< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک فی الصلاة /المسألة الثامنة من احکام الشکوک

 

قال السید المصنف (مسألة 8): حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه، وأمّا‌ الوسواسيّ فالظاهر أنّه يبني على الإتيان وإن كان في الوقت).

فی الجلسة الماضية قلنا ان تعميم الحكم من كثير الشك في أجزاء الصلاة الى كثير الشك في إتيان اصل الصلاة تابع لمفاد الأدلة اما بنص تفيد التشابه بين الشكين او اطلاق يفيد المشاركة او اثبات ان كلا الموردين مصداق للوسواس وقد مررنا على خمسة من الروايات:

أحدها: موثقة عمار وهي ساكتة عن حكم كثير الشك في أصل الصلاة لان السؤال فيها انما كان عن الشك في أجزاء الصلاة فجاء فيها: "الرَّجُلِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ فِي الصَّلَاةِ- فَيَشُكُّ فِي الرُّكُوعِ فَلَا يَدْرِي أَ رَكَعَ أَمْ لَا- وَيَشُكُّ فِي السُّجُودِ فَلَا يَدْرِي أَ سَجَدَ أَمْ لَا- فَقَالَ لَا يَسْجُدُ وَلَا يَرْكَعُ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ" وجاء رد الامام عليه السلام في مورد السؤال فلا أطلاق لها يشمل كثير الشك في أصل الصلاة ولا مفهوم ينفي اشتراك الحكم فيهما.

ولو لقائل ان يقول: ان السؤال يكون عن الكبرى ثم يذكر الركوع والسجود مصداقين لكثير الشك فاذا يشمل كثير الشك في أصل الصلاة ايضاً.

ثانيها: صحيحة محمد بن مسلم حيث قال الامام عليه السلام: "إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فَامْضِ عَلَى صَلَاتِكَ- فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَدَعَكَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ".[1]

ثالثها: صحيحة ابن سنان: "إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ".[2]

ففيهما إطلاق يشمل كثير الشك في إتيان أصل الصلاة ايضاً، لان المناط المذكر في صحيحة ابن مسلم وهو كون الشك من الشيطان موجود في موردنا.

رابعها: صحيحة الفاضلين: حيث ورد في السؤال: "الرَّجُلُ يَشُكُّ كَثِيراً فِي صَلَاتِهِ- حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَلَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ؟ والكمية تشمل في عدد الركعات كما تشمل عدد الصلوات وما أجاب به الامام عليه السلام من قوله: "يَمْضِي فِي شَكِّهِ" ليس فيه تخصيص بالشك في أجزاء الصلاة كما ان قول الامام "إِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبِيثُ أَنْ يُطَاعَ- فَإِذَا عُصِيَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَحَدِكُم" [3] بمنزلة التعليل للزوم عدم الاعتناء بالشك، هذه القرائن تدل على تعميم الحكم لكل موارد كثرة الشك.

انما الشيء الذي يمكن ان يصرف المدلول الى شكوك خاصة قوله عليه السلام: "لَا تُعَوِّدُوا الْخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ نَقْضَ الصَّلَاةِ" وقوله عليه السلام: "فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الْوَهْمِ وَلَا يُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلَاةِ" حيث ذكر الإمام نفض الصلاة والنقض انما يترتب إذا اعتنى المكلف بشكه في أجزاء الصلاة ولا يحصل النقض بالاعتناء الى الشك في أصل الصلاة.

ولكن الانصاف والذي يمكن ان نسميه روح كلام الامام انه عليه السلام يأمر بالمضي وعدم الاعتناء الى الشك لأنه من الشيطان ويجب علينا محاربته وذكر نقض الصلاة في كلام الامام انما هو لبيان شيء واضح من المساوي التي تترتب على الاعتناء بالشك فتأمل جيداً. ولكن كما قلنا بما ان الدليل ليس حصرا في هذه الصحيحة فنغمض العين عنها ونتنازل ونكتفي بغيرها.

خامسها: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: "قَالَ الرِّضَا عليه السلام "إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ- فَامْضِ عَلَى صَلَاتِكَ وَلَا تُعِدْ".[4] ارسله الصدوق الى الامام عليه السلام مما يقبله البعض، اعتماداً على الصدوق. فالسهو مطلق في كلام الامام و -في- قد يستعمل بمعنى الظرفية وقد يستعمل لبيان الموضوع، فلا يختص بالشك في أجزاء الصلاة ويشمل كثير الشك في أصل الصلاة ايضاً.

سادسها: صحيحة ابي بصير رواها مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "لَا سَهْوَ عَلَى مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِسَهْوٍ" [5]

في سنده: طريق ابن ادريس الى كتاب محمد بن علي بن محبوب صحيح وهو يروي عن عباس وهو ابن معروف القمي، وثقه النجاشي وهو يروي عن عبد الله بن المغيرة الذي وثقه النجاشي بقوله: (كوفي ثقة ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه) فالسند صحيح لا غبار عليه.

واما الدلالة فهي تدل على عدم اعتناء الى سهوه من يعرف من نفسه انه ساهي. ففي كل موضوع عرف نفسه باستقرار السهو فيه فلابد ان لا يعتني به ومنها الشك في إتيان الصلاة لمن استقر عنوان الساهي عليه.

سابعها: صحيحة عبد الله بن سنان: يرويها مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "رَجُلًا مُبْتَلًى بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ- وَقُلْتُ هُوَ رَجُلٌ عَاقِلٌ- فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: وَأَيُّ عَقْلٍ لَهُ وَهُوَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟- فَقُلْتُ لَهُ وَكَيْفَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ- فَقَالَ سَلْهُ هَذَا الَّذِي يَأْتِيهِ مِنْ أَيِّ شَيْ‌ءٍ هُوَ- فَإِنَّهُ يَقُولُ لَكَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ". [6] سندها صحيح وقوله مبتلى بالوضوء والصلاة هو كثرة الشك فيهما والامام عليه السلام اعتبر متابعته لشكوكه اطاعة الشيطان والابتلاء بالصلاة اعم من الشك الكثير في اصل الصلاة فيشمل ما نحن فيه مضافا على ان بيان الامام يفيد أي متابعة للشك الكثير هو من الشيطان.

والظاهر ان الوسواس هو بيان للابتلاء بالشك والسهو خارجا عن المتعارف ولا يصدق الابتلاء الا اذا خرج عن العادة فالوسواس تعبير عن حالة آخر عن حالة الابتلاء بالشك والسهو الكثير فبما بيّنا من خلال الروايات ظهر ان العناوين الوسواسي والساهي والشكاك أسماء لحقيقة واحدة وانما هي تفنن في التعبير فلا يبقى مجال للترديد في المسألة نعم ان مصداق الشكاك في إتيان الصلاة شاذ جددا وعلى فرض الوجود حكمه حكم كثير الشك في أجزاء الصلاة.

وبما بيناه يتوضح المقطع الأخير من هذه المسألة حيث قال السيد المصنف: (وأمّا‌ الوسواسيّ فالظاهر أنّه يبني على الإتيان وإن كان في الوقت).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo