< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/07/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا استقرّ عليه الحجّ بأن استكملت الشرائط

 

(مسألة81): إذا استقرّ عليه الحجّ بأن استكملت الشرائط وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها صار دَيناً عليه، ووجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن، وإن مات فيجب أن يُقضى عنه إن كانت له تركة، ويصحّ التبرّع عنه ... [1]

قال المصنّف (قده): إذا استقرّ عليه الحجّ واستكملت الشرائط بأن تحقّقت الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية، وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها صار الحجّ دَيناً عليه، ويجب عليه الإتيان به بأيّ وجه تمكّن، وإن مات فيجب أن يُقضى عنه من أصل تركته إن كانت له تركة، ويصحّ التبرّع عنه.

في هذه المسألة فروع متعدّدة:

الأوّل:

إذا استقرّ عليه الحجّ واستكملت الشرائط بأن تحقّقت الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية، فقد وجب عليه الحجّ لشمول خطاب ﴿ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إلىه سبيلا﴾[2] له، وإذا أهمل ولم يحجّ حتّى زالت الاستطاعة أو زال بعضها صار الحجّ دَيناً عليه لله؛ لاشتغال ذمّته بذلك.

وفيه: هذه الفتوى صحيحة إلّا أنّ التعبير غير جيّد؛ لأنّه إذا تحقّقت الاستطاعة ولم يحجّ فقد اشتغلت الذمّة بالحجّ سواء زالت الاستطاعة أو لم تزل، ولا وجه لتقييد الاشتغال بزوال الاستطاعة.

الثاني:

إذا اشتغلت ذمّته بالحجّ وأهمل ولم يحجّ حتّى زالت الاستطاعة يجب عليه الإتيان به بأيّ وجه تمكّن، ولكنّ الحكم بأنّه يجب عليه الإتيان به «بأي وجه تمكّن» غير موافق لمقتضى القاعدة؛ لأنّ الحكم تابع للموضوع، فإذا زال موضوع وجوب الحجّ وهو الاستطاعة، زال الحكم، نظير ما لو زال موضوع وجوب القصر وهو المسافر بزوال السفر، أمّا مع ذلك، نقول بأنّه يجب عليه الإتيان بالحجّ «بأيّ وجه تمكّن» سواء بقيت الاستطاعة أو زالت، ويمكن الاستدلال على ذلك بالنصوص التي تدلّ على أنّ الذي وجب عليه الحجّ ولم يحجّ فليمت يهودياً أو نصرانياً كما في صحيحة ذريح المحاربي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «ومَن مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً» [3] ، وما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، قال: «مَن مات ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً» [4] ، وكذا يمكن الاستدلال عليه بنصوص التسويف كما في صحيحة زيد الشحّام، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): التاجر يسوّف الحجّ، قال: ليس له عذر، فإن مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» [5] وغيرها من النصوص الدالّة على وجوب الإتيان بالحجّ، لاشتغال الذمّة به وإن تركه فقد مات يهودياً أو نصرانياً أو ترك شريعة من شرائع الإسلام.

وقد أفاد المحقّق الخوئي (قده) بأنّ الحكم بوجوب الإتيان به ولو بعد زوال الاستطاعة مستفاد من النصّ وهو دليل جديد غير الوجوب الناشئ من الآية الشريفة، فحاله حال سائر التكاليف الإلهية التي ترتفع بالحَرَج أو بزوال العقل، ولذا لا يمكن الالتزام بوجوب الإتيان به «بأيّ وجه تمكّن» حتّى في صورة الحَرَج أو زوال العقل؛ لأنّ الحَرَج وكذا زوال العقل يرفع التكاليف الشرعية [6] .

ويردّ عليه: وإن كان الالتزام مستفاد من النصّ وهو دليل جديد إلّا أنّه لا يرتفع بالحرج؛ لأنّ النصوص تدلّ على أنّ من استطاع وأهمل ولم يحجّ ثمّ زالت الاستطاعة فعليه أن يحجّ ولو متسكّعاً أو ماشياً أو على حمار أجذع أبتر، مضافاً إلى أنّ مفاد بعضها لزوم إتيان الحجّ على المستطيع الذي أهمل ولم يحجّ سواء بقيت الاستطاعة أو لا وإذا تركه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام كما في صحيحة زيد الشحّام المتقدّمة وغيرها. وبناء على ذلك، فإنّ الالتزام بوجوب الإتيان «بأيّ وجه تمكّن» بعد زوال الاستطاعة غير مقيّد بعدم الحرج، لدلالة النصوص على ذلك، فإنّ كلّ تكليف شرعي مقيّد بالحرج إلّا مَن استقرّ عليه الحجّ وأهمل ولم يحجّ.

نعم، إذا زال العقل لا نحكم بوجوب إتيان الحجّ.

الأمر الثالث:

إذا مات مَن استقرّ عليه الحجّ يجب أن يُقضى عنه من صلب المال إن لم يوص به من الثلث لدلالة النصوص المعتبرة على أنّ الحجّ دَين لله، وأنّ المستفاد من اللام وعلى في قوله تعالى: ﴿ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إلىه سبيلا﴾[7] هو كون الحجّ دَين لله، ودَين الله أحقّ بالقضاء، بل يظهر من بعض الأدلّة تقدّم الحجّ على سائر الديون كما في صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لرجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ويترك مالاً؟ قال: عليه أن يُحجّ من ماله رجلاً صرورة لا مال له» [8] .

وصحيحة محمّد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، يحجّ عنه؟ قال: نعم» [9] .

وصحيحة رفاعة، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها، أتقضى عنه؟ قال: نعم» [10] .

وحينئذ يصحّ التبرّع عنه ويسقط الحجّ عن ذمّته بذلك؛ لأنّ الاستئجار كان لأجل تفريغ الذمّة فهكذا يكون في التبرّع.

وقد وافق المحقّق الخوئي (قده) ذلك فقال: ويصحّ التبرّع عنه ويسقط الحجّ عنه بذلك لعدم الدليل على لزوم الاستئجار من ثلثه وإنّما يلزم الاستئجار لتفريغ ذمّته فإذا أتي به متبرّع عنه فقد حصل الفراغ [11] .

ولكنّه استشكل ـ في مسألة 72 ـ في صحّة إجزاء الحجّ التبرّعي عمَّن استقرّ عليه أو لم يستقرّ عليه وكان موسراً من الناحية المالية ثمّ عرض له مانع من إتيان الحجّ المباشري لمرض أو حصر لم يرج زواله ونحو ذلك، فقال: إنّ الظاهر عدم الإجزاء؛ لأنّ المستفاد من النصوص أن يكون الإحجاج والإرسال والتجهيز إلى الحجّ مستنداً إلى المنوب عنه بالتسبيب، وهذا لم يصدق على الحجّ التبرّعي حيث إنّ المنوب عنه لم يجهّز مَن يحجّ عنه فلا يكون حجّ المتبرّع مستنداً إليه بالتسبيب، ولم يستشكل ذلك في المقام.

ولكنّ الصحيح كما تقدّم في تلك المسألة انتصاراً للمصنّف (قده) صحّة الحجّ التبرّعي عمَّن استقرّ عليه الحجّ أو لم يستقرّ وكان موسراً ثمّ أهمل ولم يحجّ وبعد ذلك لم يتمكّن من المباشرة؛ لأنّ الإحجاج والتجهيز إلى الحجّ هو لأجل تفريغ ذمّة المنوب عنه، فيكون مُجزياً عن حجّة الإسلام إذا لم يتمكّن من المباشرة، وكذلك يكون في المقام (فإنّ الرواية القائلة يحجّ عنه رجلاً صرورة من أصل التركة، فإنّها لا تدلّ على لزوم أن يُخرج من مال الميّت مبلغاً لأجل الحجّ بل هو طريق لتفريغ الذمّة فيجوز التبرّع عنه). وبناء على ذلك بعد ما كان الحجّ التبرّعي لأجل تفريغ ذمّة المنوب عنه فلا يوجد فرق بين المسألتين ويقع حجّ المتبرّع صحيحاً ويكون مُجزياً عن المنوب عنه ويسقط التكليف عن ذمّته سواء كان غير متمكّن من المباشرة أو مات ولم يأت به.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo