46/05/29
بسم الله الرحمن الرحیم
المسألة 25 من الشكوك في الركعات/الشک فی رکعات الصلاة /كتاب الصلاة
موضوع: كتاب الصلاة/الشک فی رکعات الصلاة /المسألة 25 من الشكوك في الركعات
قال المصنف (مسألة 25): لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى بصلاته القصر وشكّ في الركعات بطلت وليس له العدول إلى التمام والبناء على الأكثر، مثلًا إذا كان بعد إتمام السجدتين وشكّ بين ا لاثنين والثلاث لا يجوز له العدول إلى التمام والبناء على الثلاث، على الأقوى نعم لو عدل إلى التمام ثمّ شكّ صحّ البناء).
انتهى بحثنا في اليوم الماضي الى ما تفضّل به السيد الخوئي رضوان الله عليه وبعض فقهاء الآخرين على ان معنى التخيير ايجاب الجامع بين أطراف الخيار ورفض الخصوصيات في كل طرف منها:
قال رضوان الله عليه: (أنّ مرجع التخيير بين القصر والتمام إلى إلغاء كلّ من الخصوصيتين وإيجاب القدر الجامع بينهما كما هو الشأن في كلّ واجب تخييري، من غير فرق بين التخيير العقلي والشرعي. فالواجب في التخيير بين الخصال إنّما هو الجامع الإنتزاعي المنطبق على كلّ من الأطراف، فكلّ طرف مصداق لما هو الواجب، لا أنّه بخصوصه متعلّق للوجوب ولو تخييراً، وواضح أنّ اختيار المكلّف أحد الأطراف لا يوجب اتّصافه بالوجوب وتعلّق الأمر به بالخصوص، بل الواقع باقٍ على حاله ولا يتغيّر ولا ينقلب عمّا هو عليه بسبب الأخذ والاختيار، بل هو قبل الأخذ وبعده على حدّ سواء.
وعلى الجملة: مرجع الوجوب التخييري إلى إلغاء الخصوصيات وتعلّق الأمر بالجامع، المستلزم لأن يكون أمر التطبيق بيد المكلّف، ولا ينصرف الأمر من الجامع إلى الفرد لدى اختيار التطبيق على أحد الأطراف، بل حاله قبل التطبيق وبعده سيّان من هذه الجهة. وعليه فاختيار المسافر الصلاة قصراً ونيّته لها لا يستوجب اتّصافها بالوجوب بل حاله بعد الشروع فيها كحاله قبله في كون الواجب إنّما هو الجامع بينها وبين التمام، والتخيير الثابت من ذي قبل بعينه ثابت فعلًا، من غير فرق بين ما قبل عروض الشكّ وما بعده)[1]
أقول: هذه الكبرى: ان الشأن في كل واجب تخييري بتعلق الوجوب بالقدر الجامع بين أطراف التخيير وإلغاء الخصوصيات والخصوصيات لا يدخل في متعلق الأمر وانما الواجب هو القدر الجامع، هذا صحيح اذا كان أطراف التخيير من حقيقة وماهية و طبيعة واحدة، كما ان المولى اذا امر عبده بعتق رقبة مؤمنة فيشمل الذكر والانثى والعالم والجاهل والشاب والشيب والطويل والقصير وجميل المنظر وقبيح المنظر وما الى ذلك من الانقسامات، كل ذلك داخل في طبيعة الرقبة المؤمنة، والمولى انما أراد تحرير رقبة مؤمنة ولم يكن مطلوبه مشروطاً بشيء زائد على حقيقة الرقبة المؤمنة، فكلامكم صادق في مثل هذا التخيير فالمكلف مخيّر بين جميع ما يصدق عليه رقبة مؤمنة فالرقبة المؤمنة كلي يصدق على كثيرين، ولكن اذا كانت الخصال المتعددة المخيّر فيها، حقائق متباينة كخصال كفارة إفطار شهر رمضان، فلا جامع حقيقي بينها، نعم يمكن فرض جامع بين تلك المتباينات في عالم الاعتبار، ولكن لا حقيقة له في الخارج، والمفروض ان المولى امر بكل واحد من الخصال بخصوصيتها وشروطها، ففي الواقع تعلق الأمر بإحدى حقائق متباينة بنحو على البدل، لان الكلي على قسمين كلي مجموعي وكلي على البدل، وهذا أمر عقلائي معروف في عرف العقلاء وموجود في الاحكام الشرعية، ففي مثل هذه الموارد أراد المولى كل واحد منها بخصوصيتها على البدل، بحيث اذا اتى بواحد منها وقع بديل على سائر الخصال ويتم الامتثال به، وفي مسألتنا أيضاً نفس الشيء لان الأعداد حقائق متباينة بينها تباين حقيقي حتى قالوا كل عدد نوع مستقل في نفسه والجنس هو عنوان العدد.
فالمولى أراد منا في مواطن التخيير اما نصلي قصراً أي صلاة ثنائيا او تماماً أي صلاة رباعياً وكل واحد منهما مصلوب بخصوصيتها وشروطها ومن أدّى أي واحد منها فقد إمتثل امر الله.
ولكن الأمر الذي نحتاج اليها أن نرى هل المولى خيّرنا في مرحلة النية والحدوث، او جعل الخيار مستمراً في مرحلة البقاء الى ما أمكن؟ وهو بعد التشهد في الركعة الثانية.
ومطلوب المولى يستكشف بمراجعة النصوص الصادرة من المعصومين عليهم السلام كي نعرف مدى اتساع الخيار، فإليك نماذج من النصوص في هذا المورد:
منها: صحيحة حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِ اللَّهِ الْإِتْمَامُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ حَرَمِ اللَّهِ- وَحَرَمِ رَسُولِهِ ص وَحَرَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع- وَحَرَمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع".[2]
ومنها: ما رواه الشيخ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: "كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام أَنَّ الرِّوَايَةَ- قَدِ اخْتَلَفَتْ عَنْ آبَائِكَ- فِي الْإِتْمَامِ وَالتَّقْصِيرِ لِلصَّلَاةِ فِي الْحَرَمَيْنِ- فَمِنْهَا أَنْ يَأْمُرَ بِتَتْمِيمِ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً وَمِنْهَا أَنْ يَأْمُرَ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَنْوِ مُقَامَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ- وَلَمْ أَزَلْ عَلَى الْإِتْمَامِ فِيهِمَا- إِلَى أَنْ صَدَرْنَا مِنْ حَجِّنَا فِي عَامِنَا هَذَا- فَإِنَّ فُقَهَاءَ أَصْحَابِنَا أَشَارُوا عَلَيَّ بِالتَّقْصِيرِ- إِذَا كُنْتُ لَا أَنْوِي مُقَامَ عَشَرَةٍ وَقَدْ ضِقْتُ بِذَلِكَ- حَتَّى أَعْرِفَ رَأْيَكَ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ ع- قَدْ عَلِمْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ- فَضْلَ الصَّلَاةِ فِي الْحَرَمَيْنِ عَلَى غَيْرِهِمَا- فَأَنَا أُحِبُّ لَكَ إِذَا دَخَلْتَهُمَا أَنْ لَا تُقَصِّرَ- وَتُكْثِرَ فِيهِمَا مِنَ الصَّلَاةِ- فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ مُشَافَهَةً- إِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِكَذَا فَأَجَبْتَ بِكَذَا- فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ أَيَّ شَيْءٍ تَعْنِي بِالْحَرَمَيْنِ- فَقَالَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ الْحَدِيثَ".[3]
ومنها: ما رواه الشيخ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمَّادِ بْنِ عُدَيْسٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع أَقْصُرُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ أُتِمُّ- قَالَ إِنْ قَصَرْتَ فَلَكَ- وَإِنْ أَتْمَمْتَ فَهُوَ خَيْرٌ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ خَيْر" [4]
ومنها: ما رواه الشيخ عَنْ أَبِي شِبْلٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَزُورُ قَبْرَ الْحُسَيْنِ- قَالَ: قَالَ زُرِ الطَّيِّبَ وَأَتِمَّ الصَّلَاةَ عِنْدَهُ قُلْتُ أُتِمُّ الصَّلَاةَ قَالَ أَتِمَّ- قُلْتُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرَى التَّقْصِيرَ- قَالَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الضَّعَفَةُ". [5]
ومنها ما رواه الشيخ عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع يَا زِيَادُ أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي- وَأَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي- أَتِمَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَرَمَيْنِ- وَبِالْكُوفَةِ وَعِنْدَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ".[6]
ومنها: ما رواه كليني بسنده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع قَالَ: "قُلْتُ لَهُ إِنَّا إِذَا دَخَلْنَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ نُتِمُّ أَوْ نَقْصُرُ- قَالَ إِنْ قَصَرْتَ فَذَلِكَ- وَإِنْ أَتْمَمْتَ فَهُوَ خَيْرٌ تَزْدَادُ".[7]
ومنها: ما رواه كليني بسنده عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَنِ التَّقْصِيرِ بِمَكَّةَ- فَقَالَ أَتِمَّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ- إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي". [8]
ومنها: ما رواه الصدوق بسنده في علل الشرائع عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ- كَسَائِرِ الْبُلْدَانِ قَالَ نَعَمْ- قُلْتُ رَوَى عَنْكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا- أَنَّكَ قُلْتَ لَهُمْ أَتِمُّوا بِالْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ- فَقَالَ إِنَّ أَصْحَابَكُمْ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَقْدَمُونَ- فَيَخْرُجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الصَّلَاةِ- فَكَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُمْ فَلِهَذَا قُلْتُهُ".[9]
ومنها: ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ- فِي الْمَسْجِدَيْنِ أُقَصِّرُ أَمْ أُتِمُّ- فَكَتَبَ عليه السلام إِلَيَّ أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ فَلَا بَأْسَ- قَالَ فَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنْهَا مُشَافَهَةً-فَأَجَابَنِي بِمِثْلِ مَا أَجَابَنِي أَبُوهُ- إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ قَصِّرْ".[10]
ومنها: ما رواه الشيخ باسناده عن مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ التَّقْصِيرِ فِي الْحَرَمَيْنِ وَالتَّمَامِ- فَقَالَ لَا تُتِمَّ حَتَّى تُجْمِعَ عَلَى مُقَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ- فَقُلْتُ إِنَّ أَصْحَابَنَا رَوَوْا عَنْكَ أَنَّكَ أَمَرْتَهُمْ بِالتَّمَامِ- فَقَالَ إِنَّ أَصْحَابَكَ كَانُوا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ فَيُصَلُّونَ- وَيَأْخُذُونَ نِعَالَهُمْ وَيَخْرُجُونَ وَالنَّاسُ يَسْتَقْبِلُونَهُمْ- يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ فَأَمَرْتُهُمْ بِالتَّمَامِ".[11]
من هذه الأحاديث وغيرها يستفاد انّ الخيار بين القصر والتمام مطلق ولم يرد شيء يدل على تقييد كل منهما على النية، التي دخلنا بها، فتفيد استمرار التخيير ما دام لم يدخل في الثالثة، وعند ما دخل المصلي في الثالثة يتعين له الرباعية، الا إذا قلنا بجواز هدم الصلاة من دون عذر فيجوز له ترك الصلاة في الركعة الثالثة واعادتها بما يريد من القصر او التمام. فالنية لا تقيد المصلي على ما بدء به في صلاته بل هو باقي على الخيار بين القصر والتمام فعلى ذلك لا يمكن موافقة السيد المصنف في رأيه والأقرب وجوب اكمال الصلاة رباعية ولكن الاحتياط بالإعادة بعد السلام لا ينبغي تركه.
وهنا ننهي البحث في هذه المسألة وعظم الله اجوركم بذكرى شهادة سيدتنا الزهراء عليها السلام ونتابع بحثنا في الشكوك يوم السبت القادم ان شاء لله.