< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/10/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الشكوك الصحيحة في الركعات /الشك بين الثانية والثالثة والرابعة

 

قد انتهينا عن البحث في ثلاث موارد من الشكوك الصحيحة واليوم ندخل في البحث عن المورد الرابع قال المصنف: (الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإكمال، فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس والأحوط تأخير الركعتين من جلوس)

ذكرنا في اليوم الماضي ثمانية تعليقة لكبار فقهاء المعاصرين على احتياط المصنف بتقديم ركعتين عن قيام على الركعتين عن جلوس، وهو امّا أكّدوا على لزوم هذا الاحتياط او أفتوا بالوجوب فهو القول المشهور عند الفقهاء واليوم نريد ان ندخل في فقه المسألة فنقول:

ما قاله المصنف موجه بانه ان كانت ثنتين كانت الركعتان من قيام جابرتين، وإن كانت ثلاثاً فالركعتان من جلوس تقعان عوضاً عن الركعة الناقصة، ولا يقدح الفصل بالركعتين من قيام، كما لم يقدح تخلّل السلام في الفروض السابقة بعد ورود النصّ المرخص في ذلك. هذا هو المعروف والمشهور.

وهناك اقوال أخرى في المسألة فعن الصدوقين «2» وغيرهما أنّه بعد البناء على الأربع يصلّي ركعة من قيام وركعتين من جلوس، وقوّاه في الذكرى من حيث الاعتبار، لأنّهما تنضمان حيث تكون الصلاة ثنتين ولا يقدح الفصل بالسلام بعد ثبوت العفو عنه وعن التكبير في نظائر المقام ويجتزئ بأحدهما حيث تكون ثلاثاً. وقيل بالتخيير بين الكيفيّتين أعني ركعتين من قيام وركعتين من جلوس، وبين ركعة قائماً وركعتين جالساً. فصار الاقوال ثلاثة.

اما القول الأول وهو قول مشهور الفقهاء والمصنف فمن مستنداته صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "رَجُلٌ لَا يَدْرِي اثْنَتَيْنِ صَلَّى- أَمْ ثَلَاثاً أَمْ أَرْبَعاً؟ فَقَالَ يُصَلِّي رَكْعَةً «في نسخة ركعتين» مِنْ قِيَامٍ-ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ".

في السند أبو إبراهيم وهو اما أزدي وهو إسحاق بن إبراهيم او اسدي وهو محمد بن قاسم وعلى كلا التقديرين هو موثق. فالسند لا باس به.

اما الدلالة: فما ان نسخ الفقيه تختلف في التعبير، ففي بعضها وردت «ركعة» وفي بعضها «ركعتين»، وقد رجحوا نسخة الركعة على الركعتين وقالوا هي الأشهر وإنّ في النسخة الأُخرى تصحيفاً. ومجرد الترديد في النسخة الصحيحة تسقط الرواية عن صلاحية الاستدلال بها على قول المشهور لأنّه اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ولكن هناك قرينة على ان الصحيح هو هذه النسخة حيث اتى الصدوق بعد ذكر هذا الحديث بحديث أخر وهو قوله: "قَالَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً مِنْ قِيَامٍ وَرَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ". وهذا الحديث يدل على كفاية ركعة عن قيام وركعة عن ركعتين عن جلوس خلاف الراي المشهور.

ثم قال: "قَالَ ابْنُ بَابَوَيْهِ لَيْسَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ بِمُخْتَلِفَةٍ وَصَاحِبُ السَّهْوِ بِالْخِيَارِ بِأَيِّ خَبَرٍ مِنْهَا أَخَذَ فَهُوَ مُصِيبٌ" هذا الكلام قرينة على ان صحيحة عبد الرحمن تفيد غير ما يفيد هذا الحديث وهو ركعتين قائما وركعتين جالساً فتلك مغاير لهذه والتخيير موقوف على التغاير ولو كان ركعة من قيام في صحيحة عبد الرحمن لما كان مجال للتخيير فتأمل جيداً.

فبذلك نتيقن ان نسخة الصحيحة في صحيحة عبد الرحمن هو ركعتين من القيام.

وبما انّ هذه الرواية التي رواها الصدوق مخالف لتلك ولا سند لها وانما قال وروي نبقى نحن وصحيحة عبد الرحمن ويثبت بها قول المشهور والحمد لله.

ولكن بعض الفقهاء رفعوا اليد عن الصحيحة بحجة التشويش في العبارة لأنّها محتمل الأمرين

فاستدلوا بمرسلة ابن أبي عمير واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "فِي رَجُلٍ صَلَّى فَلَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثاً أَمْ أَرْبَعاً- قَالَ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ قِيَامٍ وَ يُسَلِّمُ- ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ جُلُوسٍ وَ يُسَلِّمُ- فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَانَتِ الرَّكْعَتَانِ نَافِلَةً- وَ إِلَّا تَمَّتِ الْأَرْبَعُ". [1]

في سنده كما ترون ارسال ولكن ابن ابي عمير ممن قال الكشي فيه وفي عدد من الروات "أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم" واشتهروا بأصحاب الاجماع، فذهب البعض الى صحة كل حديث أحد رواته واحد من أصحاب الاجماع، وهذا امر لا يمكن الاعتراف به، لانّ من تأخر عن أحد من أصحاب الاجماع ولم يرد له موَثِقٌ فلا وجه للاطمئنان بحديثه، فقد يكذبون عن المعصومين عليهم السلام، فكيف يمكن الا يكذبوا عن احد أصحاب الاجماع؟! وهذا القول افراط في التوثيق وخلاف لظاهر كلام الكشي.

والقول الآخر: وهو ظاهر كلام الكشي ان كل رواية وصلت الينا بواسطة الثقات عن أحد أصحاب الاجماع فهي صحيحة لانّا نطمئن بانّ أصحاب الاجماع رجال لا يروون شيئاً عن المعصومين عليهم السلام الا ما اطمئنوا بصحته وهم اهل الدقة والأمانة.

والقول الثالث: ان مفاد كلام الكشي هو توثيق أصحاب الاجماع فقط ولا دلالة فيها على صحة من قبلهم ولا صحة من بعدهم وهذا القول تفريط في مفاد كلام الكشي وخلاف ظاهر كلامه.

ففي هذه الاقوال الأوسط أوسط وهو المفاد لكلام الكشي وقبول قولهم بهذه الشهادة ليس ببعيد خصوصا مثل هذا الحديث الذي يروي بن ابي عمير عن بعض أصحابه، نعم لو قال: "عن رجل" لكان مجال لعدم القناعة به. ولكن عن بعض أصحابه بعيد عنه عن يروي عمن لا يطمئن به.

على كل حال رفض بعض الاعلام قبال قول الكشي فقال: (لكن هذا إنّما يتّجه بناءً على حجّية مراسيل ابن أبي عمير وكونها في حكم المسانيد كما عليه المشهور، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من عدم الفرق بين مراسيله ومراسيل غيره لما شاهدناه من روايته عن الضعاف أحياناً فيشكل الحكم في المقام) [2]

فعلى هذا المبنى نكتفي بصحيحة عبد الرحمن ونثبت قول المشهور.

واما تقديم الركعتين قائما على ركعتين جالساً أولاً: تعبداً بالنص الوارد كصحيحة عبد الرحمن وكذلك مرسلة ابي عمير مضافا الى ذلك من صلى ركعتين قائماً فقد كمل الناقص لأنه إذا اتي بركعتين اتى بركعة أيضاً وبعد ما يأتي بركعتين جالساً هو احتياط بركعة واحدة منفصلة لعل الاتصال بركعتين لم يكفه ولكن من يأتي بركعتين عن جلوس لم يكمل صلاته على فرض نقصان ركعتين قائما بل بقي عليه ركعة. والمهم النصوص التي ورت آمرة بتقديم ركعتين عن قيام ثم ركعتين عن جلوس فما قلناه أخيرا مجرد التقريب الى الذهن. نكتفي بهذا المقدار من البحث في هذا الفرع ونتعرض للفرع الخامس غدا ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo