< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک فی الصلاة /تتمئ البحث فی المسألة العاشرة

 

کان بحثنا فی المسألة العاشرة حيث قال السيد في المقطع الأول في كلامه : (إذا شكّ في شي‌ء من أفعال الصلاة فإمّا أن يكون قبل الدخول في الغير المرتّب عليه، وإمّا أن يكون بعده، فإن كان قبله وجب الإتيان، كما إذا شكّ في الركوع وهو قائم، أو شكّ في السجدتين أو السجدة الواحدة ولم يدخل في القيام أو التشهّد، وهكذا لو شكّ في تكبيرة الإحرام ولم يدخل فيما بعدها، أو شكّ في الحمد ولم يدخل في السورة، أو فيها ولم يدخل في الركوع أو القنوت)

وقد فرغنا عن هذا المقطع ببيان ادلتها العقلية والنقلية بما لا مزيد عليه ثم دخلنا في المقطع الثاني أي البحث حول ما اذا طرء الشك للمصلي بعد ما فرغ مما سبقه من الافعال وفي مطلع المقطع بين المصنف المسألة بالإجمال فقال: (وإن كان بعده لم يلتفت وبنى على أنّه أتى به، من غير فرق بيّن الأوّلتين والأخيرتين على الأصحّ). فهو رضوان الله علیه اکد على شمول الحكم للركعتين الأولتين والاخيرتين على الاصح)

إشارة للقول المخالف من انه يري عدم الاعتناء بالشك بعد خروج عن فعل السابق الى الفعل اللاحق في الركعتين الأخيرتين فقط واما في الأولتين فيجب الاعتناء بالشك من الإعادة ان أمكن والقضاء في بعض الموارد وسجدتي السهو في بعضها الآخر بالتفصيل الذي ذكر في محالّها.

ونسب هذا القول الى بعض الفقهاء المتقدمين ومنهم الشيخ المفيد في المُقنعة ونحن راجعنا قوله فرأينا انه أراد الشك في عدد الركعات لا الشك في أجزاء الركعات وهذا ما هو مقبول عند الآخرين.

وممن نسب اليه هذا القول هو الشيخ الطوسي رضوان الله عليه واليك نص كلامه في النهاية: (ومن شكّ في تكبيرة الافتتاح فلم يدر: كبّر أو لا، فليكبّر وليمض في صلاته. وإن شكّ في القراءة فلم يدر: قرأ أم لا قبل الرّكوع، فليقرأ وليركع. فإن قرأ سورة ثمَّ ذكر أنّه لم يقرأ الحمد، رجع فقرأ الحمد، ثمَّ قرأ بعده سورة، ثمَّ ليركع. فإن ركع ثمَّ ذكر أنّه كان قد قرأ، فليس عليه شي‌ء. وإن شكّ في القراءة بعد الرّكوع، رضى في صلاته وليس عليه شي‌ء.) [1]

هذا الكلام منه رضوان الله عليه لا يثبت عليه القول باختصاص عدم الاعتناء بالشك بالركعتين الأخيرتين: بل ظاهره موافقة لقول المشهور.

اما كلامه في التهذيب: فذكر هذه الرواية: "وَعَنْهُ -سعد بن عبد الله- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الرَّجُلِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ فِي الصَّلَاةِ فَيَشُكُّ فِي الرُّكُوعِ فَلَا يَدْرِي أَ رَكَعَ أَمْ لَا وَيَشُكُّ فِي السُّجُودِ فَلَا يَدْرِي أَ سَجَدَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: لَا يَسْجُدُ وَلَا يَرْكَعُ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ يَقِيناً، وَعَنِ الرَّجُلِ يَنْسَى سَجْدَةً فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا قَامَ وَرَكَعَ قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَسْجُدُ حَتَّى يُسَلِّمَ فَإِذَا سَلَّمَ سَجَدَ مِثْلَ مَا فَاتَهُ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ إِذَا ذَكَرَهُ"."[2] سنده موثق

ثم علّق عليه بقوله: (وَهَذَا الْحُكْمُ فِي السَّهْوِ عَنِ السُّجُودِ إِنَّمَا هُوَ يَخُصُّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ مَتَى شَكَّ فِيهِمَا فِي السُّجُودِ أَعَادَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ) ‌ثم ذكر هذه الرواية:

"أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ رَاكِعٌ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً فِي الْأُولَى؟ قَالَ: كَانَ أَبُو الْحَسَنِ ع يَقُولُ: إِذَا تَرَكْتَ السَّجْدَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَمْ تَدْرِ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ اسْتَقْبَلْتَ حَتَّى يَصِحَّ لَكَ ثِنْتَانِ، فَإِذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَتَرَكْتَ سَجْدَةً بَعْدَ أَنْ تَكُونَ قَدْ حَفِظْتَ الرُّكُوعَ أَعَدْتَ السُّجُودَ".[3] فالشيخ رضوان الله علية ذهب الى التفريق بين ركعتي الأولى وركعتي الاخيرة واستند في قوله بهذه الرواية المباركة.

أقول: سندها لا بأس به، لأنّه قال في مشيخته انه أخذ من الكليني فلا اشكال في سنده الى احمد بن محمد بن عيسى. واما الدلالة: في مقطع الأول من الحديث يكون الكلام في مورد حصل العلم له بعد ركوعه في الركعة الثانية بنسيان السجدة وليس الكلام في الشك، وفي المقطع الثاني من الحديث أيضا يذكر كلام الامام عليه السلام فيمن علم بترك السجدة والالف اللام للجنس، ولكنه لا يدري انّ تركُ السجدة تحقق بواحدة او بثنتين فالخروج عن العلم بالترك لا يتحقق الا بإعادة الصلاة لان في فرض نسيان سجدتين، فصلاته باطلة لترك الركن. وعلى كل حال ليست الرواية بصدد التفريق بين ركعتي الأولى مع الثانية في الحكم. فنسبة هذا التفصيل الى الشيخ لا بأس به ولكن استناده الى هذا الحديث في غير محله.

والشيخ في المبسوط يذكر المذهبين في المسألة وما يترتب على كل مذهب من تكليف من دون ترجيح. راجع المبسوط في الفقه الامامية ص 120

ونسب هذا القول الى العلامة أيضا ولكن عندما نراجع الى كلامه في التذكرة نرى خلافه.

قال قي التذكرة: (لو شك في جزء منهما – أي من الأولتين - لا في عدد، كالركوع، أو السجود، أو الذكر فيهما، أو الطمأنينة، أو القراءة كان حكمه حكم الشك في غيرهما‌- وسيأتي- عند أكثر علمائنا لأصالة البراءة، وقال الشيخان: يعيد «3» لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم تحفظ الأولتين فأعد صلاتك» «4» والمشهور الأول، وتحمل الرواية على العدد).[4] فالعلامة رفض التفريق واختار قول المشهور.

وعلى كل حال ما صار منشأ للتفريق في حكم الشك بين اوليتين والآخريتين روايات استندوا اليها نذكر بعضها لنرى مدى دلالتها وما يقتضي من الجمع بينها وهل ما ذكرنا في قاعدة التجاوز شاملا لجميع أجزاء الصلوات او لا؟.

منها: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: قَالَ‌ أبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "كَانَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَفِيهِنَّ الْقِرَاءَةُ- وَلَيْسَ فِيهِنَّ وَهْمٌ يَعْنِي سَهْواً- فَزَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَبْعاً وَفِيهِنَّ الْوَهْمُ وَلَيْسَ فِيهِنَّ قِرَاءَةٌ- فَمَنْ شَكَّ فِي الْأُولَيَيْنِ أَعَادَ- حَتَّى يَحْفَظَ وَيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ- وَمَنْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ عَمِلَ بِالْوَهْمِ"[5] سند الصدوق الى زرارة سند صحيح، واما الدلالة: فهي صريحة بالتفريق بين الفئتين من الركعات. والمراد من الوهم هو الشك ونفي الشك عن عشر ركعات هي فرض الله بمعنى عدم صحة صلاة فيها شكٌ.

ومنها: وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زُرَارَةَ وَزَادَ "وَإِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ كُلَّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ- وَزَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَبْعاً وَفِيهِنَّ الْوَهْمُ- وَلَيْسَ فِيهِنَّ قِرَاءَةٌ".[6] لابن ادريس سند صحيح الى كتاب حريز ودلالتها كالسابقة منها.

ومنها" ما رواه الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ جُذَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: قَالَ: "إِذَا سَلِمَتِ الرَّكْعَتَانِ الْأَوَّلَتَانِ سَلِمَتِ الصَّلَاةُ".[7] سند الصدوق الى عامر صحيح ولكن لم يرد للعامر توثيق صريح وقد عبر عنه بحواري أبي عبد الله فالسند حسن. واما الدلالة ففيها أوقف صحة الصلاة بسلامة ركعتان الأوّلتان مفهومها إذا في الأولتان نقص من شك وغيرها لا تكون الصلاة سالمة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo