< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک فی الصلاة /المسآلئ الثانیة والثالثة

 

(مسألة3): لو ظنّ (1) فعل الصلاة فالظاهر أن حكمه حكم الشك في التفصيل بين كونه في الوقت أو في خارجه، وكذا لو ظنّ عدم فعلها).

تعلیقتان:

(1) قال الشیخ آقا ضياء: (من غير البيّنة في الفرعين وإلّا فمعها فعموم حجّية دليلها كافٍ في كفايتها واللّٰه العالم)

(2) وقال السید الشيرازي: (ظنّاً غير اطمئناني).

هذه المسألة تسلّمَها أصحاب التعليقات على العروة ولم يناقشوا فيها، وهاتان التعليقتان بيان لمن انقلب شكه الى اليقين، اما تعبداً كما إذا قامت بينة عنده، واما عرفاً كما اذا حصل عنده الاطمئنان الذي هو يقين عرفي، فلم يخالفوا مع المصنف في رأيه.

والسر في هذا الحكم ان الشك نقيض اليقين فكل ما لايكون يقيناً فهو محسوب على الشك كما ورد في العين: (الشَّكُّ: نقيض اليقين) ومثله ورد في المحيط، ولسان العرب وغيرها من كتب اللغة.

وقال الراغب الاصفهاني في المفردات: (الشَّكُّ: اعتدال النّقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النّقيضين، أو لعدم الأمارة فيهما، والشَّكُّ ربّما كان في الشي‌ء هل هو موجود أو غير موجود؟ وربّما كان في جنسه، من أيّ جنس هو؟ وربّما كان في بعض صفاته، وربّما كان في الغرض الذي لأجله أوجد. والشَّكُّ: ضرب من الجهل، وهو أخصّ منه، لأنّ الجهل قد يكون عدم العلم بالنّقيضين رأسا، فكلّ شَكٍّ جهل، وليس كلّ جهل شكّا، قال اللّه تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [1] ، ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾[2] ، ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾[3] واشتقاقه إمّا من شَكَكْتُ الشي‌ء أي: خرقته، فكأنّ الشَّكَّ الخرق في الشي‌ء، وكونه بحيث لا يجد الرأي مستقرّا يثبت فيه ويعتمد عليه ويصحّ أن يكون مستعارا من الشَّكِّ، وهو لصوق العضد بالجنب، وذلك أن يتلاصق النّقيضان فلا مدخل للفهم والرّأي، لتخلّل ما بينهما).[4]

وجاء في مصباح المنير للفيومي: (قَالَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ: (الشَّكُّ) خِلَافُ الْيَقِينِ فَقَوْلُهُمْ خِلَافُ الْيَقِينِ هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ سَوَاءٌ اسْتَوَى طَرَفَاهُ أَوْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ تَعَالَى ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَىْ غَيْرَ مُسْتَيْقِنٍ وهُوَ يَعُمُّ الْحَالَتَيْنِ وَقَالَ الْأَزْهَرِىُّ فِي مَوْضِعٍ مِنَ التَّهْذِيبِ: الظَّنُّ هُوَ (الشَّكُّ) و قَدْ يُجْعَلُ بِمَعْنىَ الْيَقِينِ وقَالَ فِى مَوْضِعٍ: (الشَّكُّ) نَقِيضُ الْيَقِينِ فَفَسَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ بِالْآخَر، وَكَذلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ فَارِس (الظَّنُّ) يَكُونُ شَكًّا وَيقِيناً وَيُقَالُ أَصْلُ (الشَّكّ) اضْطِرَابُ الْقَلْبِ والنَّفْسِ وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ (الشَّكَّ) فِى الْحَالَيْنِ عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ مَنْ (شَكَّ) فِى الطَّلَاقِ و مَنْ (شَكَّ) فِى الصَّلَاةِ أَىْ مَنْ لَمْ يَسْتَيْقِنْ وسَوَاءٌ رَجَحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَمْ لَا)[5]

وعلى كل حال اليقين والشك متناقضان والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ولا ثالث لهما.

أقول: في تفسير اليقين والشك الأصح هو القول: بانهما حالتان طارئتان على ذهن الانسان اذا التفت الى شيء فإمّا يتيقن بوجوده او يتيقن بعدمه او ليس عنده يقين فهو شاك فيه، ولكن الشك له درجات في الاحتمال النفسية بالنسبة الى الطرفين فالاحتمال القوي هو المسمى بالظن والاحتمال المتوسط قد يسمى الشك والاحتمال الضعيف يسمى الوهم. والعقل يحكم إذا توجه الى العبد امر من مولاه يجب ان يتيقن بأدائه وامتثاله، فاليقين هو الملاك في أداء التكاليف والعبد ما لم يتيقن بامتثال امر المولى يجب عليه ان يسعى حتى يتيقن. والله نفي في القرآن الكريم الحجية عن الظن مرتين مرة في سورة يونس، قال تعالى في وصف المشركين: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [6] وأخرى في سورة النجم، قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾[7]

والظن بعنوانه ليس حجة وملاكاً للعمل مطلقاً الا الظنون الخاصة التي ورد على حجيتها من الشارع المقدس دليل قطعي وجداني او تعبدي. وتسمى تلك الظنون بالظنون الخاصة. وكما تعرفون ان في علم الأصول يبحثون عن حجية الظن وينفونها الا جمع قليل الذين ذهبوا الى انسداد باب العلم بما يكفي الشريعة. وخلاصة الكلام: إذا شك بمعناه الواسع انه صلى؟ فان كان في الوقت يجب اتيانها للاستصحاب وقاعدة الاشتغال وان كان خارج الوقت لا يجب عليه شيء لقاعدة البراءة عن التكليف لان القضاء بأمر جديد وكذلك صحيحة الفاضلين التي ذكرناها سابقاً وهي قول الصادق عليه السلام: "مَتَى اسْتَيْقَنْتَ أَوْ شَكَكْتَ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّهَا- أَوْ فِي وَقْتِ فَوْتِهَا أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّهَا صَلَّيْتَهَا- وَإِنْ شَكَكْتَ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُ الْفَوْتِ وَقَدْ دَخَلَ حَائِلٌ- فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْكَ مِنْ شَكٍّ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ" الحديث فكلام السيد المصنف في هذه المسألة في غاية المتانة

قال المصنف رضوان الله عليه: (مسألة 4): إذا شكّ في بقاء الوقت وعدمه يلحقه حكم البقاء).

والدليل على هذا الحكم هو استصحاب الوقت. وقد يشكل فيه بان الاستصحاب انما يكون عند الشك في بقاء المتيقن السابق والوقت متصرم الوجود وكل لحظة ينعدم فيها الوقت السابق فالمتيقن منعدم والحال لا ندري صفته فاين المستصحب المقطوع الوجود كي نستصحب وجودها الى حين الشك؟ فيجاب عن هذه الشبهة ان الوقت الصلاة يعتبر وجود واحد ممتد فنستحب وجوده بعنوان كان التامة، كما يمكن ان نجعل المستصحب وجود المكلف في الوقت يقينا ولا يدري لا زال هو داخل الوقت فيستصحب كونه داخل الوقت بنحو كان الناقصة.

هذا في الزمان ومثله نجد في المكان، فمن خرج من بلده مسافرا فيصل الى نقطة لا يدري تجاوز حد الترخص او لا فيستصحب بقاءه في داخل المسافة وبالعكس عند العودة من سفره. ونظيرهما في المقادير فاذا صب الماء في حوض لا يدري هل وصل الحد الكرّ او لا؟ يبني على عدم الوصول مستندا الى الاستصحاب وكذلك عند افراغ الماء إذا كان أكثر من الكرّ، فشك في الخروج من حد الكر فيبني على بقاء الكر. ففي الوقت هكذا. فالمستصحب في الزمان هو عنوان وقت الظهر مثلا وكان متيقنا واصبح مشكوكا وفي المسافة المستصحب هو المسافة الأقل من حد الترخص كان متيقنا فاصبح مشكوكا وفي الكر كان الماء بمقدار الكر متيقنا فاصبح مشكوكاً وموضوع الاستصحاب الشك في بقاء ما كان موجودا من ذات او وصف او حالة. فعلينا ان نبني على بقاء ما كان مادام لم يأت العلم بزواله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo