« قائمة الدروس
الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث الفقه

46/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

المسآلة9/أحكام الشكوك /كتاب الصلاة

 

موضوع: كتاب الصلاة/أحكام الشكوك /المسآلة9

 

کان بحثنا فی (مسألة 9): لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ كما يتّفق كثيراً لبعض الناس كان ذلك شكّاً و كذا لو حصل له حالة في أثناء الصلاة وبعد أن دخل في فعل آخر لم يدر أنّه كان شكّاً أو ظنّاً بنى على أنّه كان شكّاً إن كان فعلًا شاكّاً وبنى على أنّه كان ظنّاً إن كان فعلًا ظانّاً، مثلًا لو علم أنّه تردّد بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ولم يدر أنّه حصل له الظنّ بالثلاث فبنى عليه، أو بنى عليه من باب الشكّ، يبني على الحالة الفعليّة ، وإن علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين والثلاث وأنّه بنى على الثلاث وشكّ في أنّه حصل له الظنّ به أو كان من باب البناء في الشكّ، فالظاهر عدم وجوب صلاة الاحتياط عليه وإن كان أحوط).

کان بحثنا فی الیوم الماضی حول الفرع الاول من هذه المسألة من احكام الشكوك حيث قال المصنف: (لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ كما يتّفق كثيراً لبعض الناس كان ذلك شكّاً)

وذكرنا احد الوجوه للاستدلال على ان في الترديد بين الظن والشك لابد من الحكم بمقتضى الشك باستصحاب عدم الاعتدال الذي ورد في الروايات في الإشارة الى الظن وبقاء الشك وهو حالة الاعتدال فارقاً عن المعارض بانحلال العلم الإجمالي بين الشك والظن.

فيرد عليه اولاً: لم يرد قي الروايات عنوان عدم الاعتدال بالنسبة الى الظن في الشكوك الباطلة وهنا نطل اطلالة على روايات الباب

في صحيحة زرارة في ذيلها: "فَمَنْ شَكَّ فِي الْأُولَيَيْنِ أَعَادَ- حَتَّى يَحْفَظَ وَيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ- وَمَنْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ عَمِلَ بِالْوَهْمِ"[1] . وما روي بسند صحيح عن حسن بن عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ: "قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا ع: "الْإِعَادَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ- وَالسَّهْوُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ".[2] والحسن بن على وثقه النجاشي بقوله (هو ابن بنت الياس الصيرفي خزاز من أصحاب الرضا عليه السلام وكان من وجوه هذه الطائفة)

هذا في الشكوك الباطلة:

واما في الشكوك الصحيحة: فقد ورد فيها عنوان الاعتدال وهو عنوان وجودي، كما ورد فيها "ولم يذهب وهمك" وهو عنوان عدمي فورد بكلا الصورتين.

ولكن الواقع ان الشك والظن كلاهما امران وجوديان من مقولة الكيف النفساني فلا فرق من هذه الناحية بينهما فاذا اردنا جريان الاستصحاب فيجري في كلاهما فيتعارضان.

واليك نصوصها في الشكوك الصحيحة : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ وَ أَبِي الْعَبَّاسِ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِذَا لَمْ تَدْرِ ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَوْ أَرْبَعاً- وَوَقَعَ رَأْيُكَ عَلَى الثَّلَاثِ فَابْنِ عَلَى الثَّلَاثِ- وَ إِنْ وَقَعَ رَأْيُكَ عَلَى الْأَرْبَعِ- فَسَلِّمْ وَ انْصَرِفْ- وَ إِنِ اعْتَدَلَ وَهْمُكَ- فَانْصَرِفْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَ أَنْتَ جَالِسٌ".[3]

وفي مرسلة جميل: عَنْ جَمِيلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "فِيمَنْ لَا يَدْرِي أَ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً- وَوَهْمُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ- قَالَ فَقَالَ: إِذَا اعْتَدَلَ الْوَهْمُ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ- فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَةً وَهُوَ قَائِمٌ- وَإِنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ"[4]

صحيحة: مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: "إِنَّمَا السَّهْوُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ- وَ فِي الِاثْنَتَيْنِ وَفِي الْأَرْبَعِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ- وَمَنْ سَهَا فَلَمْ يَدْرِ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً وَاعْتَدَلَ شَكُّهُ- قَالَ يَقُومُ فَيُتِمُّ ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَتَشَهَّدُ- وَ يُسَلِّمُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ- فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ إِلَى الْأَرْبَعِ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ- ثُمَّ قَرَأَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ الثِّنْتَيْنِ- نَهَضَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ".[5]

وفي صحيحة الْحَلَبِيِّ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: إِذَا كُنْتَ لَا تَدْرِي ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً- وَ لَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلَى شَيْ‌ءٍ- فَسَلِّمْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ- تَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْكِتَابِ- وَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الثَّلَاثِ فَقُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ- وَلَا تَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ- فَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الْأَرْبَعِ- فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ ثُمَّ اسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ". [6]

صحيحة: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِنِ اسْتَوَى وَهْمُهُ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ- سَلَّمَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ- بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَهُوَ جَالِسٌ يُقَصِّر فِي التَّشَهُّدِ".[7]

مضمرة ابي بصير: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى- فَلَمْ يَدْرِ أَ فِي الثَّالِثَةِ هُوَ أَمْ فِي الرَّابِعَةِ- قَالَ فَمَا ذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَيْهِ- إِنْ رَأَى أَنَّهُ فِي الثَّالِثَةِ وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الرَّابِعَةِ شَيْ‌ءٌ- سَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ- يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ". [8]

مما لاحظتم في الروايات، سواء ما ورد في الشكوك الباطلة وما ورد في الشكوك الصحيحة لم نرى اعتدال في مقابل عدم الاعتدال بل ورد وقع رأيك او وهمك او ذهب وهمك او وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الرَّابِعَةِ شَيْ‌ءٌ او لم يذهب وهمك إلى شي‌ء وما شابه ذلك ففي مورد الشك تعبيرات إيجابية وعبارات سلبية وفي باب الظن أيضا تعبيرات سلبية وتعبيرات ايجابية فلا يمكن استصحاب عدم الاعتدال ونفي الظن به حتى يبقى عندنا الاعتدال وهو الشك فنعمل بمقتضاه. بل كلاهما اران وجوديان قائمان على النفس كما بيناه.

بل نقول حتى لو كان عبارات المحكية عن الظن بلسان نفي الاعتدال او الاستواء، لم يكن لنا ان نحسبه عدمي حتى نرفضه بالاستصحاب، لان الشك والظن باي لفظ عبرنا عنهما هما حقيقتان وجوديتان من مقولات الكيف النفساني قائمان على النفس وكلاهما مسبوقان بالعدم فاستصحاب احدهما معارض باستصحاب الآخر حين عندنا حسب المفروض علم اجمالي بوجود احدهما فليس طريق النجاة نفي احدهما بالاستصحاب واثبات الآخر وتعيينه بانحلال العلم. فتأمل جيداً.

فالحل الاجدر هو ان نقول من لا يدري ما هو حاصل في نفسه لعدد الركعات؟ هل هو ظن او شك؟ معناه عدم ثبوت الظن عنده ولا يتيقن بخلافه فهو شاك في تحقق الظن الذي هو بمنزلة العلم فلا يمكن ان يتمسك به بل عليه ان يعمل بوظيفة الشاك وهذا الذي يهدي اليه العقل وإطلاق الروايات بقولها "ان كنت لا تدري" في روايات الامرة بالبناء على الأكثر والاتيان بصلاة الاحتياط بعد السلام. فما ذهب اليه صاحب العروة هو الأقوى والاجدر بالقبول.

 


logo