< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/10/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/ احكام الشكوك/

 

قال المصنف: (مسألة 2): الشكوك الصحيحة تسعة في الرباعية: أحدها: الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين فإنّه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس، والأحوط اختيار الركعة من قيام، وأحوط منه الجمع بينهما بتقديم الركعة من قيام، وأحوط من ذلك استئناف الصلاة مع ذلك، ويتحقّق إكمال السجدتين بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية على الأقوى، وإن كان الأحوط إذا كان قبل رفع الرأس البناء ‌ثمّ الإعادة، وكذا في كلّ مورد يعتبر إكمال السجدتين).

قد بحثنا في اليوم الماضي في الشك بين الإثنين والثلاث وعلمنا اذا طرء الشك بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الثانية فعليه ان يبني على الأكثر ثم يكمل صلاته ثم يأتي بركعة احتياطا عن قيام او ركعتين عن جلوس مستندا الى عدة الروايات بين صحاح وموثقات وبين الدالة بالنص والدالة بالإطلاق، كما أشرنا الى قول القائل بالبناء على الأقل ومناقشة ادلتهم ونكتفي بهذا المقدار.

انما هناك قول بالتخيير بين البناء على الأقل والبناء على الأكثر ومستنده فقه الرضا علیه السلام واليك نص كلام الموجود فيه بهذا الصدد: (وإن شككت فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا وذهب وهمك إلى الثالثة‌ فأضف إليها الرابعة، فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها، وإن ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه، وتشهد في كل ركعة ثم اسجد سجدتي السهو بعد التسليم، ‌وأن اعتدل وهمك فأنت بالخيار فإن شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة وإن شئت بنيت على الأكثر وعملت ما وصفناه لك) [1]

وهذا الکتاب قد ناقشناه سابقا في استناده الى الامام الرضا عليه السلام لضعف الاستناد وضعف المضمون ووجود بعض الاحكام التي تخالف ضرورة فقه الشيعة وبعض ما يوجب الاطمئنان بعدم صدوره عن الامام عليه السلام.ولا اقل انه لا يثبت كونه للإمام الرضا عليه السلام. ومن المحتمل القريب ان أصل هذا الكتاب هو الذي الفه والد الصدوق وهو كان اسمه أبو الحسن علي بن موسى، وكان امام الرضا أيضا هو ابوا الحسن علي بن موسى فاشتبه الامر، وقد صرح بهذا الاحتمال في رياض العلماء للميرزا عبد الله الافندي الاصفهاني التبريزي ذكر عدة من الكتب التي مؤلفيها مجهولة وقال: (وأما الفقه الرضوي فقد مر في ترجمة السيد أمير حسين أن الحق انه بعينه كتاب الرسالة المعروفة لعلي بن موسى بن بابويه القمي الى ولده الصدوق محمد بن علي، و ان الاشتباه قد نشأ من اشتراك الرضا «ع» معه في كونهما أبا الحسن علي بن موسى. فتأمل). [2]

لا يخفى ان الصدوق كان: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي فالصدوق ابوه هو علي بن الحسين بن موسى وقد يطلق عليه علي بن بابويه بحذف الاب والجد فينسب الى الجد الأعلى لشهرته وقد كان ينسب بجده موسى و يشتبه بإمام الرضا عليه السلام وهو أبو الحسن علي بن موسى عليهما السلام كما كان يطلق على الامام الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام ابن الرضا فكان من المتعارف نسبة الحفيد الى جده المعروف ولذلك هذا الاشتباه في قضية الكتاب ليس ببعيد كما ان كثير من احفاد اما موسى بن جعفر عليه السلام مدفونون في بلاد مختلفة ويشتبه الامر الناس فيزعمونهم اخوة للإمام الرضا عليه السلام. وكان كتاب الذي الفه الشيخ والد الصدوق لولده محمد بن علي بن حسين سمى ب "شرائع ابن بابوية".

وقال المجلسي: (والسيد امير حسين بن حيدر العاملي الكركي "سبط المحقق الثاني" هو ثقة جليل وقد أخبر ان ثقتين من اصحابنا قد أخبراه بان كتاب المذكور هو للإمام الرضا عليه السلام).

وهذا الكلام أيضا ليس حجة لان الرجلين الذين وثقهما السيد امير حسين مجهولان اسماً والتوثيق اذا كان لشخص معلوم فو حجة لمن جهل بأمر الموثوق له ولكن اذا لم يسمّ فالتوثيق ليس حجة بالنسبة اليه فلعل لو عرف اسمه كان يعرفه بعدم الوثاقة ولذا لا يعتمد بتوثيق من لم يسمّى فنأمل. ويظهر من صاحب الوسائل عدم اعتماده بنسبة الكتاب الى امام الرضا عليه السلام لأنه قد يروي عنه ولكن لم يذكره في عداد مصادر الوسائل، ولعل هذا الاعراض منه ناشئ عن عدم قناعته بكون الكتاب للإمام الرضا عليه السلام.

نعم في صدر الكتاب عبارة تفيد انه لإمام الرضا عليه السلام وهو قوله: "يقول عبد الله علي بن موسى الرضا أما بعد إن أول ما افترض الله على عباده" [3] وجاء في آخر الكتاب بعد ما يذكر بعض مسائل العقيدة، قال: "فهذا من عدل الله تعالى في عباده جل جلاله وعظم شأنه وأنا وأصحابي أيضا عليه وله الحمد والرضا‌" [4] ومثله يوجد في مطاوي بعض مطالبه مثلا عند ما يذكر الاغسال في ليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان قال: "هي التي ضرب فيها جدنا امير المؤمنين" وغيرها من العبارات.

ثم على فرض وجود كتاب له عليه السلام، لا يثبت انه هو ذاك الكتاب ولو ثبت لا يمكن الاعتماد على النسخة التي عندنا بالنسبة الى مفردات الواردة فيه، لأنّه ليس له سند الى المؤلف فلعل هذه النسخة الموجودة محرفة ومندسة فيها ما ليس من كلام الامام عليه السلام، دُسّ فيه عمدا من قبل الأعداء او سهوا من الموالي والأحبّاء فتأمل جيدا. فلا يثبت التخيير في البناء على الأقل والأكثر عند تساوي الوهم.[5]

اما قول المصنف: (ثمّ يحتاط بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس، والأحوط اختيار الركعة من قيام، وأحوط منه الجمع بينهما بتقديم الركعة من قيام، وأحوط من ذلك استئناف الصلاة مع ذلك)،

اما الاحتياط بركعة من قيام لان كل الروايات التي وردت في الشك بين الإثنين والثلاث ذكروا ركعة عن قيام كموثّقة عمّار: «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين، متى شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» [6] ومظنون النقص كان ركعة قائمة وكذا موثقته الأُخرى: «... إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت وسلمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ...»[7]

وصحيحة العلاء المرويّة في قرب الإسناد قال «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة، قال: يبني على اليقين، فاذا فرغ تشهّد وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن» [8] في سنده محمّد بن خالد الطيالسي لم يرد له توثّق في كتب الرجال لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات فالسند على هذا المبنى صحيح. وفيها النص بالقيام.

أيضاً صحيحة زرارة: «رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» [9] بدعوى أنّ المراد بالأُخرى هي صلاة الاحتياط كما حملها عليها في الوسائل.

اما وجه التخيير: فالمشهور ذهبوا إلى التخيير بينها وبين الركعتين من جلوس، استناداً إلى القطع بعدم الفرق بين المقام وبين الفرع الآتي أعني الشكّ بين الثلاث والأربع، فبعدم القول بالفصل بين المقامين والإجماع المدّعى على تساوي الحكم في البابين يستفاد التخيير بين ركعة قائمة او ركعتين عن جلو

ولكنّ هذا الوجه كما ترى لا يجدي بمجرّده في التعدّي عن ذاك المقام، ولعلّ هناك خصوصية لا نعرفها. والوجه الوجيه الذي يفيد الجواز بركعتين عن الجلوس: هو أنّ المصلّي بعد ما بنى في المقام على الثالثة وأتى بالركعة الأُخرى، فبعد الإتيان بها ينقلب شكّه عندئذ من الثنتين والثلاث إلى الثلاث والأربع بطبيعة الحال، ويشكّ فعلًا في أنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة، فيندرج حينئذ في صغرى الفرع الآتي. اما الاحتياط بالجمع فرعاية للخلاف الذي نسبه العلامة في المختلف إلى العماني. [10] ونسبه الشهيد في الذكرى الى الجعفي [11] حيث حكي عنهما تعيّن الركعتين من جلوس، أمّا الاحتياط بالإعادة فمستنده الخروج عن خلاف من حكم بالبطلان في المسألة استناداً إلى صحيحة عبيد ونحوها.

أقول: الفتوى بهذه الاحتياطات المتعددة يخالف مصلحة تشريع طرق العلاج لان العلاج لطف من المولى ليعفوه عن الإعادة. مضافا الى ان حرمة نقض الصلاة كما ذكرناها سابقا هو رعاية كرامة الصلاة وعدم التهاون بها ويظهر هذا الامر بملاحظة موارد التي ورد فيها التصريح بجواز النقض فهنا أيضا اذا أراد ان يطمئن بأداء ما عليه من الصلاة فالإستأناف يكفيه ولا حاجة الى معالجة الصلاة بركعات الاحتياط. والعلم عند الله.


[5] من يرغب بالتوسع في تحقيق الكتاب واقوال العلماء فيه فليراجع الى مقدمة التحقيق ص11 لمطبوع هذا الكتاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo