< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: كتاب الصلاة/الشكوك في عدد الركعات في الصلاة /الشك بين الاثنين والاربع

 

قال المصنف رضوان الله عليه: (الثالث: الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد الإكمال، فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام).

انتهى بحثنا حول هذه المسألة الى دراسة بعض الاقوال المخالفة للمشهور ودرسنا اثنين منها وهو القول ببطلان الصلاة، الظاهر من كلام الصدوق في المقنع، والقول بالخيار بين ما عليه المشهور من البناء على الأكثر واتيان ركعتين منفصلتين صلاة الاحتياط وبين استئناف الصلاة، ففرغنا من دراستهما ثم أشرنا الى القول الثالث وهو الخيار بين البناء على الأكثر والبناء على الأقل وقلنا لعل القائل الى هذا القول ذهب اليه متأثرا من بعض الروايات التي قد يستظهرون منها الدعوة الى البناء على الأقل وجمعوا بينها وبين الطائفة التي تفيد البناء على الأكثر واليك بعض الروايات التي ظاهرها البناء على الأقل:

منها: صحيحة أبي بصير التي يرويها الشيخ واليك نصها: وَعَنْهُ -حسين بن سعيد- عَنْ حَمَّادٍ عَنْ شُعَيْبٍ يَعْنِي الْعَقَرْ قُوفِيَّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه قَالَ: "إِذَا لَمْ تَدْرِ أَرْبَعاً صَلَّيْتَ أَمْ رَكْعَتَيْنِ- فَقُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ- ثُمَّ سَلِّمْ وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ- ثُمَّ سَلِّمْ بَعْدَهُمَا".[1]

اما في سندها شعيب وهو هنا العقر قوفي وكان من أصحاب ابي إبراهيم موسى عليه السلام

وقد وثقه النجاشي بقوله: (شعيب العقر قوفي أبو يعقوب ابن أخت ابي بصير يحيى بن القاسم روى عن ابي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، ثقة عين)

ودلالتها على البناء على الأقل ظاهر لقول: "فَقُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ" وفيها الامر بسجدتي السهو.

وصحيحة بكير بن أعين واليك نصها: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ (عَنْ أَبِيهِ وَيَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعاً) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ شَكَّ- فَلَمْ يَدْرِ أَرْبَعاً صَلَّى أَمِ اثْنَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ- قَالَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ (وَيُسَلِّمُ- ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) وَهُوَ جَالِسٌ"[2] .

أيضا سنده صحيح وقوله عليه السلام ظاهر في اتصال ركعتين بما اتى به وهو البناء على الأقل.

فمقتضى الجمع بينهما وبين النصوص المتقدّمة هو الالتزام بالتخيير بين البناء على الأقلّ وسجود السهو للزيادة المحتملة، وبين البناء على الأكثر، ولعل هذا هو مستند القول بالتخيير بينهما في المقام.

ورد عليه بعض اعلام العصر بما ملخصه امور:

أولا: أنّ الجمع بالحمل على التخيير إنّما يتّجه في الأوامر النفسية فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب التعييني إلى التخييري، لا في مثل المقام ممّا كان الأمر إرشاداً إلى تصحيح العمل وكيفية العلاج، فانّ الحمل في مثل ذلك ليس من المزبور الجمع العرفي في شي‌ء.

أقول: قد ناقشنا في الفرق بين الواجب النفسي والواجب الارشادي وقلنا التخيير في كلاهما متصور واقع فكما ان المولى يخير عبده بواحد بين الاثنين او اكثر بلا تعيين كذلك الطبيب يصف لمريضه دواءين او اكثر لعلاج مرضه لا على التعيين وقد يتحقق هذا الامر في جلسة واحدة وقد يتحقق في جلستين فالعبد مخير في امتثال امر مولاه بأحدهما و المريض يرى نفسه مخيرا في علاج مرضه بأحدهما.

ثانياً: ان في بعض تلك النصوص التي دلت على لزوم البناء على الأكثر ما يأبى الحمل على التخيير كقوله في رواية عمّار: "يَا عَمَّارُ أَجْمَعُ لَكَ السَّهْوَ كُلَّهُ فِي كَلِمَتَيْنِ- مَتَى مَا شَكَكْتَ فَخُذْ بِالْأَكْثَرِ- فَإِذَا سَلَّمْتَ فَأَتِمَّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ نَقَصْتَ" حيث يظهر منها أنّ كيفية العلاج منحصرة بالبناء على الأكثر، فكيف يحتمل إرادة التخيير بينهما.

أقول: اثبات الشيء لا ينفي ما عداه فاذا صدر طريق أخر لامتثال امر المولى فالعبد يدرك امكان امتثال الامر بأحد الطريقين وهذا هو القاعدة في التعامل بين المثبتين.

ثالثاً: أنّ صحيحة زرارة كالصريح في نفي ذلك، حيث ورد فيها: "من لم يَدْرِ فِي أَرْبَعٍ هُوَ أَمْ فِي ثِنْتَيْنِ وَقَدْ أَحْرَزَ الثِّنْتَيْنِ قَالَ: يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ قَائِمٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ يَتَشَهَّدُ وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وإِذَا لَمْ يَدْرِ فِي ثَلَاثٍ هُوَ أَوْ فِي أَرْبَعٍ- وَ قَدْ أَحْرَزَ الثَّلَاثَ- قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ- وَلَا يَنْقُضِ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ- وَلَا يُدْخِلِ الشَّكَّ فِي الْيَقِينِ- وَلَا يَخْلِطْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ- وَلَكِنَّهُ يَنْقُضُ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ- وَيُتِمُّ عَلَى الْيَقِينِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ- وَلَا يَعْتَدُّ بِالشَّكِّ فِي حَالٍ مِنَ الْحَالاتِ".[3]

للاهتمام الأكيد والمبالغة التامّة المبذولة لنفي البناء على الأقل بعبارات مختلفة وفي فقرات متعدّدة، المتضمّنة لعدم ضمّ الركعة المشكوكة بالمتيقّنة، وأنّه لا يدخل الشكّ في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، وغير ذلك من الفقرات الستّ أو السبع، فانّ هذه العناية الخاصّة والتأكيد البليغ تنافي التخيير أشدّ المنافاة. ثم قال: فلا مناص من الالتزام بالمعارضة وعدم إمكان الجمع المزبور بوجه. هذا ملخص ما يستفاد من كلام صاحب الجواهر والسيد الخوئي الذي سلك مسلكه.

أقول: هذا الكلام يتم اذا اقتنع الخصم بدلالة الصحيحة على البناء على الأكثر ولكن ان قال انها تدل على البناء على الأقل حيث امر بقوله: "يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ" وكذلك قوله: "قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى" من دون ان يسبقه الامر بالتشهد والتسليم فكلامه موهم بإتيان الركعتين متصلا بصلاته، وقلنا ان الأمر بقراءة فاتحة الكتاب ليس قرينة على ان المراد إقامة صلاة مستقل لان العامة يرون افضلية قراءة فاتحة الكتاب في الركعة الثالثة والرابعة أيضا وقد يوجبون ذلك وقد ورد في رواياتنا أيضا افضلية اختيار فاتحة الكتاب للإمام وافضلية اختيار التسبيحات للمأموم. وقد ورد في هذا الشأن أكثر من رواية ولكن نكتفي بذكر واحدة منها نموذجاً:

وَبِإِسْنَادِهِ -الشيخ- عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ- فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ- فَقَالَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَنْ خَلْفَهُ يُسَبِّحُ- فَإِذَا كُنْتَ وَحْدَكَ فَاقْرَأْ فِيهِمَا وَإِنْ شِئْتَ فَسَبِّحْ".[4]

ثم ان ما ورد في صحيحة زرارة يميل على كون المراد البناء على الأقل فيستفاد من قوله: - وَلَا يَنْقُضِ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ- (أي مادام هو متيقن بركعتين لا يجعل المشكوك من ضمن صلاته ليبني على الأكثر) وَلَا يُدْخِلِ الشَّكَّ فِي الْيَقِينِ-(أي لا يدخل الركعتي الاخيرة المشكوكة في ضمن صلاته بالبناء على الأكثر) وَلَا يَخْلِطْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ (أي لا يخلط ركعتي الأخيرة المشكوكة بالأوليين المتيقنة) وَلَكِنَّهُ يَنْقُضُ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ (أي يكمل صلاته بإضافة ركعتين اليهما حتى يتيقن بإتيان جميع صلاته) وَيُتِمُّ عَلَى الْيَقِينِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ-(أي يتم صلاته بركعتين ويطمئن بها) وَلَا يَعْتَدُّ بِالشَّكِّ فِي حَالٍ مِنَ الْحَالاتِ" (أي يعتبر المشكوك كالمعدوم)

ثم قال: والذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحتين المتضمّنتين للبناء على الأقلّ موافقتان‌ لمذهب العامّة، لاستقرار رأيهم على العمل بالاستصحاب في باب الركعات فتحملان على التقيّة، فتبقى تلك النصوص المتضمّنة للبناء على الأكثر سليمة عن المعارض، فيتعيّن العمل بها كما عليه المشهور.

أقول: يمكن حمل ما ورد في صحيحة ابي بصير من قوله: - فَقُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ- ثُمَّ سَلِّمْ وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ- ثُمَّ سَلِّمْ بَعْدَهُمَا" ايضاً على صلاة الاحتياط المنفصلة ولو لم يصرح فيها بالانفصال. وهكذا ما فيي صحيحة بكير: قَالَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ (وَيُسَلِّمُ- ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) وَهُوَ جَالِسٌ"[5] . فان الامر بالقيام وصلاة ركعتين يناسب مع الانفصال أيضا نعم فيهما الامر بسجدتي السهو ولعل هذا الامر قد ورد لاستحباب سجدتي السهو لكل زيادة او نقيصة في الصلاة.

ملخص ما نستنتج من بحثنا ان قول المشهور مستندة بروايات صحاح واضحة المدلول حيث علل فيها البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط المنفصل ليكون جبرا للنقص اذا كانت الصلاة في الواقع ناقصة ونافلة اذا كانت كاملة وهذا لا يتم الا بالانفصال لان البناء على الأقل ثم اكمالها متصلة بركعتين او ركعة يوجب بطلان الصلاة للزيادة، ولذلك اذا كان المراد في هاتين الصحيحتين البناء على الأكثر فهما متوافقان لتلك الصحاح التي تدل على لزوم البناء على الأكثر والا لابد ان نحملهما على التقية وعلى كل حال ما عليه المشهور هو الاحوط بل الأقوى. وغداً ندخل في البحث عن المورد الرابع من الشكوك الصحيحة ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo