< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان

﴿"خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَ أَلْقى‌ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ . هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ"﴾ [1]

كان بحثنا في هذه الآية المباركة التي تشير فيها الى خمسة من الآيات الآفاقية وقلنا الاعمدة غير المرئية ليس للأجرام السماوية من السيارات والنجوم فقط بل للسموات انفسها بما فيها من الاجرام فكل طبقات السماء لها خصوصيتها وموقعها الذي رتب الله لها. كما قال الله في سورة الرعد ايضا: "﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى‌ عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ [2]

ففي حديث رواه الحسين بن خالد قال: سألت الامام أبا الحسن الرضا عليه السّلام: ما المقصود في قوله تعالى: وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ قال: هذه السّماء لها طرق الى الأرض، فقلت له: كيف تكون لها طرق الى الأرض في الوقت الذي يقول سبحانه و تعالى: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ فأجابه الامام: «سبحان اللّه، أ ليس اللّه يقول بغير عمد ترونها؟ قلت بلى، فقال: ثمّ عمد و لكن لا ترونها»[3] .

وفي حديث ورد عن الامام امير المؤمنين عليه السّلام انه قال: «هذه النّجوم التي في السّماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كلّ مدينة الى عمود من نور»[4]

هذا الحديث ورد في عصر كانت نظرية «بطليموس» في الهيئة تتحكّم بكلّ قواها في المحافل العلمية في العالم و على أفكار الناس، و طبقا لهذه النظرية، فإنّ السّماوات عبارة عن اجرام متداخلة تشبه قشور البصل، و انّها لم تكن معلّقة و بدون عمد، بل كلّ واحدة منها تستند الى الاخرى.

اقول لعل الواقع هو ان السموات والارض كلها وجود متصل من الاجرام الكثيفة الجامدة والاجرام السائلة كالهواء والماء وبعضها يعتمد على بعض و اكثرها غير مرئية للبصر كالهواء والغازات فإن الماء ايضا عناصره الاصلية هي هيدروجين و اكسيجين و الهواء عناصرها الاصلية نيتروجين و اكسيجين و في كل اجزاء الوجود يوجد تأثيرات وتأثرات متبادلة

ثم ذكر الآية الآفاقية الثالثة وهو قوله: " ﴿وَ أَلْقى‌ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾"

الرواسي صفة للجبال وقد يطلق عليها، كما نرى في كثير من الموارد يذكر صفة الشئ المهمة بدلا من اسمها، وقوله: "ان تميد بكم" أي لان لا تميد بكم الارض، ففيه اشارة الى دور الجبال وما يذكر لدور الجبال امور:

اولاً: توطيد للأرض فإن الجبال متصلة بعضها ببعض في اصولها لان لا تنفصم وتتلاشى عن الابخرة الباطنية لها.

ثانياً: المقاومة في قبال جاذبية الشمس والقمر وسائر الاجرام السماوية حتى قيل لو لم تكن الجبال لما استقرت الاتربة على وجه الأرض وبسبب هذه الجبال تكافأ جاذبيتها لجاذبية سائر الاجرام السماوية.

ثالثا: وقاية الارض عن هبوب العواصف الشديدة وما يجري من الهواء بسبب دوران الأرض. ولو في ظني ان حركة الارض الدورانية حول نفسها ليست لنفسها فقط بل هي تدور بما فوقها من الجوّ التابع لها، فلا معنى لحصول العواصف من الهواء المحيط بها.

رابعاً: ايجاد منحدرات لجريان الماء تحتها و فوقها فان الجبال بسفحها تهدي مياه الامطار الى الانهار والجداول فيسهل سقي المزارع كما يوجب تجمع المياه في الخزائن تحت الأرضية لتكون ذخيرة للسقي مدار السنة.

خامسا: ايجاد التنوع بيئي من جهة الحرارة والبرودة مما يجعل كل منطقة صالحة لنوع من المنتوجات من الفواكه وغيرها. كما تتولد منها الانهار والشطوط وما حولها من المراتع والغابات مما يزين الأرض فيمهد للانسان وسائر الحيوانات فرص للترفيه والتفريح.

الآية الثالثة قوله: "﴿وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ﴾" فهي كثيرة عدة وعدة و شدة ومدة بالمليارات من الاجرام الصفيرة التي لا ترى الا بمجهر الى الكبيرة العملاقة التي قد تجدها في المحيطات من البحار وفيها عجائب وغرائب في الهيئة والجمال فتبارك الله اعسن الخالقين.

الآية الرابعة الآفاقية: قوله: "﴿وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً﴾" فالسحب تحمل بحار واسعة من المياه ثم تبثها الى اقصى الحدود وتروي الأرض حتى في رؤوس الجبال ترى جمالية رائعة.

الآية الخامسة الآفاقية قوله: " ﴿فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾" عالم النباتات بخواصها وهيئتها مذهلة للعقل ومدهشة لكل من تأمل فيها ومنبع ثري لغذاء الانسان و كافة الدواب .

نعم الآيات الآفاقية هي حجة على جميع الخلق وكتاب ينطق بالحق ويعرض للعقول براهين بارعة ولا تترك المجال للشك في صانعها و بارئها تعالى بصفاته الكمالية اللا متناهية الا لمكابر جعل اصابعه في آذانه واستغشى ثيابه واصر واستكبر استكبارا.

و اود ان استعرض لك بعض الآيات الاخري من كتاب الله تعالى مما عرض علينا نعمه ظاهرة وباطنة:

قال تعالى في سورة الرعد: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى‌ عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾[5] ﴿وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[6] ﴿وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى‌ بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى‌ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [7]

و قال في سورة الاعراف: ﴿"إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى‌ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ [8]

وقال في سورة النحل: ﴿"خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى‌ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [9] (3) ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾[10] (4) ﴿ وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‌ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ﴾[11] (5) ﴿وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [12] (6) ﴿وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى‌ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ﴾[13] (7) ﴿وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ﴾[14] (8) ﴿وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ﴾[15] (9) ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾[16] (10) ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[17] (11) ﴿وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[18] (12) ﴿وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾[19] (13).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo