< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الشک فی الرکعات/حکم الظن في الركعتين الاوليين

 

(مسألة 5): المراد بالشكّ في الركعات تساوي الطرفين لا ما يشتمل الظنّ فإنّه في الركعات بحكم اليقين سواء في الركعتين الأوّلتين والأخيرتين).

قد تم بحثنا في الجلسة الأخيرة ان القول بكون الظن في ركعتي الأخيرة بمنزلة اليقين مما لا خلاف فيه بين فقهائنا، وقد نطق بذلك صحيحتين: وهما صحيحة ابي العباس وصحيحة الحلبي: أحداهما كان موضوعها الشك بين الثلاث والاربع والأخرى كان موضوعها الشك بين الاثنين والاربع. وتعميم الموضوع بسائر الشكوك في الركعتين الأخيرتين، تم من خلال عدم القول بالفصل، وكذلك إطلاق مفهوم صحيحة صفوان حيث قال: «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» [1] مفهومه: ان وقع وهمک على شيء فلا تعد الصلاة وهو مطلق يشمل جميع الشكوك،

ولكن كان هناك ثلاث روايات ظاهرها خلاف ذلك، سقطت بعضها سندا وبعضها دلالة مضافا الى السند، فبقي الروايات الصحيحة التي دلت على الاخذ بما ذهب وهمك اليه، واختصاص المعالجات بما إذا اعتدل الوهم واستقر الشك. بتفصيلات لا نعيدها.

فبقي علينا البحث في کفاية الظن عن اليقين في الركعتين الأوليين ايضاً:

فنقول: المعروف والمشهور حجّية الظنّ في الاولیین أيضاً‌، وقال السید الخوئي في موسوعته: (ونسب الخلاف إلى ابن إدريس) [2]

وعند ما نراجع الى السرائر نراى خلاف ذلك، قال: (الشك و السهو لا حكم لهما مع غلبة الظن، لأنّ غلبة الظنّ تقوم مقام العلم في وجوب العمل عليه مع فقدان دليل العلم، و انّما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظنّ و تساويه).[3] . وقال في مكان آخر: (أمّا الضرب الثالث من السهو، وهو الذي يعمل فيه على غالب الظن، فهو كمن سها فلم يدر صلّى اثنتين أم ثلاثا، وغلب على ظنّه أحد الأمرين، فالواجب العمل على ما غلب في ظنّه، وإطراح الأمر الآخر. وكذلك إن كان شكّه بين الثلاث والأربع، والاثنتين والأربع، أو غير ذلك من الأعداد، بعد أن يكون اليقين حاصلا بالأولتين، فالواجب في جميع هذا الشك العمل على ما هو أقوى وأغلب في ظنه، وأرجح عنده). [4] فالعجب كيف نسبوا اليه هذا القول وهو صريح في العمل بالظن؟!

ان صاحب الحدائق في هذه المسألة فصّل بين الشك في فرض النبي فذهب الى ان الظن فيها بمنزلة اليقين فاذا ظن بركعة منهما يأخذ به وليس عليه تكليف آخر، بل يتم صلاته على البناء على المظنون، وصلاته صحيحة مجزية.

ولكنه رضوان الله عليه ذهب الى ان الظن في الركعتين الأوليين بمنزلة الشك فلا يجوز ان يبني عليه بل عليه إعادة الصلاة قال رضوان الله عليه:

(نعم لا بد في الأعداد فيهما-أي الأوليين- من اليقين فلو شك في عددهما ثم ترجح عنده أحد الأعداد بطريق الظن فإنه لا يجوز البناء بمقتضى الاخبار المشار إليها على ذلك الظن لتصريحها باعتبار العلم واليقين ‌كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة التي هي إحدى تلك الروايات «فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم».[5] فإنه صريح كما ترى في ان البناء على الظن الذي عبر عنه بالوهم إنما هو في الأخيرتين وان الأولتين لا بد فيهما من اليقين فما لم يحصل له اليقين تجب عليه الإعادة. وعلى هذا النحو جملة من الروايات الباقية فإنها صريحة أو ظاهرة في اشتراط اليقين في الأولتين).[6]

ویرد علیه: بان المراد من الیقین هو حصول الحجة وهی اعم من الیقین الوجدانی والیقین التعبدی، فان الميزان هو اليقين بالتكليف وليس المراد اعتبار اليقين المأخوذ في الموضوع على نحو الصفة القائمة على النفس، بل المنسبق إلى الذهن من اليقين المأخوذ على نحو الطريقية والكاشفية، من دون خصوصية لصفة اليقين، كما في قوله (عليه السلام): "لا تنقض اليقين بالشك، بل انقضه بيقين آخر". فانّ اليقين التعبدي طريق إلى الواقع. فمن علم بنجاسة لباس ثم شک فی طهارته یستصحب النجاسة حتی علم وجدانا او قامت البینة علی طهارتها او اخبر ذو الید، فالمراد مطلق الحجّة، لا خصوص وصف اليقين. وعليه فصحيحة صفوان المتضمّنة لحجّية الظنّ التي مرجعها إلى جعله بمثابة العلم في الكشف عن الواقع في نظر الشارع حاكمة على تلك الأدلّة فإنّ القدر المتيقّن ممّا تشمله الصحيحة هو الأولتان، لكونهما الأكثر الغالب في الشكوك المحكومة بالإعادة والبطلان، كالشكّ بين الواحدة والثنتين مطلقاً، والثنتين والثلاث، والثنتين والأربع، والثنتين والثلاث والأربع قبل الإكمال.

وإن أمكن فرضه في الأخيرتين أيضاً كالشكّ بين الأربع والسّت، وكذا الثلاث والخمس في غير حالات القيام، لكن الغالب هو الرکعتین الاولتین، بحيث لا يحتمل تخصيصها بالأخيرتين وحملها عليها، لعدم لندرة الحكم فيهما بالإعادة.

وعليه فالمتيقّن من حجّية الوهم المستفاد من مفهومها هما الأولتان، فتكون حاكمة على تلك الأدلّة كما ذكرنا، إذ بعد اتصافه بالحجّية فهو علم تعبّدي، ولا فرق بينه وبين العلم الوجداني في الكشف عن الواق

والعجب من صاحب الحدائق حيث جعل معارضة بین مفهوم صحيحة صفوان مع منطوق صحيحة زرارة المصرّحة بعدم دخول الوهم في الأُوليين، قال: (عليه السلام): «كان الذي فرض اللّٰه على العباد من الصلاة عشر ركعات، وفيهنّ القراءة، وليس فيهنّ وهم ...». فانّ المراد بالوهم هو الظنّ ولو بقرينة بقيّة الروايات المتضمّنة أنّه إذا وقع وهمه على شي‌ء كالثلاث أو الأربع بنى عليه، فتكون الصحيحة مقيّدة لإطلاق صحيح صفوان، أو أنّهما يتساقطان من هذه الجهة، فلم يكن ثمة دليل على كفاية الظنّ، فتجب الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال).

ولكن هذه الدعوى لا یمکن التسلیم لها، لتفسير الوهم في نفس الصحيحة بالسهو، قال: يعني سهواً. المراد به الشكّ، لإطلاقه عليه كثيراً في لسان الأخبار [7] كما يكشف عنه التفريع الذي ذكره (عليه السلام) بعد ذلك بقوله: «فمن شكّ في الأولتين ...» إلخ. فإنّ تفريع هذه الجملة على سابقتها يكشف بوضوح عمّا ذكرناه من أنّ المراد بالوهم هو الشكّ، مضافاً إلى التفسير المزبور، فإنّه (عليه السلام) بعد أن بيّن عدم دخول الوهم في العشر ركعات ودخوله في السبع الزائدة رتّب عليه أنّ من شكّ في الأولتين أعاد، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم. وهذا التفريع‌ لا يستقيم إلّا بناءً على إرادة الشكّ من الوهم كما لعلّه ظاهر جدّاً. فنستخلص من بحثنا أنّ ما عليه المشهور من حجّية الظنّ سواء في الركعات الأُوليين اوالأخيرتين استناداً إلى إطلاق صحيحة صفوان.

ونکتفی بهذا المقدار من البحث فی هذه المسألة وندخل غداً الی المسآلة التی تلیها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo