< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/حکم الشک بین الرکعات /الشک بین الثالث والاربع و الثانی والاربع

 

كان بحثنا في اليوم الماضي حول المورد الثاني من الشكوك الصحيحة وهو قول المصنف رضوان الله عليه: (الثاني: الشكّ بين الثلاث والأربع في أيِّ موضع كان، وحكمه كالأوّل إلّا أنّ الأحوط هنا اختيار الركعتين من جلوس، ومع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام).

قد أنهينا البحث الى هنا في فرعين من الشكوك الصحيحة وهما الشك بين الثانية والثالثة والشك بين الثالثة والرابعة وتم الكلام في لزوم البناء على الأكثر في كلا الفرعين وانما قلنا هناك روايتان ظاهرهما البناء على الأقل احداهما صحيحة زرارة وقد تعرضنا لها في اليوم الماضي وبقي علينا الثانية منهما وهي صحيحة محمّد بن مسلم واليك نصها:

وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: "إِنَّمَا السَّهْوُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَفِي الْأَرْبَعِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَمَنْ سَهَا فَلَمْ يَدْرِ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً وَاعْتَدَلَ شَكُّهُ، قَالَ: يَقُومُ فَيُتِمُّ ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَتَشَهَّدُ، وَيُسَلِّمُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ إِلَى الْأَرْبَعِ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ قَرَأَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ الثِّنْتَيْنِ- نَهَضَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ" [1] .

سندها صحيح الى محمد بن مسلم ولكن فيها مواقع للإشكال: أولا: الحديث منقول عن محمد بن مسلم وقوله ليس حجة يعتمد عليها، الا ان يقال: ما يقوله محمد بن مسلم ليس الا من الامام عليه السلام فيعتبر مثل هذه الرواية من المضمرات، ولكنه ليس الا تخرّص لا يعتمد به.

ثانياً: ما ورد فيها لا ينسجم مع الروايات الصحيحة ولا مع فتوى فقهاء الشيعة ولا فتوى فقهاء العامة، لانّ فيه جمع بين البناء على الأقل واكمال الصلاة، ثم الاتيان بصلاة الاحتياط وهذا ما لا يمكن الالتزام به، فلا نستطيع ان نأخذ بمضمونه ولابد ان نترك علمه الى من صدر عنه.

ثم قال السيد المصنف: (وحكمه كالأوّل إلّا أنّ الأحوط هنا اختيار الركعتين من جلوس، ومع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام).

أي يبني على الأكثر وهو مخيّر فيها بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس، لورود النصوص بكلّ من الكيفيتين. نعم، الأحوط هنا على خلاف الفرع السابق، اختيار الثاني كما ذكره في المتن، لكثرة النصوص الواردة في الركعتين من جلوس، وأحوط منه الجمع بين الأمرين عملًا بالنصّ الوارد في كلا النحوين. وهذا الاحتياط غير لازم لان المثبتين لا تنافي بينهما بل يفيدان الخيار ولا يحتمل فيها التعارض. نعم ان أراد الجمع فتقديم الجلوس على القيام مناسب للروايات الواردة في الشك بين الثلاثة والاربعة بخلاف الشك بين الاثنين والثلاثة.

قال المصنف رضوان الله عليه:

(الثالث: الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد الإكمال، فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام).

صحة هذا الشك منوط بان يطرأ الشك بعد اكمال السجدتين، لاعتبار إحراز الأُوليين وسلامتهما عن الشكّ كما مرّ.

وأمّا بعد الإكمال السجدتين فالمعروف والمشهور هو البناء على الأربع وإتمام الصلاة ثمّ الاحتياط بركعتين من قيام، كما عليه الماتن رضوان الله عليه.

ويدلّ عليه:

أولا: عمومات التي دلت على لزوم البناء على الأكثر عند الشك في الركعات.

وثانياً: هناك روايات خاصة تدل على هذا المعنى: منها: صحيحة الحلبي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً- وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلَى شَيْ‌ءٍ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ تَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْكِتَابِ ثُمَّ تَشَهَّدُ وَتُسَلِّمُ فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ كَانَتَا هَاتَانِ تَمَامَ الْأَرْبَعِ وَإِنْ كُنْتَ صَلَّيْتَ أَرْبَعاً كَانَتَا هَاتَانِ نَافِلَةً.[2]

ومثله صحيحة ابن ابي يعفور: وَعَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي رَكْعَتَيْنِ صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً؟ قَالَ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ- ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى أَرْبَعاً كَانَتْ هَاتَانِ نَافِلَةً- وَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ هَاتَانِ تَمَامَ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ" [3] هذا نفس مضمون صحيحة الحلبي الا انه بين حكما آخر وهو سجدتي السهو على فرض التكلم.

وقريب منهما: صحيحة زرارة وَعَنْهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَنْ لَمْ يَدْرِ فِي أَرْبَعٍ هُوَ أَمْ فِي ثِنْتَيْنِ- وَقَدْ أَحْرَزَ الثِّنْتَيْنِ- قَالَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ- وَهُوَ قَائِمٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ- وَيَتَشَهَّدُ وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ".[4]

وقريب منها: صحيحة زرارة الثانية وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَنْ لَمْ يَدْرِ فِي اثْنَتَيْنِ هُوَ أَمْ فِي أَرْبَعٍ- قَالَ يُسَلِّمُ وَيَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ- ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ.

وبنفس المعنى: صحيحة محمد بن مسلم: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ- فَلَا يَدْرِي رَكْعَتَيْنِ هِيَ أَوْ أَرْبَعٌ قَالَ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ- فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ- وَيَتَشَهَّدُ وَ َنْصَرِفُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ. [5] وغيرها.

هذه الروايات الصحاح دلت بوضوح على وجوب البناء على الأكثر والاتيان صلاة الاحتياط ركعتين قائماً لجبر النقص المحتمل.

ولكن هناك اقوال أخرى: قيل بالتخيير بينه وبين الاستئناف، وقيل بالتخيير أيضاً بينه وبين البناء على الأقلّ، وعن الصدوق في المقنع بطلان الصلاة قال فيه: (فإن لم تدر اثنتين صليت أم أربعا فأعد الصلاة، وروي سلم، ثمَّ قم فصل ركعتين ولا تتكلم، وتقرأ فيهما بأم الكتاب. فإن كنت صليت أربع ركعات كانتا هاتان نافلة، وإن كنت صليت ركعتين، كانتا هاتان تمام الأربع ركعات، وإن تكلمت فاسجد سجدتي السهو).[6]

نتعرض لهذه الاقوال ودراستها يوم السبت ان شاء الله.


[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص319، أبواب الخلل في الصلاة، باب11، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص219، أبواب الخلل في الصلاة، باب11، ح2، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo