< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک فی الصلاة /المسألة الاحدی عشرة

قد انتهینا عن البحث فی المقطعين من المسألة العاشرة واليوم نريد ان نتناول بالبحث آخر مقطع من هذه المسألة، قال المصنف: (والظاهر عدم الفرق بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء أو مقدّماتها فلو شكّ في الركوع أو الانتصاب منه بعد الهويِّ للسجود لم يلتفت نعم لو شكّ في السجود وهو آخذ‌ في القيام وجب عليه العود، وفي إلحاق التشهّد به في ذلك وجه إلّا أنّ الأقوى خلافه فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت، والفارق النصّ الدالّ على العود في السجود، فيقتصر على مورده ويعمل بالقاعدة في غيره).

قد فرغنا من الدليل على قول السيد رضوان الله عليه على اجراء قاعدة التجاوز لمن انتقل من شيء الى غيره مطلقا وانما خصصت صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبدالله عن جريان قاعدة التجاوز من نهض الى القيام ثم شك في السجود فعليه ان يعود الى السجود، لكن لنفس الراوي صحيحة أخرى تفيد عدم العود والبناء على انه اتى بالسجود وهي:

ما رواه الشيخ عَنْهُ -سعد بن عبد الله- عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: رَجُلٌ أَهْوَى إِلَى السُّجُودِ- فَلَمْ يَدْرِ أَ رَكَعَ أَمْ لَمْ يَرْكَعْ قَالَ قَدْ رَكَعَ" [1] . فجواب الامام بقوله "ركع" أي يبني على انه ركع وليس عليه شيء ولكن في الرواية السابقة ورد: "فَرَجُلٌ نَهَضَ مِنْ سُجُودِهِ- فَشَكَّ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِماً فَلَمْ يَدْرِ أَ سَجَدَ أَمْ لَمْ يَسْجُدْ؟ قَالَ يَسْجُدُ" [2] يسجد بصيغة المضارع يفيد الامر فمعناه عدم جريان قاعدة التجاوز ولذلك جعل البعض منهم صاحب العروة، ان هذا الحديث مخصص لموارد جريان قاعدة التجاوز.

ولكن السيد الخوئي حيث ذهب الى ان الغير المنتقل اليه هو جزء الصلاة الذي يأتي بعد المشكوك ولم يعمم القاعدة لمقدمات الأجزاء، حاول ان يثبت ان معنى الحديث ليس التخصيص بل هو منطبق على نفس القاعدة بقوله: (الظاهر عدم التخصيص، وأنّ هذه الصحيحة أيضاً مطابقة للقاعدة لأنّ المذكور فيها لفظة «أهوى» بصيغة الماضي، و مفاده تحقّق الهوي إلى السجود المساوق لحصول السجود خارجاً، فإنّه مرادف لقولنا سقط إلى السجود، الملازم لتحقّقه، فيكون موردها الشكّ في الركوع بعد الوصول إلى السجود، الذي هو مورد لقاعدة التجاوز بلا كلام. فلا تدلّ على جريان القاعدة وعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع حال الهويّ ولو لم يصل إلى السجود.

نعم، لو كان التعبير هكذا: يهوي إلى السجود، بصيغة المضارع كان مفاده المعنى المذكور، لظهور هذه الهيئة في التلبّس دون التحقّق كما لا يخفى. ومراجعة الاستعمالات العرفية تشهد بصدق ما ادّعيناه من الفرق بين الماضي والمضارع فانّ معنى قولنا: "زيد صلّى" تحقّق الصلاة والفراغ منها، بخلاف قولنا: "زيد يصلّي" فانّ مفاده أنّه مشغول بالصلاة ولم يفرغ بعد عنها)

أقول: ما قاله السيد الخوئي: (مفاده تحقّق الهويّ إلى السجود المساوق لحصول السجود خارجاً، فإنّه مرادف لقولنا سقط إلى السجود، الملازم لتحقّقه) هذا الكلام خلاف الظاهر فلا ترادف بين القولين ابداَ هوي عبارة عن حالة النزول قبل الوصول والمقيس عليه من قوله: "زيد صلى" قياس مع الفارق ففي المقيس عليه تحقق الصلاة وفي المقيس تحقق الهويّ الى السجدة لا السجدة نفسها. فلابد ان نعترف بان صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله مخصصة لمجرى قاعدة التجاوز في مورد من نهض عن السجود ثم شك في اتيانه فيجب عليه العود الى السجود ويعتني بشكه.

الى هنا فرغنا من المقطع الأخير من المسألة العاشرة وقد وافقناه في هذا المقطع دون اشكال، فندخل في المسألة بعدها، قال السيد اليزدي رضوان الله عليه:

(مسألة 11): الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار، فمن كان فرضه الجلوس مثلًا وقد شكّ في أنّه هل سجد أم لا وهو في حال الجلوس الذي هو بدل (1) عن القيام‌ لم يلتفت (2) وكذا إذا شكّ في التشهد، نعم لو لم يعلم أنّه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو جلوس للسجدة أو للتشهّد وجب التدارك (3) لعدم إحراز الدخول في الغير حينئذٍ).

تعليقات:

(1) قال الشيخ النائيني: (لا يكون الجلوس بدلًا عن القيام إلّا إذا اشتغل بالقراءة أو التسبيحات لا فيما قبله).

وقال السيد البروجردي: (لا يكون الجلوس بدلًا عن القيام إلّا بالشروع في القراءة أو التسبيحات وحينئذٍ يحصل التجاوز بها لا به).

وقال الشيخ كاشف الغطاء: (يمكن أن يقال إنّ الجلوس هنا لا يتعيّن كونه بدلًا عن القيام إلّا بالقراءة أو التسبيح فيكون التجاوز بها لا به فليتأمّل ثمّ لو وجب التدارك فليس هو لعدم إحراز الدخول في الغير بل لإحراز عدم الدخول ولو بالاستصحاب).

وقال الشيخ آل ياسين: (مجرّد قصد البدلية غير كافٍ ما لم يشرع بقراءة ونحوها على الأقوى). (2) قال الإمام الخميني: (فيه وفيما بعده إشكال).

وقال السيد الخوئي: (بل يجب الالتفات ما لم يشتغل بالقراءة أو نحوها).

وقال السيد الگلپايگاني: (بدلية الجلوس عن القيام في الحكم المذكور محلّ تأمّل بل منع فان اشتغل بالقراءة أو التسبيحات ثمّ شكّ فيها لم يلتفت وإلّا فالأقوى إجراء حكم الشكّ في المحلّ عليه).

(3) قال السيد الخوانساري: (لا يترك الاحتياط بالتدارك رجاءً ثمّ إعادة الصلاة في صورة كون المتدارك السجدة).

وقال الشيخ الحائري: (بل لإحراز عدم الدخول في الغير بواسطة الأصل).

في هذه المسألة يكون البحث في انه: هل تخصّ قاعدة التجاوز بالأجزاء الأصلية، التي يأتي بها المختار او يشمل الأجزاء التي يأتي بها المعذور في صلاته الاضطرارية بدلا مما هو معذور عنه؟ كالجلوس للمعذور عن القيام بدلًا عن القيام؟ فلو دخل‌ في هذا البدل وشكّ في الجزء السابق فهل تجري القاعدة حينئذ أو لا؟ ان المصنف قوّى جريان اجراء احكام التي تجري في صلاة المختار في صلاة الاضطرارية أيضا فجعل الصلاة الاضطرارية مجرى قاعدة التجاوز ايضاً. استناداً إلى إطلاق أدلّة قاعدة التجاوز، لان دليل وجوب الصلاة الاضطرارية للعاجز يجعلها بديلا عن الصلاة الاختيارية والبديل كالأصيل فعند ما يقول الامام عليه السلام في صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» وكذا ما يقوله الامام عليه السلام في صحيحة إسماعيل بن جابر: «كل شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه». فالمخاطب فيهما المصلي فلو كانت وظيفته الإيماء إلى الركوع فأومأ إليه وعند ذلك شكّ في القراءة أو أومأ إلى السجود فشكّ في إيمائه للركوع، أو كان عاجزاً عن القراءة فكانت وظيفته الانتقال إلى البدل وهو الإتيان بما تيسّر من القرآن، فأتى به وبعده شكّ في التكبير، لا ينبغي التأمّل في جريان القاعدة حينئذ، وليست كبرى هذه المسألة مورد للخلاف عند الفقهاء.

إنّما الخلاف في مصاديق الكبرى صغرياتها ولذا كل التعليقات على هذه المسألة كانت متوجهة الى الصغرى، والمصنف في هذه المسألة ذكر فرعين:

الفرع الأول: ما اذا كان المصلي العاجز في حال الجلوس يدري لماذا جلس هل جلس بدلا عن القيام او جلس ليسجد بعد الركوع او جلس بين السجدتين فاذا شك لإتيان ما سبقه يبني على الاتيان.

هنا اشكلوا عليه بان مجرد الجلوس بقصد ان يكون بدلا من القيام لا يجعله بدلا وانما يصبح بدلا عن القيام إذا دخل في القراءة او في التسبيحات. ومادام لم يدخل الى القراءة او التسبيحات خرج عنما قبلها من السجود فعلا او ايماءً ولم يدخل بعد الى الغير حتى يقرء او يسبح. فإنّ العبرة في جريان القاعدة بواقع التجاوز، لا بالبناء عليه واعتقاده.

وقد ذكر السيد الخوئي شرطا آخرا بقوله: (كما أنّ الجلوس إنّما يكون بدلًا عن القيام ويتحقّق معه التجاوز فيما لو كان مسبوقاً بالتشهّد وبالسجدتين واقعاً)،[3] وهذا منه غفلة لان المفروض انه شاك في إتيان وظيفة السابقة ليكون مجرى لقاعدة التجاوز فاشتراط سبق السجدتين والتشهد قبلها واقعا رافع لموضوع قاعدة التجاوز فتأمل جيداً.

والفرع الثاني: انّه إذا لم يدر ان جلوسه لأي منها فأفتى بلزوم إتيان ما يشك فيه لعدم احراز الدخول في الغير. لان المتجاوز عنه غير معلوم وبما ان المتجاوز عنه غير معلوم فالداخل فيه أيضا غير معلوم فلا يمكن التدارك الا بإعادة الصلاة وقد تمسك البعض بالاستصحاب عدم كل ما يشك فيه فعنده اذا احراز تعبدي بعدم إتيان جميع ما سبق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo