرمة الآخرين كما ورد في الحجرات ايضاً: "لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض" رعاية لكرامة النبي صلوات الله عليه و يمكن ان يكون للآية مضافاً على رعاية الادب عند النبي عليه السلام معناً آخر وهو ان نتابع النبي صلى الله عليه واله في جميع مواقفنا وخياراتنا و اقوالنا ولا نرفع اصواتنا ودعاوينا فوق كلامه و مواقفه، كذال في غض الصوت له


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo