< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الشك في ركعات الصلاة /في لزوم التروي على الشاك

 

قال المصنف: (مسألة 4): لا يجوز العمل بحكم الشكّ من البطلان أو البناء بمجرّد حدوثه، بل لا بدّ من التروّي والتأمّل حتّى يحصل له ترجيح أحد الطرفين، أو يستقرّ الشكّ، بل الأحوط في الشكوك الغير الصحيحة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة، أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ).

في اليوم الماضي تحدثنا حول هذه المسألة وقوّينا رأي المصنف أولاً: بسيرة العقلاء بما هم عقلاء، وثانياً: بالنصوص التي وردت في موضوع الشك بما كان متضمنا لما يستفاد منه التروي:

كقول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن بن سيابه وابي العباس: "وَإِنِ اعْتَدَلَ وَهْمُكَ" فظاهره حصول الاعتدال بعد التروي، وفي مرسلة جميل: "فِيمَنْ لَا يَدْرِي أَ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً- " فَقَالَ: إِذَا اعْتَدَلَ الْوَهْمُ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ- فَهُوَ بِالْخِيَار" الخ.

وفي صحيحة محمد بن مسلم: قال: "وَمَنْ سَهَا فَلَمْ يَدْرِ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً وَاعْتَدَلَ شَكُّهُ" قال: "إِذَا كُنْتَ لَا تَدْرِي ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً- وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلَى شَيْ‌ءٍ" ظاهر في انه حاول ان يصل الى ترجيح فلم يحصل اليه.

وفي صحيحة الحلبي قال: "وَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الثَّلَاثِ فَقُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ" وكذلك قوله: " فَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الْأَرْبَعِ" ذهاب الوهم الى ثلاث او الى أربع يحصل إثر التروي.

وقوله عليه السلام في صحيحة حسن بن أبو العلاء: "إِنِ اسْتَوَى وَهْمُهُ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ" كذلك الاستواء يحصل بعد التروي.

وقوله عليه السلام في موثقة ابي بصير: "فَمَا ذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَيْهِ- إِنْ رَأَى أَنَّهُ فِي الثَّالِثَةِ"

وفي صحيحة محمد بن مسلم الأخرى قال: "وَإِنِ اعْتَدَلَ وَهْمُكَ فَأَنْتَ بِالْخِيَار..."ِ وقوله: "فَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ مَرَّةً إِلَى ثَلَاثٍ وَمَرَّةً إِلَى أَرْبَعٍ" هذه الحالة لا تحصل الا بالتروي.

وكذلك في صحيحة الحلبي الأخرى قوله: "إِذَا لَمْ تَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً- وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلَى شَيْ‌ءٍ- فَتَشَهَّدْ" أي كلما فكرت لم ترجح جهة دون أخرى.

كما نرى ذلك في صحيحة صفوان ايضاً حيث قال عليه السلام: "إِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي كَمْ صَلَّيْتَ- وَلَمْ يَقَعْ وَهْمُكَ عَلَى شَيْ‌ءٍ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ".

فمفاد هذه الروايات ما عليه العقلاء بطبيعتهم عند ما يريدون ان يمتثلوا امر مولاهم فيرون من واجبهم ان يبحثوا عن مطلوب المولى ولا يكتفون بأول ما يبادر الى اذهانهم.

فدليل لزوم التروي أولا سيرة العقلاء ومنشأها وجوب الطاعة للمولى الذي هو من مدركات العقل العملي وثانياً: نصوص هذه الروايات التي مرت بنا. وبما ان هذا الأمر من مدركات العقل والروايات مؤكدة لنفس المعنى لا تنحصر على موارد المنصوصة بل كلما شك العبد في مصداق مراد المولى فعليه استكشاف الموضوع.

قال السيد الخوئي: (يقع الكلام تارة في الشكوك الصحيحة، وأُخرى في غير الصحيحة.

أمّا الأوّل: فمقتضى إطلاق الأدلّة عدم وجوب التروّي، لصدق عنوان الشكّ المأخوذ موضوعاً فيها بمجرّد حدوثه، كما هو الحال في سائر موارد الشكوك المأخوذة موضوعاً للأحكام الشرعية الظاهرية كالاستصحاب وأصل البراءة ونحوهما، إذ لا فرق بينها وبين المقام في اقتضاء إطلاق الدليل عدم اعتبار التروّي).[1]

أقول: لا يوجد إطلاق في ادلة الشكوك كي نستند اليها لعدم وجوب التروي بل ظاهر الأدلة كما بينا هو التروي لان يحصل على ترجيح أحد الجانبين او استقرار الشك باستواء الطرفين او الأطراف.

ثم هناك كلام في انه هل تجوز المداومة على أفعال الصلاة مدة التروي او لا؟ الظاهر انه لا وجه لعدم جوار متابعة الصلاة للشاك في مدة التروي مادام المصلي في الحقل المشترك للاحتمالين وعند ما وصل الى مفترق الطريق ان مال وهمه الى أحد الجانبين، فيتابع صلاته ويبني عليه، لان الظن في الركعات بمنزلة العلم، وان بقي متحيرا واعتدل شكه فان كان من الشكوك الصحيحة فعليه ان يتابع ما هو وظيفة الشاك وان كان من الشكوك الباطلة فتبطل صلاته. مثلا إذا شك بين الثالثة والرابعة وهو قائم يجوز ان يستمر في التسبيحات ثم الركوع ثم السجدتين فان بقي شكه معتدلا بين الامرين فيبني على الأربعة ويتشهد ويسلم ثم يأتي بصلاة الاحتياط ركعة قائمة او ركعتين عن جلوس. كما إذا كان شكه بين الثانية والثالثة في صلاة المغرب عند الهوي الى السجود فيجوز له ان يستمر الى الركوع والسجدتين فاذا مال وهمه الى احد الجانبين يأخذ به وان بقي متحيّراً واعتدل شكه واستقر فصلاته باطلة، وعلى هذا القياس في جميع موارد الشك.

لكن هناك من الفقهاء من لا يعترف بوجوب التروي، بل يري ان المصلي اذا التفت الى صلاته فرأى نفسه في الشك فان كان شكه من الشكوك الصحيحة فيباشر بوظيفة الشاك، من دون ترويٍ وان كان من الشكوك الباطلة تبطل صلاته قبل التروي. وسوف نتعرض لآرائهم في المحاضرات القادمة ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo