< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک /الشکوک التی توجب بطلان الصلاة

 

قال السیدالیزدی: (مسألة 1): الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة ثمانية: أحدها: الشكّ في الصلاة الثنائيّة كالصبح وصلاة السفر. الثاني: الشكّ في الثلاثيّة كالمغرب. الثالث: الشكّ بين الواحدة والأزيد. الرابع: الشكّ بين الاثنتين والأزيد قبل إكمال السجدتين. الخامس: الشكّ بين الاثنتين والخمس أو الأزيد وإن كان بعد الإكمال. السادس: الشكّ بين الثلاث والستّ أو الأزيد. السابع: الشكّ بين الأربع و الست أو الأزيد. الثامن: الشكّ بين الركعات بحيث لم يدر كم صلّى).

فی الیوم الماضی کان بحثنا فی المورد الخامس: من الشکوک المبطلة للصلاة وهو: (الشكّ بين الاثنتين والخمس أو الأزيد وإن كان بعد الإكمال).

وذكرنا دليل قول المشهور على بطلان الصلاة. ثم ذكرنا قول المخالف بلزوم البناء على الأقل مستندا على الاستصحاب والمناقشات التي وردت على جريان الاستصحاب وردودها.

وفي الأخير ذكرنا استدلال احد اعلام العصر لرد على الاستصحاب بإطلاق صحيحة صفوان عن ابي الحسن عليه السلام: "قال: إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة»[1] حيث ادعى ان قوله "ان كنت لا تدري كم صليت" يشمل جميع الشكوك في الركعات وخرج منها الموارد التي ورد النص على لزوم البناء على الأكثر حيث يعالج الصلاة فيها بالتفصيل الذي ذكر في محالّه ومورد واحد ورد فيه البناء على الأقل وهو الشك بين الرابعة والخامسة بعد اكمال السجدتين بالبناء على الرابعة وسجدتي السهو، والباقي كلها تحت حكم هذه الصحيحة محكومة بالبطلان والاصل المستفاد من هذه الصحيحة هو البطلان، فلا يبقى دور للاستصحاب بالبناء على الأقل وتصحيح الصلاة بإكمالها على التفاصيل المذكورة.

ثم قال رضوان الله علیه: (وقد يقال بقصور الصحيحة عن الشمول للمقام، لاختصاصها بموارد لم يدر كم صلّى، بحيث كان شاكّاً في عدد الركعات رأساً ولم يكن حافظاً أصلًا، وهو الذي عنونه الفقهاء في رسائلهم العمليّة وعدّوه من أحد الشكوك المبطلة مستقلا وأشار إليه الماتن في المبطل الثامن، فلا تعمّ مثل المقام ممّا يعلم كم صلّى ويتردّد بين الثنتين والخمس مثلًا).

ثم ینفی هذه الشبهة بقوله: (وفيه: أنّ فرض الجهل البحت بحيث لم يدر عدد الركعات رأساً ولم يكن متيقّن في البين أصلًا غير معقول الوقوع خارجاً، فان كلّ مصلّ شاكّ في العدد فهو عالم لا محالة بالقدر المتيقّن ولو كانت الواحدة، فيرجع هذا الشكّ إلى أحد الشكوك المبطلة، ولا أقلّ إلى الشكّ بين الواحدة والأزيد الذي هو الثالث من أقسام الشكوك المبطلة كما مرّ، فلا يكون هذا عنواناً مستقلا قبال بقيّة الشكوك وإن عنونه الفقهاء كذلك، فانّ من شكّ بين الواحدة والثنتين والثلاث والأربع وهكذا ولم يدر كم صلّى فهو عالم لا محالة بالتلبّس بالواحدة، فيرجع إلى الشكّ بينها وبين الأزيد كما عرفت. وعليه فلا يمكن تخصيص الصحيحة بتلك الصورة غير المعقولة، بل هي عامّة لمطلق الشكوك المتعلّقة بمطلق الركعات، خرج ما خرج وبقي الباقي الذي منه المقام، إذ لم يثبت خروجه، لعدم الدليل عليه لا خصوصاً ولا عموماً، فيبقى تحت الإطلاق المقتضي للبطلان).

اقول: ان اطلاق صحیحة صفوان او عدم اطلاقها يعود الى ان قوله "ان كنت لا تدري كم صليت" هل كان النفي بنحو العام المجموعي؟ فلا اطلاق له، وان كان النفي بنحو العام البدلي؟ فيفيد الاطلاق. والظاهر هو الأول وان لم نطمئن على أحد الوجهين: فالنتيجة تابعة لأخس المقدمات، فلا يمكن استفادة الاطلاق منه، والأقرب كما فهمه صاحب الوسائل وسائر الفقهاء هو بنحو العام المجموعي فلا يمكن ان نستفيد منها ان كل شك طرء على ركعات الصلاة فهو موجب لبطلان الصلاة.

ومن الروايات التي استدلوا به لجواز البناء على الأقل في موضوعنا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وعلي عن أبي إبراهيم (عليه السلام): والیک نصها: الشیخ عن احمد بن محمد عَنِ النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع﴿في السهو في الصلاة، فقال: تبنى على اليقين وتأخذ بالجزم، وتحتاط الصلوات كلّها﴾[2] ویستفاد منها بناءً على ان نقول أنّ المراد‌ من اليقين هو ما یتیقن اتیانه وهو الرکعة الثانیة التي هي الجانب الأقلّ في اطراف الشك، فإنّه المتيقّن المجزوم به.

ویرد علیه: بان سیاق الحدیث لا يلائم مع الأخذ بالأقل، لعدم مناسبته مع الاحتياط الذي أمر بمراعاته في الصلوات كلّها، فإنّ البناء على الأقلّ يوجب عليه ان يكمل صلاته بركعتين مما يحتمل فيه زيادتهما وهو خلاف الاحتياط. فالمراد من اليقين هو حصول الیقین بالبراءة عن التکلیف الذی کانت ذمته مشتغلة به، والاخذ باليقين أحيانا يحصل بإعادة الصلاة، وفي بعضها يحصل بالبناء على الآکثر، كالشكوك الصحيحة التی ورد لها النص بالبناء على الأکثر، ثم معالجتها بركعة مفصولة وهي صلاة الاحتياط، فهذا عمل يقطع معه بفراغ ذمّته وصدور صلاة صحيحة عنه مطابقة لما امر به الشارع المقدس او تقوم علیه الحجة. وهو البناء على الأكثر الذي أُشير إليه في رواية عمّار بقوله (عليه السلام): والیک نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ عِيسَى عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى السَّابَاطِيِّ قَالَ:"سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ- فَقَالَ أَ لَا أُعَلِّمُكَ شَيْئاً إِذَا فَعَلْتَهُ- ثُمَّ ذَكَرْتَ أَنَّكَ أَتْمَمْتَ أَوْ نَقَصْتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ- قُلْتُ بَلَى قَالَ إِذَا سَهَوْتَ فَابْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ- فَإِذَا فَرَغْتَ وَسَلَّمْتَ فَقُمْ فَصَلِّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ نَقَصْتَ- فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَتْمَمْتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ شَيْ‌ءٌ- وَإِنْ ذَكَرْتَ أَنَّكَ كُنْتَ نَقَصْتَ- كَانَ مَا صَلَّيْتَ تَمَامَ مَا نَقَصْتَ..» إلخ [3] فی سندها لم يرد توثيق لموسى بن عيسى والباقي بين صحيح وموثق. اما الدلالة فدلّ الامام عليه السلام الى ما يحصل به العلم بفراغ الذمة واليقين بالبراءة بهذه الكيفية. وقد عرفت فيما مرّ أنّ البناء على الأكثر خاصّ بموارد يحتمل الصحّة لدى البناء عليه، فلا يشمل المقام. لان البناء على الاکثر بناء على ما هو الباطل لزيادة ركعة اليها، وعلى أي تقدير صحيحة عبد الرحمن أجنبية عن الدلالة على البناء على الأقلّ.

و مما استدل به على البناء على الاقل موثّقة إسحاق بن عمّار: قال «قال لي أبو الحسن الأوّل (عليه السلام): «إذا شككت فابن على اليقين، قال قلت: هذا أصل؟ قال: نعم»[4] .

إذ فيه أوّلًا: أنّ الموثّقة لم ترد في خصوص باب الشكّ في الركعات، بل في مطلق الشكّ فيما كان على يقين منه، فهي من أخبار باب الاستصحاب، نظير قوله (عليه السلام): "من كان على يقين فشك فليمض على يقينه، فانّ الشك لا ينقض اليقين" [5] .

و ثانياً: مع الغضّ عن ذلك فالمراد باليقين هو اليقين بالبراءة كما مرّ في الرواية‌ السابقة، دون الأقلّ الذي يتيقن باتيانه، وللبحث تتمة نتابعها غدا ان شاء الله


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo