< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک فی الرکعات /بعض الاحكام المتعلقة بالتروي

 

قال المصنف: (مسألة 4): لا يجوز العمل بحكم الشكّ من البطلان أو البناء بمجرّد حدوثه، بل لا بدّ من التروّي والتأمّل حتّى يحصل له ترجيح أحد الطرفين، أو يستقرّ الشكّ، بل الأحوط في الشكوك الغير الصحيحة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة، أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ).

في اليوم الماضي كان بحثنا في ان الشاك بالشكوك الباطلة إذا داوم على صلاته فانقلب شكه الى اليقين هل صلاته باطلة او يمكن ان يبني على يقين حصل له لاحقاً؟، استفدنا من لسان الأدلة جواز البناء عل يقينه وصلاته صحيحة، لان الروايات التي تأمر بالإعادة انما تأمر بالإعادة ليستيقن انه اتى بصلاة كاملة وعند ما يتبدل شك المصلي الى اليقين فالمطلوب من الإعادة حاصل بيقينه فصلاته صحيحة هذا ملخص بحثنا في اليوم الماضي.

اليوم نريد ان نطرح فرعاً آخر وهو بعد ما ثبت ان الشكّ ليس كالحدث بمجرّده مبطلا للصلاة، فهل يجب التروّي على الشاك للوصول الى اليقين المحتمل او اليأس عن حصول اليقين واستقرار الشك في نفسه او الى فوات الموالاة؟ أو يجوز له رفع اليد عن صلاته واعادتها بمجرّد الشكّ؟

بعض الفقهاء ذهبوا الى جواز رفع اليد عن صلاته المشكوك فيها واعادتها بصلاة أخرى مستدلا بإطلاق الأدلة الآمرة بالإعادة. ولم يستسلم انصرافها إلى الشكّ المستقرّ المنوط بالتروّي.

واستدل على هذا الرأي (بأنّ الشكّ لغة خلاف اليقين، وأنّ المكلّف الملتفت لا يخلو عن اليقين بالشي‌ء أو عن خلافه وهو الشك ولا ثالث لهما، فاذا لم يكن متيقّناً فهو شاكّ لا محالة، فيندرج في موضوع الأدلّة وتشمله أحكامها من غير حاجة إلى التروّي بمقتضى الإطلاق. فالقول بوجوب التروّي ضعيف. وأضعف منه دعوى وجوب تمديده والانتظار إلى أن تفوت الموالاة، فإنّ هذا بعيد غايته، لاحتياجه إلى مئونة زائدة، وليس في الأخبار من ذلك عين ولا أثر، بل المذكور فيها إعادة الصلاة بعد الشكّ).[1]

ثم يأتي بمناقشة ورده ملخص كلامه: (قد يقال بان قياس الشك في ركعات الصلاة بالشكّ المأخوذ في أدلّة الأُصول، قياس مع الفارق وهو أنّ قطع الفريضة حرام فيجب الإتمام. وحيث يحتمل القدرة عليه بعد التروّي، لجواز تبدّل شكّه بالظنّ أو اليقين، فرفع اليد عن العمل قبل التروّي إبطال للصلاة، مع احتمال القدرة على الإتمام الواجب عليه لدى التمكّن منه. فمرجع الشكّ إلى الشكّ في القدرة، والمقرّر في محلّه لزوم الاحتياط في هذه الموارد. فيجب التروّي في المقام حذراً من أن يكون الإبطال مستنداً إليه.

ثم يرد على هذا الاشكال بقوله: أنّ كبرى عدم جواز رفع اليد عن التكليف المحتمل لدى الشكّ في القدرة وإن كانت مسلّمة لكنّها خاصّة بموارد الأُصول العملية، فلا تجري البراءة مع الشكّ في القدرة عند كون التكليف فعلياً من بقيّة الجهات.

والوجه فيه: أنّ القدرة إذا لم تكن دخيلة في الملاك شرعاً وإن كانت شرطاً في التكليف عقلًا كما في إنقاذ الغريق فالملاك موجود على تقديري قدرة المكلّف وعجزه، وعليه ففي ترك الإنقاذ فوت للمصلحة الواقعية، والعقل لا يجوّز تفويت الملاك الملزم ما لم يستند المكلّف إلى عذر شرعي، فلا بدّ من الإقدام وإعمال القدرة، فإن انكشف التمكّن وإلّا فهو معذور.

وهذا بخلاف موارد الأدلّة اللفظية، فإنّ الإطلاق فيها مؤمّن، والاستناد إليه معذّر، لشموله موارد الشكّ في القدرة أيضاً، سيما مثل المقام الذي لم يكن من التروّي في لسان الأخبار عين ولا أثر كما عرفت، فانّ الغالب حصول القدرة على الإتمام بعد التروّي كما لا يخفى، ومع ذلك لم يؤمر به في شي‌ء من الأخبار. فما ذكر إنّما يتمّ في مورد الأصل العملي دون الإطلاق).

ويلحظ في كلامه أولا: بان التفصيل بين الادلة اللفظية والعقلية لا وجه له بل الميزان هو تحقق موضوع الحكم فاذا المولى بأمر بفعل وشك العبد في قدرته على الإنجاز يجب التحري عن القدرة،

وثانياً: قوله: (سيما مثل المقام الذي لم يكن من التروّي في لسان الأخبار عين ولا أثر) خلاف الواقع كما بينا بصورة واضحة فقلنا ان قوله: اذا ذهب وهمه الى الثالثة او ذهب وهمه الى الرابعة وقوله اذا اعتدل شكه كلها ظاهرة في حصول هذه الحالات اثر التحري و امر مستجد نعم لم يرد مصطلح التحري في الروايات ولكن ورد التأمل وكذلك هذه التعبيرات كلها شاهدة على معنى التحري مضافا لى التقسيم الثنائي بين اليقين والشك لهما ثالث وهو حالة الذهول والغفلة والتحير ثم عند الالتفات الى ما فعله يدخل في وادي الشك واليقين بعد الالتفات وهذا الالتفات هو التحري وحالة الانتباه قد يحصل عند في لحظة واحدة وقد يحتاج الى اللحظات ويسمى تلك الفترة فترة التحري والتأمل فتأمل جيداً.

حول هذه المسألة فرع ثالث هو: لو أراد الإعادة قبل فوات الموالاة إمّا بعد التروّي أو قبله على الخلاف فهل يجب عليه أوّلًا إبطال الصلاة بكلام عمدي أو استدبار‌ ونحوهما ثمّ الشروع في الإعادة، ليقطع ببطلان الأُولى لدى الشروع في الثانية؟

قد يقال بذلك، نظراً إلى احتمال صحّة الصلاة واقعاً، فتكون التكبيرة واقعة أثناء الصلاة، فتفسد و تفسد.

لكنّ الأقوى عدم الوجوب، لانه عند ما عزم على الإعادة انصف عن نية الصلاة فيما اتى به وصحة الصلاة وبقائها منوط باستمرار النية فبمجرد خروجه من نية الصلاة بطلت الصلاة السابقة فتكبيرة الاحرام تقع جزاً للصلاة الثانية ولا يتحقق تكبرين في صلاة واحدة كي يوجب تكرر تكبيرة الاحرام. وهذا المقدار كافي في رفع الشبهة، ولكن السيد الخوئي رضوان الله عليه جاء ببيان مبسوط نذكرها لترويض الذهن قال رضوان الله عليه:

(والوجه فيه: أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب وإن كان منحلا إلى أوامر عديدة حسب تعدّد الأجزاء، إلّا أنّها ليست أوامر استقلالية متعلّقة بكلّ جزء على سبيل الإطلاق بحيث يسقط أمره بمجرّد الإتيان بذات الجزء، بل سقوط كلّ أمر منوط بالإتيان ببقية الأجزاء بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بينها، فلا يسقط الأمر المتعلّق بالتكبير إلّا لدى اقترانه خارجاً بسائر الأجزاء، كما أنّ الأمر المتعلّق بالقراءة لا يسقط بمجرّد الإتيان بها إلّا إذا كانت مسبوقة بالتكبير وملحوقة بالركوع والسجود، وهكذا الحال في بقية ما يعتبر في الصلاة.

فالأمر المتعلق بكلّ واحد مراعى سقوطه بامتثال الأمر المتعلّق بالباقي، ولا ينفكّ أحدهما عن الآخر. وجميع هذه الأوامر الضمنية التحليلية مساوقة مع الأمر النفسي المتعلّق بالمركّب، وملازمة معه ثبوتاً وسقوطاً، حدوثاً و بقاءً و ما لم يأت بالجزء الأخير لم يسقط شي‌ء منها. ونتيجة ذلك جواز رفع اليد أثناء العمل وتبديل الامتثال بفرد آخر. وبعبارة اخرى: من المقرّر في محلّه أنّ متعلّق الأوامر إنّما هي الطبائع المجرّدة دون الأفراد الخارجية، و إنّما هي مصاديق للمأمور به لدى انطباقه عليها و الخصوصيات الفردية خارجة عن حريم الأمر طرّاً. ومن المعلوم أنّ المكلّف مخيّر عقلًا في امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة بين الأفراد الطولية والعرضية، وله اختيار أيّ منها شاء، وهذا التخيير كما هو ثابت قبل‌ الشروع في العمل ثابت بعد الشروع أيضاً بمناط واحد. فكما كان مخيّراً من قبل بين كلّ واحد من الأفراد فكذا مخيّر بعد الشروع بين إتمام العمل وبين رفع اليد والتبديل بفرد آخر. هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية في عامّة المركّبات، خرجنا عن ذلك في خصوص باب الصلاة، للإجماع القائم على حرمة القطع ووجوب الإتمام، فليس له رفع اليد بعد ما شر إلّا أنّ مورد الإجماع إنّما هي الصلاة الصحيحة التي يتمكّن المصلّي من إتمامها، وأمّا الصلاة المحكومة بالبطلان في ظاهر الشرع لجهة من الجهات التي منها عروض الشكّ المبطل الممنوع من المضيّ معه كما في المقام فليس هناك مظنّة الإجماع، ولا مورد توهّمه قطعاً. إذن فيجري فيها ما ذكرناه في تقرير القاعدة من جواز رفع اليد بعد ما شرع من غير حاجة إلى الإبطال، وإن كانت محكومة بالصحّة واقعاً، هذا. مضافاً إلى إطلاق الأمر بالإعادة الوارد في المقام، فانّ مقتضاه عدم الفرق بين الإبطال قبل الشروع في الإعادة وعدمه. وهذا الإطلاق مؤيّد للقاعدة المزبورة ومؤكّد لها، بحيث لو نوقش فيه بدعوى عدم كون الروايات في مقام البيان من هذه الجهة كانت القاعدة كافية في إثبات المطلوب، وإن كانت المناقشة ضعيفة جدّاً).

اقول: ما تفضل به من جواز قطع الصلاة عند الشبهة لعدم شمول الاجماع له، لا حاجة الى ذكره فان صحة صلاة المعادة ليست مشروطة بجواز قطع الصلاة لان حرمة قطع الصلاة شيء لا علاقة لها بصحة الصلاة المعادة فتأمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo