< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة التاسعة

بما أن الليلة نعيش ذكرى وفات أم المؤمنين خديجة الكبرى سلام الله عليها فنحن نخصص بحثنا التفسيري في الآيات التي وردت حول ازواج النبي صلى الله عليه وآله

عمدة ما ورد في القرآن عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله هي في سورتين: سورة الاحزاب، وسورة التحريم، أما في الاحزاب فقال في الآية السادسة منها: "النَّبِيُّ أَوْلى‌ بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‌ بِبَعْضٍ في‌ كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُهاجِرينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى‌ أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً"[1]

أن الامومة التي جاءت في هذه الآية المباركة لا تشمل الاحكام المترتبة على الأم الوالدة، فلا محرمية بينهن والمؤمنين ولا توارث ولا اولادهن اخوة واخوات للمؤمنين ولذا يجوز الزواج منهم وانما هذه الامومة تفيد أمرين وجوب رعاية حرمتهن و تحريم التزويج بهن، كما أن ابوة رسول الله وامير المؤمنين للناس لا يترتب عليها توارث ولا محرمية ولا حصول قرابة بواسطة هذه الابوة.

وقد ورد في الاثر في حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّ امرأة قالت لعائشة: يا امّه! فقالت: "لست لك لامّ إنّما أنا أمّ رجالكم" كأنها ارادت ان تشير ان أمومتي انما هي في عدم جواز التزويج، ولكن في اثر آخر وردعن «امّ سلمة» أنّها قالت: أنا امّ الرجال منكم و النساء)[2]

ويظهر هذه الكرامة لأمهات المؤمنين عما رواه الصدوق في الخصال: عن عبد الرحمن بن كثير عن أبى عبد الله عليه السلام حديث طويل يذكر فيه الكبائر يقول فيه عليه السلام و اما عقوق الوالدين في كتابه: "النَّبِيُّ أَوْلى‌ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ" فعقوا رسول الله صلى الله عليه و آله في ذريته و عقوا أمهم خديجة في ذريتها.

وقال في الميزان: (و قوله: «وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» جعل تشريعي أي أنهن منهم بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن و حرمة نكاحهن بعد النبي ص‌).

لا يخفى أن شرافة ازواج النبي صلى الله عليه وآله مستمدة من انتسابهم إليه، و شرافة النبي لنفسه فإنه أشرف خلق الله وأكرمهم عليه ومن تشريفه تشرفت أزواجه، و لذلك خيرهن الله بين مال الدنيا والحفظ بهذه المفخرة العظيمة فقال:

"يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَميلاً . وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظيماً" [3] في الكشاف:(أصل تعال أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطأ ثم كثرت حتى استوت في استعماله الأمكنة، و معنى تعالين أقبلن بإرادتكن و اختياركن لأحد أمرين و لم يرد نهوضهن بأنفسهن كما تقول: أقبلَ يخاصمني و ذهبَ يكلمني و قامَ يهدّدني).

ملخص ما ورد في أسباب النّزول أنّ أزواج النّبي قد طلبن منه أن يوسع في معيشتهن ، ويشتري لهن بعض الاشياء من الحلي والثياب لما توفر له من غنائم الحرب فقيل أن «أمّ سلمة» طلبت من النّبي صلّى اللّه عليه و آله خادما لها، و طلبت «ميمونة» حلّة، و أرادت «زينب بنت جحش» قماشا يمنيا خاصّا، و «حفصة» لباسا مصريا، و «جويرية» لباسا خاصّا، و «سودة» بساطا خيبريا ! . فامتنع النّبي صلّى اللّه عليه و آله عن تلبية طلباتهنّ، و هو يعلم أنّ تلبية طلباتهن لا تنسجم مع حالة الزهد التي ينبغي أن تسود على بيته وأسرته، فاعتزلهنّ شهراً، فنزلت الآيات أعلاه و خيرتهنّ بين أحد الأمرين: إن كنّ يردن حياة مملوءة بزخارف الدنيا و زبارجها فبإمكانهن الانفصال عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و الذهاب إلى حيث يردن، و إن فضّلنّ الأنساب إلى اللّه و رسوله و اليوم الآخر، و اقتنعنّ بحياة النّبي صلّى اللّه عليه و آله البسيطة و الباعثة على الفخر، فابقين معه، و تنعمنّ بمواهب اللّه في الآخرة. بهذا الجواب القاطع أجابت الآيات نساء النّبي اللائي كن يتوقّعن رفاهية العيش، و خيّرتهنّ بين «البقاء» مع النّبي صلّى اللّه عليه و آله و «مفارقته».

هنا رسالة نستفيد من هذه الآية وهي التقابل بين زخارف الدنيا و رضوان الله ونعيم الآخرة . فمن كان بشرط شيء من أحد الطرفين فإمّا لابد أن يكون بشرط لا بالنسبة إلى الطرف الآخر واما لا بشرط. يعني من جعل اولويته في حياته دنياه فلا يمكن أن يكسب الآخرة وعكسه صحيح ايضاً نعم إن عامة الناس يمكن لهم أن يستهدفوا الآخرة في حياتهم ولكن بالنسبة إلى الدنيا كذلك يكونوا لا بشرط فإن أقبلت الدنيا اليهم لا يرفضوها، أمّا مثل رسول الله وازواجه اذا كانوا بالنسبة إلى الاخرة بشرط شيء لابد وأن يكونوا بالنسبة إلى زخارف الدنيا بشرط لا، "أن الله فرض على ائمة العدل أن يقدروا انفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيغ بالفقير فقره".

قال الله تعالى بعد الآيات اعلاه: "يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيراً . وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَريماً )[4]

إنّ صاحب الميزان فسر الفاحشة بقوله: (قوله: «مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» الفاحشة الفعلة البالغة في الشناعة و القبح و هي الكبيرة كإيذاء النبي ص و الافتراء و الغيبة و غير ذلك، و المبينة هي الظاهرة.) ونِعم ما قال، لان أزواج النبي لم يكنّ في معرض الفواحش الجنسية نستجير بالله بل هذه المعاصي المذكورة او الميل إلى الرفاهية والطرف والبذخ منهن تعتبر فاحشة بالنسبة اليهن، فربما حلال يصبح حراماً عن بعض الكبار، وقد يسمى ذالك خلاف المروّة، و قد عُدّ من مسقطات العدالة، فلعل الله أراد أن يُذكّرهنّ بقبح ما تمنين من رسول لله صلى الله عليه وآله. كما أن عكسه صادق في الآية التي تليها حيث قال: "ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً" والقنوط هو الطاعة خاضعاً ولعل السر في مضاعفة العذاب على فرض الفاحشة هو تمام الحجة عليهن اولاً، و محسوبية الشين على رسول الله ثانياً، فهما سببان لمضاعفة العذاب، وفي المقابل قنوتهن لله ورسوله وعملهن الصالح و هما مبنيان على المعرفة لما اكتسبنها من نمير ها مباشرة اولاً، وايجاب حسن السمعة لرسول الله ثانياً سبب للأجر مرتين.

ثم تابع ربنا تعالى كلامه بقوله: "يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذي في‌ قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً . وَ قَرْنَ في‌ بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‌ وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً . وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى‌ في‌ بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطيفاً خَبيراً" [5] هذه الآيات تتحدث عن آداب عالية أمر الله ازواج النبي برعايتها لما لهن من المكانة العظيمة كما يأمرهن بالتثقّف بثقافة ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة مما يدل على لزوم الاهتمام بثقافة النساء في الاسلام. وكما اشرنا سابقاً بينما هذه الآيات تشير إلى كرامة نساء النبي بإنتسابهن إلى رسول الله، تدل على أن عدم رعاية هذا الشأن العظيم ذنب لا يغفر والعذاب عليه ضعفين. فقيمة كل واحدة منهن بمقار التزامها بهذه التعليمات والآداب.

ولا يخفي أن قوله تعالى : "إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً" قد ورد ضمن هذه الآيات و فقاً لصناعة التضمين في الكلام وكجملة معترضة، والمخاطب فيها خصوص الأنوار الخمسة، كما بيّن في محلّه بشكل مبسوط مستمدة من الأحاديث الواردة من طرق الفريقين من الشيعة والسنة.

والأن نكتفي بهذا المقدار من الكلام و لكن بما أن هذا البحث لم يكتمل الليلة فنتابع تتمة البحث في الليلة القادمة ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo