< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک فی الصلاة /المسألة السادسة

 

قال المصنف: (مسألة 6): إذا علم أنّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر ولم يدر المعيّن منها يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، سواء كان في الوقت أو في خارجه نعم لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء على أنّ ما أتى به هو الظهر، فينوي فيما يأتي به العصر ولو علم أنّه صلّى إحدى العشاءين ولم يدر المعيّن منهما، وجب الإتيان بهما سواء كان في الوقت أو في خارجه، وهنا أيضاً لو كان في وقت الاختصاص بالعشاء بنى على أنّ ما أتى به هو المغرب، وأنّ الباقي هو العشاء).

كان بحثنا في اليوم الماضي في الفرع الأول وقلنا ان مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب إتيان صلاتين الظهر والعصر حتى يتيقن بامتثال امر المولى وقلنا انّ بعض الاعلام استدل لكفاية إتيان رباعية واحدة بقصد ما في الذمة عن أحد الظهرين التي على ذمته، بقوله: (لكفاية القصد الإجمالي بلا إشكال بمقتضى القاعدة مضافاً إلى الصحيحة الواردة في الفائتة المردّدة بينهما المصرّحة بذلك)[1]

فهو استدل أولاً بمقتضى القاعدة وثانياً بروايات قد ذكرنا إحداها وهي صحيحة علي بن اسباط حيث ورد فيها: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاةِ يَوْمِهِ وَاحِدَةً وَلَمْ يَدْرِ أَيُّ صَلَاةٍ هِيَ- صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَثَلَاثاً وَأَرْبَعاً".[2] فأربعة تقع مكان الصلاة التي لا يدريها ما هي ظهرا او عصرا؟

وفي نفس الباب حديث آخر وهو مرفوعة الحسين بن سعيد واليك نصها: أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمَحَاسِنِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ- الْخَمْسِ لَا يَدْرِي أَيَّتُهَا هِيَ قَالَ يُصَلِّي ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً ورَكْعَتَيْنِ- فَإِنْ كَانَتِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ كَانَ قَدْ صَلَّى- وَ إِنْ كَانَتِ الْمَغْرِبَ وَ الْغَدَاةَ فَقَدْ صَلَّى".[3] سندها مرفوعة ولكن دلالتها على المقصود واضحة .

أقول: بالنسبة الى الدليل الأول أي قوله بمقتضى القاعدة ماهي القاعدة؟ تدل على جواز الاكتفاء بنية اجمالية. ولو كان الاكتفاء بنية اجمالية كافي في أداء الواجب لكان عليه الالتزام بجواز الصلاة دائما بنية ما في الذمة من دون تعيين ما هو واجبه الفعلي، وما اظن ان يلتزم بذلك فقيه بل الأصل هو لزوم تعيين الصلاة التي يريد ان يصليها من الظهر او العصر فان قاعدة الاشتغال تفيد لزوم إتيان صلاتين كل بنيتها حتى تصل الى اليقين ببراءة الذمة كما بيناه. ويستفاد لزوم تعيين العبادة في النية بعينها من روايات نذكر نماذجاً:

منها: صحيحة ابي حمزة واليك نصها: روى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ: "لَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ".[4]

سندها صحيحة فمالك بن عطية وثقه النجاشي وابي حمزة هو الثمالي.

واما الدلالة فمفردة -بنية- نكرة في سياق النفي تفيد العموم فتدل على ان لكل عمل لابد من نية خاصة لها، نية معينة ومثلها أكثر من رواية. مضافا الى ما ورد في النبوي المشهور "انما الاعمال بالنيات" و"لكل امرءٍ ما نوى" وافتى فقهائنا العظام كذلك بلزوم تعيين النية قبل الدخول في العبادة الا في موارد خاصة يجوز او يجب ان يعدل عن نيته بغيرها وهذه الموارد استثناء عن لزوم تعيين النية والاستمرار عليها الى آخر الصلاة. وهكذا روايات العدول تدل بالملازمة على تعيين النية

نعم الاستناد بالروايتين جميل لأنهما تدلان على كفاية إتيان رباعية بنية ما في الذمة عند التردد والاولى منهما كانت صحيحة والثانية مؤيدة لما في الصحيحة. فببركة هاتين الروايتين نقول بكفاية رباعية واحدة بنية ما في الذمة. فقول السيد في الفرع الأول مقبول لا غبار عليه.

اما الفرع الثاني وهو قوله: (نعم لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء على أنّ ما أتى به هو الظهر، فينوي فيما يأتي به العصر)

في هذه المسألة اقوال واحتمالات:

أحدها: ما اختاره السيد المصنف ووجهه على ما اختاره في الوقت ان في آخر الوقت خاص بصلاة العصر وانتهى وقت الظهر فشكه في إتيان الظهر شك خارج الوقت فيبني على انه اتى بها وانما بقى عليه صلاة العصر وهو شاك في اتيانها فيجري فيها استصحاب عدم الاتيان بلا معارض فيصلي العصر فقط.

والقول الآخر: يجب ان يأتي برباعية بنية ما في الذمة لان اختصاص آخر الوقت بالعصر انما يكون اذا لم يأت بالعصر سابقاً وفيما نحن فيه يحتمل ان ما اتى به كانت صلاة العصر فصلاة الظهر لها وقت فهو مخير في اتيان احدهما أداءً والآخر قضاءً لأنه غير قادر على اتيانهما معا في الوقت والمورد من باب تزاحم الواجبان من دون ترجيح لاحدهما.

والقول الثالث: يجب عليه ان يختار العصر أداء وإتيان الظهر بعدها قضاء والسر في هذا الرأي ان الوقت مشترك بين الظهر والعصر وقاعدة الاشتغال تجري في كلاهما فيتزاحمان وعند التزاحم حق التقدم للعصر في آخر الوقت فتبقى الظهر لخارج الوقت ان يقضيها.

أقول: مختارنا هو الاتيان برباعية على ما في الذمة تمسكاً بالروايات التي أشرنا اليها. فالمورد مورد الترديد بين الصلاتين المتماثلتين كلاهما حصل الشك فيهما في داخل الوقت على ما قلنا سابقا بأنّ وقت الظهرين يبدأ بزوال الشمس وينتهي بالمغرب وها الذي ذهب اليه من المعلقين أكثر من واحد. فانتهينا من الفرع الثاني في هذه المسألة وغدا نتابع بحثنا في الفرع الثالث ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo